ألقى الأستاذ محمود القصاب محاضرة حول العراق والاحتلال والمقاومة واحتمالات المستقبل في مجلس شويطر بالمحرق بالبحرين
وفيما يلي نص المحاضرة:
أود في مستهل هذا الموضوع وكمدخل له أن اذكر ثلاث ملاحظات سريعة:
1) أن العدوان والاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق كما نعرف ويعرف معنا كل العالم قد قام على سلسلة من الأكاذيب مسنودة بآلة إعلامية هائلة التضليل وتزوير الحقائق بدءاً من كذبة أسلحة الدمار الشامل مروراً إلى علاقة العراق بتنظيم القاعدة وكذبة الزرقاوي إلى كذبة الديمقراطية، وقد كان شعار إدارة بوش وزمرة ما يسمون بالمحافظين الجدد ((اكذب واستمر في الكذب حتى يصبح الكذب صدقاً)) لأنهم يعرفون جيداً بأنهم لا يمكن لهم الحصول على أية شرعية لأعمالهم الإجرامية آلا عن طريق الكذب والتزوير وأن سياسة الأكاذيب وتشوية الحقائق التي اعتمدتها هذه الإدارة قد امتدت إلى الكثير من الأدوات الإعلامية التي أوجدتها وكذلك إلى العديد من أصحاب الأقلام المأجورة والمليئة بالأحقاد ممن ينسبون زوراً إلى هذه الأمة على الصعدين الوطني والقومي. وهذا يعني أن استراتيجية الاحتلال تقوم إلى جانب سياسة الغزو والعدوان والقتل هناك أيضاً الحرب الموازية وهي الحرب الإعلامية والدعائية التي تمتلك كما قلنا إمكانيات هائلة وكلها تصب على رؤؤسنا بغرض تحطيم معنوياتنا والتأثير في نفوسنا وعقولنا لقبول واقع الاحتلال وما نجم عنه من إجراءات وإفرازات وهكذا صارت المقاومة ارهاباً وصار العراقي أو العربي أو المسلم الذي يرفض الاحتلال هو عدو للديمقراطية وإرهابي محرضاً على العنف.
لذلك بات علينا نحن اليوم مسؤولية كبرى في مواجهة هذا العدو وأساليبه العدوانية والدعائية وبات من الواجب أيضاً ونحن نتعامل مع الواقع العراقي في ظل الاحتلال أن نكون يقظين دائماً في التعامل مع إعلامه وأدواته وأن تكون جهودنا الإعلامية والثقافية (ومنها بالطبع هذه اللقاءات والحوارات) يجب أن تصب في خانة الفعل الذي يخدم مقاومة المحتل وتعرية مشاريعه وأهدافه، وتوعية الناس بالحقائق، لا بتظليلها أو تخديرها بالأوهام وبالهياج العاطفي واطلاق الشعارات والخطب الحماسية، نقول ذلك لأن في أيدينا المعطيات الجديدة التي افرزها الاحتلال ولدينا الكثير من الحقائق التي تكشفت ولا تزال تتكشف يومياً عن أهداف الاحتلال وممارساته الإرهابية على أرض الواقع. وهي على درجة من الوضوح بحيث أسقطت معها كل الحجج والذرائع التي ساقتها إدارة بوش للعدوان على العراق، فقد آن الأوان في أن نبدأ في شن الهجوم الإعلامي المعاكس والمضاد مستندين كما قلنا على الحقائق وممارسات الغزاة وعملائهم ولا بد لنا أيضاً من التصدي وكشف زيف الأدعياء من بعض اليساريين والليبراليين وكذلك بعض الدينين الذين دخلوا حلبة السباق للارتماء في أحضان الإمبريالية والشيطان الأكبر.
2) لا أطن أن أحداً منا لا يزال يجادل أو يجهل أهداف الاحتلال الأمريكي للعراق فهي قد باتت معلنة ومعروفة، كما لا يخفي علينا أنه من بين تلك الأهداف تدمير الهوية الوطنية والقومية والإسلامية للعراق، واعادة تشكيل وصياغة التركيبة الإقليمية التي توافق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وخلق كيانات جديدة تقوم على أساس تكريس الانتماءات الفئوية والتجزئية مثل الطائفية والمذهبية والعشائرية وغيرها تحت غطاء الديمقراطية، لذلك ولكي لا نكون عوناً للمحتل الأمريكي الصهيوني في العراق لبلوغ أهدافه ولكي نقدم نصرتنا الحقيقية للمقاومة في العراق يوجب علينا التعاطي مع القضية العراقية ومع الاحتلال وكل نتائجه وإفرازاته من منطلقات وطنية وقومية واسلامية صادقة دون الوقوع في فخ التفسيرات والمجادلات والمشحانات الطائفية والمذهبية ولا يجب الدخول في تنافر سياسي ومذهبي حول الاحتلال وحول هوية المقاومة، فالوقائع التي تجري على الأرض تؤكد أن هناك قوى إسلامية وقومية ويسارية وطنية تشارك بفعالية واضحة في جهد المقاومة، وهذه الحقيقة قد فرضت نفسها على الاحتلال وعملائه، فخطابنا السياسي في هذه القضية يجب أن يقوم ويؤسس على الوحدة الوطنية التي من شأنها أن تضعف فرص القوي الإقليمية والدولية التي تريد التلاعب بالأوراق الداخلية في دولنا من أجل مصالحها.
3) في صراعنا ومواجهتنا مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها ومشروعها الاستعماري أصبحنا ندرك أن للوجه الأمريكي العسكري العدواني وجوهاً أخرى هي وجوه سياسية وفكرية وثقافية واجتماعية – لذلك فأنه حسب الموازين العسكرية والمادية البحتة – نحن نمثل دون شك الطرف الأضعف، لذلك مطلوب منا ونحن نسعى إلى تعديل موازين القوة في هذا الصراع لا بد أن ندخل عامل قوة حقنا وعدالة قضيتنا، باعتبار ذلك من القيم الإنسانية ذات العلاقة بالعدل واحترام إرادة الشعوب ونيل حريتها وتقرير مصيرها واستقلالها، وهذه مسائل لا يجب إغفالها في موازين القوة، بل هي من الموازين التي تحصن صاحب الحق كي لا يتنازل عن حقه وهي تلعب بدون شك دوراً اساسياً في تحديد مفاهيم النصر والهزيمة كما يوضح ذلك الأستاذ / حسن غريب في كتابه (المقاومة الوطنية العراقية – معركة الحسم ضد الأمركة).
لذلك نرى اليوم المقاومة الوطنية في العراق تجسد هذه الرؤية خير تجسيد، فهي بانطلاقها واستمرار تصاعدها أفقياً ونوعياً، قد جعلت من النصر الأمريكي من الناحية العسكرية النظامية ناقصاً بل هو في طريقه إلى التلاشي. وهذه الرؤية تقوم على أساس عاملين هما:
1) رفض الشعب العراقي وقواه الوطنية الحقيقية للأحتلال ورفض تشريع أهداف العدوان والاحتلال ورفض التنازل عن حق الاستقلال والحرية.
2) المقاومة المسلحة ضد الاحتلال كعامل أساس من عوامل تعديل موازين القوى.
ومصداقاً إلى ما نقول نورد هنا فقرة من التقرير الذي وضعه وفد من الكونجرس الأمريكي الذي زار العراق في أغسطس 2003 أي بعد احتلال العراق بأشهر قليلة ((أن المدة التي سبقت سقوط نظام صدام حسين حتى دخول القوات الأمريكية في حربها ضد القوات العراقية النظامية، وأن العسكرية الأمريكية قد كسبت هذه الحرب، ولكن يجب أن نقر ونعترف بأن العسكرية الأمريكية فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق الانتصار على هذا الشعب)).
العراق والمشروع الأمريكي
بعد تلك الملاحظات نرى من المفيد التذكير ببعض الحقائق التي تخدم سياق هذا الموضوع .. أول هذه الحقائق هي أن الأحداث قد أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن العدوان والاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق والذي جاء خارج إطار الشرعية الدولية – لم يكن يستهدف العراق وحده، كما انه قد جاء تلبية لمصالح أمريكية وصهيونية وفي المقدمة منها المصالح البترولية باعتبارها سلعة استراتيجية إضافة إلى الهيمنة على المنطقة وقدراتها والزج بها في أخطبوط العولمة الإمبريالية الأمريكية، كما أثبتت الأحداث في العراق وحجم التورط الصهيوني فيها أن العدوان في الواقع لا يمكن فصله عن إستراتيجية الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، وأن هذا الاحتلال الذي حصل وسط ضجيج إعلامي كاذب ومسعور قد وظف إمكانيات مادية ومعنوية كبيرة لتدمير العراق تدميراً كاملاً في سبيل أضعاف هذه الأمة لأن العراق كان في الواقع يشكل قاعدة علمية ونهضوية كما كان رمزاً للتقدم العلمي والحضاري وهذا ما جعل منه رقماً صعباً في حسابات الإمبريالية الصهيونية، والحقيقة الثانية هي أن العراق قد دفع ثمن مواقفه القومية خاصة موقفه من قضية فلسطين وأن نظامه الوطني السابق قد دفع ثمناً باهضاً مقابل خياراته وقناعاته المبدئية والتزاماته القومية.
وبالرجوع إلى الوراء قليلاً نتذكر كيف أن الولايات المتحدة والقوى العدوانية معها لم تكتف بما حصل للعراق من تدمير عام 1991م وما تبعه من رجعات عدوانية خلال عقد التسعينات وما أحدثته من تدمير للبنى التحتية، ثم جاء الحصار الظالم والعقوبات التي لم يشهد العالم مثيل لها، وهو حصار استمر أكثر من ثلاثة عشر عاماً وكان بمثابة حرب إبادة جماعية راح ضحيته أكثر من مليون ونصف المليون من العراقيين، إضافة إلى حصار ثقافي وعلمي أدى إلى تراجع مدمر لمستوى التعليم وضعف الإمكانيات الأكاديمية وكان العراق من قبل قد أنجز وبنجاح متميز خطة محو الأمية وفق خطة استمرت حوالي عشر سنوات وركزت على الفئات العمرية دون الخمسين حيث كانت الأمية تشكل أكثر من 80% من مجموع السكان، وقد حصل العراق بموجب هذا النجاح على أول جائزة من اليونسيكو عام 1981م كما أن العراق قد حقق تقدماً هائلاً في مستوي التحصيل العلمي والمعرفي وخلق قاعدة واسعة من العقول والكفاءات العلمية الرفيعة، وصار لديه جيشاً من العلماء والمهندسين وهم الذين كانوا ولا يزالون مستهدفين من قبل الاحتلال والموساد في الكيان الصهيوني داخل العراق وخارجه، والحقيقة الثالثة أن العراق قبل الحرب العراقية الإيرانية وقبل العدوان الذي فرض عليه عام 1991م قد استطاع تحقيق قفزات هائلة في التنمية الاقتصادية وقد أكدت هذه الحقيقة تقارير الأمم المتحدة الصادرة في نهاية السبعينات ((أن خطط التنمية الاقتصادية المتعددة الجوانب في العراق إذا ما استمرت سوف تدفع بالعراق إلى مصاف الدول المتقدمة في نهاية القرن العشرين))، حيث كان هناك أكثر من أربعين ألف وخبير ومهندس وفني قد قاموا بصنع عوامل الحياة المتجددة وقد توزعوا على مختلف المنشآت الإنتاجية والمختبرات العلمية وشرعوا في بناء عراق جديد مبدع ومتطور للعلم والتكنولوجيا. وهذا يعني في الواقع أن العراق ومن خلال عمليات التنمية المتعددة الجوانب – استطاع أن يفلت من القيود والمحرمات التي فرضها الغرب والصهيونية على العراق والأمة العربية وقد نجح في التغلب على الكثير من المصاعب والمعوقات التي وضعت في طريق نهضته وتقدمه.
لكل هذه الأسباب كانت الصهيونية حاضرة دائماً في كل مخطط العدوان بعد أن فشلت سياسة أحتواء العراق لذلك كان لابد من قرار تدميره والقضاء عليه.
ما نريد أن نخلص إليه من هذا الاستطراد هو أن العدوان والاحتلال للعراق لم يحدث بسبب أن هذا البلد كان يحكم من قبل نظام دكتاتوري كما يزعمون ولم يكن الاحتلال بسبب السلبيات أو الأخطاء التي ارتكبها نظام صدام حسين، ويمكن الرجوع هنا إلى ما كتبه الجنرال شوارسكوف في كتابه ((لا يحتاج الأمر إلى بطل)) لمعرفة حقيقة النوايا الأمريكية تجاه العراق من قبل إحداث غزو الكويت وهجمات الحادي عشر من سبتمبر، ومن أجل استكمال صورة حقيقة ما جرى ويجري في العراق يستلزم الاستعانة ببعض التفاصيل حول طبيعة وأهداف الإدارة الأمريكية في ظل حكم ما بات يعرف "بالمحافظين الجدد" أو "المحافظون الصهاينة" وهؤلاء هم أصحاب نظرية بناء الإمبراطورية الأمريكية، وجعل القرن الجديد قرناً أمريكياً دون أي منافس أو شريك.
وهؤلاء يرون أن أمريكا هي المسؤولة عن ترتيب أحوال القرن الجديد وإقامة لعبة توازن جديدة على أنقاض التوازن الإستراتيجي الذي كان قائماً في ظل الحرب الباردة والذي انتهى بسقوط الاتحاد السوفيتي، وطبعاً هذا التوازن الجديد يجب أن يقوم على أسس تحفظ للولايات المتحدة الأمريكية الكلمة واليد العليا في كل مقدرات العالم، وبسبب هذه النظرية وأصحابها أن الولايات المتحدة تحملت وحدها أعباء مسؤولية الحرب الباردة وإسقاط الاتحاد السوفيتي لذلك فهي غير مستعدة أن تقبل أية شراكة تزاحمها على الجوائز التي يحققها هذا الوضع الدولي الجديد (وطبعاً العراق يمثل أحد هذه الجوائز) وهذا يعكس أحد جوانب الخلاف بين أمريكا وأوربا خاصة فرنسا وألمانيا اللتين عارضتا الحرب على العراق.
فالعراق إذاً كان دائماً حاضراً في صلب نظرية هؤلاء المحافظين الجدد الذين يحكمون أمريكا، ذلك لأن أحد أهم مستلزمات السيطرة والهيمنة بالنسبة إليها هو البترول فهو محرك القوة والتقدم وليس هناك أي بديل لهذه الطاقة حتى إشعار آخر، وفي أحد مقالات محمد حسنين هيكل الذي حمل عنوان ( هذا الإعصار الأمريكي) المنشور في مجلة وجهات نظر العدد 15 أبريل 2003 يؤكد هذه الحقيقة ويقدم تفاصيل حول دور البترول كدافع أساسي من دوافع العدوان والاحتلال الأمريكي لأن العراق يملك وحده ما يزيد على 100 بليون برميل من البترول أي ما يعادل 11% تقريباً من احتياطي العالم، إضافة إلى الكثير من الحقول التي لم تستثمر مما جعل وزارة الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية ترفع حجم الاحتياطات العراقية في تقديراتها السرية إلى أكثر من 220 بليون برميل، أي ضعف ما هو مرصود ومحسوب عالمياً. وهكذا فأن الإمساك بورقة البترول في العالم كورقة ضغط إستراتيجية من حيث الإنتاج والأسعار يضع كل القوى الاقتصادية العالمية تحت رحمة وشروط الولايات المتحدة الأمريكية ويحد من قدرة القوة الأخرى على المنافسة. لذلك وانطلاقاً من هذه الحقيقة فأن من يتصور أن هؤلاء المحتلون جاءوا للعراق لكي يحروره من نظامه السابق كما يزعمون وأنهم سوف يتركون هذا البلد بمجرد انتهاء هذه المهمة وإقامة الديمقراطية كما يروجون – نقول من يصدق هذه الكذبة فهو واحد من اثنين أما واحد لم يفهم أو يقرأ التاريخ جيداً وأما واحد ممن يفكرون على طريقة هؤلاء المحافظين الجدد ويعوم في بحرهم وينهل من خزائنهم التي يسرقونها من الشعوب.
فالتاريخ القريب يقول أن هؤلاء هم الذين خططوا أو اشرفوا على بناء ما يسمى بالتحالف للعدوان الفعلي العراق عام 1990-1991 بعد كارثة غزو الكويت، وهؤلاء هم أنفسهم (وهم خارج السلطة) بعد سقوط جورج بوش الأب – وتولي كلينتون الإدارة الأمريكية هؤلاء هم الذين كتبوا خطاباً إلى كلينتون عام 1998- أي قبل الاحتلال وقبل أحداث 11 سبتمبر يطلبون منه أن يعلن في خطابه بمناسبة حالة الاتحاد وعزم أمريكا على أن يكون القرن الجديد قرناً أمريكياً وأنهم يطلبون ويهيبون بالرئيس أن يضع كل جهود الأمة الأمريكية الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والعسكرية لتأكيد سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية كخطوة أولى أساسية تضمن إزاحة نظام صدام حسين عن حكم العراق وأن تفعل ذلك من خلال الأمم المتحدة أو منفردة إذا اقتضى الأمر. وهؤلاء أيضاً هم الذين تولوا صياغة وطرح مشروع قانون تحرير العراق الذي قبله كلينتون وأرسله إلى الكونجرس الأمريكي حيث تم إقراره عام 1998 وأصبح نافذا وملزماً للرئيس. وبموجب هذا القانون جرى كما نعرف تجنيد العملاء العراقيين وغيرهم من الذين هم في الواجهة السياسية في العراق اليوم من قادة الأحزاب الطائفية والعرقية والشعوبية من أمثال حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة والأحزاب الكردية وقد جرى تأمين قاعدة لهم في شمال العراق وبعض مناطق الجنوب التي فرض حظر الطيران العراقي عليها، ومنها كانت تنطلق العديد من العمليات الإرهابية لزعزعة الأوضاع في العراق وكانت هذه الأوضاع إضافة إلى ما فرض على العراق من حصار ظالم أنهك كل قواه البشرية والمادية وما كان يتعرض له من اعتداءات متكررة على البنى التحتية، كل ذلك قد جرى تمهيداً وتهيئة الأرض للعدوان والغزو الذي حصل عام 2003 بكل ما رافقه من عمليات إجرامية وإبادة جماعية في كل المدن العراقية، حدثت أمام مسمع وبصر الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وعلى مرأى ومسمع مجلس الأمن الذي أصبح أداة طيعة في يد الولايات المتحدة ينفذ مخططاتها وأهدافها العدوانية وشرعنة الاحتلال والاعتراف بالحكومة العملية المفروضة على العراق من قبل قوات الاحتلال. طبعاَ دور الأنظمة العربية لم يعد خافياً فهذه الأنظمة في مجملها كان لها دوراً مشاركاً في إحكام الحصار على العراق وفي سيناريوهات التآمر للعدوان واحتلال العراق، ولا يزال البعض فيها يلعب اليوم دور السمسار الذي يروج للمخطط الأمريكي ويسعي بكل الوسائل ليكون أداة لتنفيذ مشاريع أمريكا في المنطقة، ومن المؤكد أن جميع هذه الأنظمة قد عجزت عن المحافظة على الحد الأدني من الثوابت والقواسم المشتركة وفرطت بالأمن القومي والأسلامي، وهو ما يجعل منها في الواقع شريكة في العدوان والاحتلال وفي الجرائم التي ترتكب بحق العراق والعراقيين، كما تقوم اليوم بمحاولات تسويق "الحكومة العراقية العميلة" عبر عقد المؤتمرات والاجتماعات سواء في شرم الشيخ أو الاردن أو طهران وغيرها من الدول، فالذين فتحوا سماءهم وحدودهم ومياههم لقوات الغزو وطائرته وبوارجه هم شركاء ومتواطئون في جريمة الاحتلال، وأن التباكي أو الحديث عن مصلحة الشعب العراقي وسيادة ووحدة العراق ليس سواء عواء ذئاب في جلود حملان.
المقاومة هويتها وأهدافها:
مع تصاعد ضربات المقاومة واتساع رقعتها الجغرافية في المدن العراقية، بدأت تبرز بعض التساؤلات – كثيراً منها لا يخلو من سوء نية – عن المقاومة العراقية وعن هويتها وأهدافها، وعن مدى قدرتها على الصمود ومواصلة القتال ضد الاحتلال الذي يفوقها عدة وعتاداً وعدداً، ومهما كانت خلفيات ونوايا من يطرح مثل هذه التساولات تبقي هناك حقيقة شاخصة لا يمكن تجاهلها وهي أن المقاومة العراقية وسرعة انطلاقها قد اذهلت الجميع سواء من داخل العراق أو خارجه، حيث كما نعرف قد بدأت بعد احتلال بغداد في 9 أبريل 2003 بأيام قليلة، وكان الاحتلال يحاول التقليل من حجم ونوع هذه المقاومة، وكانت أجهزة الأعلام والدعاية التابعة له تسعي بكل الوسائل إلى ايهام العالم بأن هذه المقاومة ليست سوى أعمال فردية يائسة من بقايا رجالات نظام صدام حسين، ثم سعت إلى اضفاء الطابع الطائفي والجزئي على عمليات المقاومة وروجت إلى استخدام مصطلح "المثلث السني" وكلما تصاعدت وتيرة ضربات المقاومة ضد الغزاة في من حيث الحجم والنوع، كلما صعد الاحتلال بدوره من حملاته الدعائية والاعلامية لتشويه صورة المقاومة والتقليل من فعالياتها، حيث جاء دور مصطلح "المقاتلين الأجانب" الذين يتسللون عبر الحدود وأن هؤلاء هم إرهابين من اتباع "أبومصعب الزرقاوي" ولكن الأحداث والوقائع على الأرض قد أكدت كذب مزاعم الاحتلال بعد أن واجه ولا يزال – مقاومة ضاربة وقوية شملت كل المدن العراقية في الشمال والوسط والجنوب، وصارت مدنا عراقية مثل الفلوجة الباسلة والنجف الطاهر والرمادي وسامراء والموصل وبغداد كلها صارت عناوين للبطولة والشهادة في مقاومة الاحتلال الأمريكي الباغي، وصار لدى المتابعين والمعنيين بالشأن العراقي قناعة تامة بأن القدرة العسكرية الأمريكية وحلفائها ليست هي الفاعل الأوحد والمقرر في أوضاع العراق، بل أن المقاومة العراقية الوطنية صارت اليوم هي الرقم الصعب في تلك الأوضاع، ورغم كل محاولات التشويش والتشوية التي تتعرض لها هذه المقاومة ورغم التعتيم الإعلامي ومحاصرة المقاومة إعلامياً وسياسياً، فقد تأكد اليوم لكل العالم بأن هذه المقاومة هي وطنية بالدرجة الآولى (في معركة الفلوجة الأخيرة باعتراف القادة الأمريكيين انهم القوا القبض على 1056 شخصاً وأن 75 فقط منهم غير عراقيين) وليست طائفية كما يحاول المحتل وأعوانه والسائرين في ركبه الأدعاء بذلك وقد توالت اعترافات القادة والمسؤولين السياسين العسكرين الأمريكان، وأن على استحياء وخجل بهذه الحقيقة وصاروا يعلنون بأن حل الجيش العراقي كان واحد من أكثر القرارات خطأً وكارثيةً على قوات الغزو، وهذا اعتراف غير مباشر بأن قاعدة واسعة من المقاومة هي من الجيش العراقي والحرس الجمهوري وقوات الأمن إضافة القوى الأسلامية (سنة وشيعة) وكلنا يعرف من هو الجيش العراقي وتركيبته الوطنية وعقيدته القتالية، اذا المقاومة ليست مجهولة من حيث الهوية لمن يبصر الحقائق وهي أيضاً ليست مجهولة من حيث المنهاج والبرنامج والإستراتيجية، وأن المقاومة أشمل من أن تختصر في فئة أو طائفة أو أو حزب أو حتى في تيار فالإسلاميون في المقاومة "سنة وشيعة" والقوميون بعثيون وغير بعثيين والشيوعين الوطنيون أيضاً موجودين فهذه القوى جميعها تشارك بفعالية واضحة في إعمال المقاومة العظيمة. ولا نظن إننا بحاجة لأستعراض منجزات المقاومة والانتصارات البطولية التي تحققها على الأرض يومياً، وفي كل ساعة، ومن يريد أن يعرف من هذه المقاومة وما هي بطولاتها ليس عليه سواء أن يقرأ السفر البطولي في مدينة الفلوجة (رمز العزة والشرف) الذي يكتب على يد أبطال نذروا أرواحهم دفاعاً عن العراق والأمة بأسرها، فهذه المدينة بأهلها الصابرين المجاهدين هي التي أوجعت العدو المحتل وتحولت إلى كابوس يقض مضاجعه، وهي بأذن الله سوف تكون مقبرة الغزاة وبوابة النصر النهائي.
ومع هذه الصورة المشرقة والمشرفة للمقاومة علينا أن نقر بأن هناك بعض الأعمال التي تستهدف المدنيين الأبرياء وكذلك صور حز الرؤوس التي تتناقلها وسائل الأعلام وأيضاً عمليات أستهداف واختطاف بعض العاملين في المجالات الإنسانية وأخيراً وليس آخراً استهداف الأماكن المقدسة مثل المساجد والعتبات المقدسة والكنائس واغتيال رجال الدين، وهذه كلها عمليات تحاول قيادة الاحتلال وأعوانها الاستفادة منها اعلامياً لإلصاقها بالمقاومة واتهامها بالأرهاب وإشعال حرب طائفية وهو هدف مقصود ويراد منه الخلط وتشويه صورة المقاومة الوطنية، وهي أعمال من المؤكد نحن نستنكرها وندينها، ونحن على قناعة تامة بأن من ينفذها ليس له علاقة بالمقاومة ولا تستبعد وجود عناصر مدسوسة تعمل بأسم المقاومة، كما لا يجب إغفال دور الاحتلال نفسه وكذلك الموساد الصهيوني الذي صار فاعلاً أساسياً في العراق اليوم – إضافة إلى بعض العناصر التي تعمل لحسابه واخرى تعمل لحساب مخابرات الدول الأجنبية بغرض تشويه المقاومة وخلق بدور الفتنة الطائفية والمذهبية في العراق.
فالمقاومة الوطنية هي مشروع يستهدف الاحتلال ومرتكزاته وأعوانه وعملائه وكل القوى الذي تمده بالقدرة على الاستمرار والبقاء في العراق ومن حق المقاومة بل ومن أهدافها رفع كلفة الاحتلال بشرياً ومادياً ومعنوياُ ومن واجبها أن تعمل على إفشال كل مشاريع الاحتلال السياسية والاقتصادية والأمنية وأن تحرم الاحتلال من أي لحظة استقرار أو هدوء تنعم بها، فهذه هي الوسيلة الوحيدة التي تجبر الاحتلال على أن يعيد النظر في مشاريعه في العراق والمنطقة وتجبره على الخروج مدحوراً مهزوماً.
وحتى تبلغ المقاومة هذا الهدف الأستراتيجي فقد عملت على تطوير فعالياتها العسكرية وابداع الكثير من الوسائل الفنية الجديدة والمتطورة وأستخدمت أساليب عسكرية تكتيكية في مواجهة التقنيات والقدرات العسكرية العالية للأحتلال. كما أن المقاومة العراقية قد أثبتت قدرتها على التحرك السياسي الواسع في الفضاء العراقي، وقد اعترف الأمريكيون أن عمليات المقاومة حالياً تترواح ما بين 70 إلى 80 عملية كل 24 ساعة بعد أن كانت في بداياتها تصل إلى 30عملية.
وفي تقديرنا أن من الخطوات الهامة التي أقدمت عليها المقاومة وعززت من مصداقيتها هي الإعلان عن برنامجها السياسي الموحد الذي اطلقته في مارس 2004 ويحوي تفاصيل موقف وخطط المقاومة السياسية صادر بأسم المجلس الوطني الموحد للمقاومة العراقية – الجناح السياسي وقد شمل هذا البرنامج على أربعة عشر بنداً، ومن خلال قراءة واستعراض النقاط الواردة في البرنامج المذكور يمكن لنا أن نتعرف على إمكانيات وقدرات المقاومة وإمكانية تطورها واحتمالات المستقبل على ضوء ما أنجزته وسوف تنجزه في صراعها مع الاحتلال وإفشال كل أهدافه التي باتت معروفة، ويمكن أن نورد بأختصار بعض أهم نقاط هذا البرنامج وكما يلي:-
أولاً: رفض مطلق وشامل للأحتلال وأدواته وعناصره وكل ما ينتج عنه من هياكل وعناوين وهيئات عميلة وخائنة للشعب.
ثانياً: أستمرار المقاومة بكل أشكالها المسلحة والتعبئة الجماهيرية والمظاهرات والاحتجاجات ومقاطعة الاحتلال وهياكله بكل الوسائل الممكنة حتى رحيل آخر جندي عن أرض العراق.
ثالثا: بمجرد خروج المحتلين الغزاة وتحرير العراق ندعو الي عودة الدولة بكل مؤسساتها الوطنية والسيادية والخدمية وعودة الجيش كمؤسسة وطنية موحدة الي سابق عهده اي علي ما كانت عليه الامور قبل يوم 9/4/2003.
رابعا: سيعلن المجلس الوطني في الوقت المناسب عن تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية لمدة سنتين تقوم بممارسة السيادة وتمثيل العراق وتعمل علي انجاز المهمات الوطنية العاجلة وتضميد الجراح ومساعدة فئات الشعب المتضررة وتولي مهمة اعادة البناء لادارات الدولة ومرافقها الحيوية وكذلك المهمات الوطنية التالية:
أ ـ الدعوة خلال سنتين الي انتخابات جديدة لمجلس وطني جديد باشراف جامعة الدول العربية والمراقبين الدوليين والهيئات الدولية المحترمة والمهتمة بالديمقراطية.
ب ـ تشكيل مجلس شوري من 150 عضوا من اهل الرأي والحكمة من العراقيين المخلصين الذين لم تتلوث اياديهم مع الاحتلال ليكون بمثابة مجلس للحكماء ويقدم المشورة والرأي للحكومة الانتقالية ويشترك مع مجلس الوزراء في اعداد دستور دائم للبلاد ويتضمن كل الحقوق الاساسية للمواطنين ويحافظ علي وحدة العراق وانتمائه العربي ويعرض علي الاستفتاء الشعبي بعد 18 شهرا من تاريخ جلاء الغزاة ويعمل مجلس الشوري والحكومة الانتقالية فورا علي الغاء كل القوانين والقرارات ذات الصفة الاستثنائية التي صدرت سابقا.
ج ـ بعد اقرار الدستور الدائم يجتمع المجلس الوطني المنتخب ومجلس الشوري لانتخاب رئيس للجمهورية ونائب له لمدة 5 سنوات ويعرض اسم الرئيس علي الشعب في استفتاء عام يجب ان يحصل المرشح علي 60% من اصوات المشاركين في الاستفتاء.
هـ ـ اطلاق الحريات السياسية بموجب قانون منظم لها ومنها حرية تأليف الاحزاب السياسية والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني. وتنظيم عملية اصدار الصحف واطلاق الحريات الصحافية واعتماد معايير الوطنية والكفاءة والاخلاص لتولي الوظائف العامة في الدولة وترسيخ مفهوم دولة القانون والنظام والمؤسسات.
و ـ تشكيل مجلس اعلي لحقوق الانسان من الشخصيات المعروفة باستقامتها ونزاهتها الوطنية يتمتع بصلاحيات واسعة منها التحقيق والتفتيش والمحاسبة للمقصرين في انتهاك حقوق الانسان العراقي وكرامته ويرفع تقاريره وتوصياته الي رئيس الجمهورية مباشرة ورئيس الوزراء والمجلس الوطني والعمل بروح الوحدة علي نبذ الطائفية البغيضة وتثبيت مبدأ المساواة امام القوانين.
ز ـ تطوير قانون الحكم الذاتي لكردستان العراق بما يضمن الحقوق القومية والثقافية لاقليم كردستان ضمن اطار وحدة العراق وسيادته ومناقشة هذه الامور بروح الحوار والتفاعل مع القوي الكردية ضمن ثوابت الحرص علي العلم والسيادة والسياسة الخارجية والامن القومي للعراق.
العراق والأنتخابات والسيناريوهات المحتملة:
أن مشروع تدمير الكيانات الوطنية في الدول العربية والاسلامية الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية أصبح اليوم برنامجاً معلناً وعملاً مبرمجاً يسير وفق سياسات معلنة وقابلة للتطبيق كما هو حاصل اليوم في العراق، وذلك يتم في إطار التفرد الأمريكي وتدمير وتفتيت كيانات الدول وتحقيق الهيمنة والسيطرة في هذه المنطقة، ولهذا الغرض تقوم باتباع سياسة حرق الأرض داخل الكيانات القومية والعرقية والدينية، وهذه هي الوصفة التي أعدتها الولايات المتحدة للعراق وبدأت في تطبيقها بقوة الاحتلال لتدمير النسيج الوطني والاجتماعي في العراق، بل وتدمير الدولة بكيانها، وتعطيل نهوض موقف وطني لمواجهة ومقاومة الاحتلال وإستعادة حق السيادة والحرية، وعلى ذات القاعدة عملت على اختراق الشرعية الدولية والقرارات والهيئات الدولية وفي مقدمتها مجلس الأمن والأمم المتحدة لتوظفيها لخدمة مصالحها وإظفاء الشرعية على تدخلها واحتلالها، وفي ضوء هذه الحقيقة يمكن أن ندرج بعض الملاحظات:
من المؤكد أن الإدارة الأمريكية بعد إعادة انتخاب بوش وسيطرة المحافظين الجدد على أدارته وعلى الكونجرس الأمريكي فسوف تعمل على المضي في تنفيذ مشروعها في العراق والمنطقة، وهو مشروع يقوم على البقاء عسكرياً في العراق والسيطرة السياسية من خلال حكومة عميلة وابتلاع العراق اقتصادياً واعتباره قاعدة للانطلاق في إعادة رسم خريطة المنطقة وتأمين حضور وهيمنة الكيان الصهيوني. فليس هناك ما يشير في الأفق إلى حدوث أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة القائمة على التفرد والهيمنة على العالم. وهذا يعني أنه ليس هناك أي بصيص أمل في انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي من العراق خلال الفترة القريبة المقبلة، فهي تعمل الآن على خيار الاستمرار والاستقرار في العراق وإقامة قواعد عسكرية وخلق سلطة أو حكومة عميلة مرتبطة بالاحتلال لا تملك أية استقلالية في اتحاد القرار الوطني السليم من خلال عملية الانتخابات التي تروج لها في الوقت الحاضر والمنتظر أجراءها نهاية الشهر والتي سوف تتم وفق القانون الذي وضعته وأشرفت على صياغته لكي يفرز مجلساً وحكومة وفق مقاييسها ورهن أمرها، وكلنا نعرف أن هذا القانون يتضمن بعض الملاحق التي تشير إلى أن الحكومة التي ستأتي يمكن لها أن تعقد اتفاقيات عسكرية، ويكون العراق بذلك قد تحول فعلاً إلى قاعدة استراتيجية أمريكية كما تم التخطيط له من قبل المحافظين الجدد… وستكون الخطوة اللاحقة إنشاء مجلس أمن أقليمي يتكون من دول الخليج العربي 6+1 والكل تحت رعاية وحماية الولايات المتحدة الأمريكية، وليس مستغرباً أن يجري توسعة هذا المجلس ليشمل أطرافاً أخرى بعد أن تتكشف كل الأسرار والأدوار الخفية التي لعبتها تلك الأطراف الإقليمية في احتلال العراق وقد نرى ايران جنباً إلى جنباً في القطار الأمريكي وحلفائه وعندها سوف نرى خطورة ما هو قادم على المنطقة العربية، خاصة تجاه سوريا ومصر والسعودية أيضاً وبذلك تتأكد هيمنة وانفراد أمريكا بسيطرتها على المنطقة وعلى النظام العالمي الجديد بعد تغيير هويتها إلى شرق أوسطية. ماذا يعني هذا السناريو؟؟ وهل يمكن له أن ينجح وفق ارادة ومشيئة الولايات المتحدة وحدها ؟؟؟ قبل الإجابة على هذا التساؤل يجدر بنا أن نؤكد هنا بعض النقاط الهامة:
1- من المؤكد أن مصير الاحتلال الأمريكي للعراق سيحدد بدون شك مصير الوطن العربي والأمة العربية ومصير دول الجوار والنظام الدولي ككل.
2- أن الأرقام المعلنة حول خسائر الاحتلال في العراق هي دون شك أقل كثير من الواقع وهو يعني زيادة الكلفة البشرية للأحتلال وهذا أهم عامل يؤرق المحتل الأمريكي، فحجم الأرقام الحقيقية للقتلى والجرحى الأمريكان لا يمكن تقديرها آلا إذا عرفنا تفاصيل نظام الجيش الأمريكي فهناك أربع مجموعات داخل جيش الاحتلال الأمريكي في العراق 1- العسكريون الذين يحملون الجنسية الأمريكية 2- الأشخاص المقيمين في أمريكا ويحملون البطاقة الخضراء. 3- أشخاص يقطنون في أمريكا ولا جنسية أمريكية وتطوعوا في الجيش على أمل الحصول على الجنسية أو البطاقة الخضراء فيما بعد. 4- المقاولون الأمريكان (American Contracting ) .
3- هناك أيضا العامل الأقتصادي أي الكلفة المادية للأحتلال خاصة إذا ما عرفنا أن أمريكا تعاني حالياً عجزاً يصل إلى 500مليار دولار وهناك تكلفة الأحتلال اليومية في العراق وأفغانستان التي يتعامل معها أعلام الاحتلال وكأنها مسألة انتهت. ولكن الواقع يرينا الكثير من مظاهر وصور تزايد نشاط "طالبان" والقاعدة في إفغانستان كما تنقلها بعض الأخبار يومياً.
فقد بلغت مصروفات وزارة الدفاع (البنتاغون) الشهرية في العراق أكثر من 5.8 مليار ويشمل هذا الرقم حوالي 50 في المائة أكثر من تقديرات وزارة الدفاع ومن المتوقع أن تطلب هذه الوزارة مبالغ إضافية تقدر بمليارات الدولارات هذا العام لتغطية التكاليف المستمرة للحرب.
4- هناك ما يمكن أن نطلق عليه التآكل أو التفتت في قوات التحالف مع الولايات المتحدة في العراق، إضافة إلى فشل أمريكا في إقناع دول أخرى جديدة لأرسال قوات لها في هذا البلد، فقد رأينا كيف بدأ انفراط عقد هذا التحالف بانسحاب أسبانيا، ثم ما تلته من انسحابات لدول مثل الهندوراس والدومينكان ونيكاراكو والفلبين وتايلند وكذلك المجر (هنغاريا) وهناك عدد من الدول مترددة في سحب قواتها والبعض الآخر يفكر بصورة جدية في الأنسحاب، وليس مستبعداً من أن تطال القائمة بعض أهم حلفاء أمريكا وهي ايطاليا وهذا يعني أن هناك أعباء جديدة وإضافية تنتظر الولايات المتحدة الأمريكية في العراق وسوف تضطر إلى احلال قوات جديدة محل القوات المنسحبة، والنتيجة انه كلما زاد عدد القوات الأمريكية في العراق كلما أصبحت صيداً سهلاً للمقاومة العراقية ولكن التقارير تقول أن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه صعوبات عملية في استدعاء واستجابة جنود قوات الأحتياط للعودة إلى الخدمة في الجيش الأمريكي، فحسب تقدير الصحافة ألأمريكية فأنه من مجموع 4000 من الجنود الذين دعوا للخدمة فأن 1800منهم طلبوا الأعفاء وأنه من مجموع 2500 منهم كان من المفروض أن يلتحقوا بقواعدهم العسكرية فأن733 منهم (أي حوالي 30%) لم يلتحقوا فعلاً والعدد الفعلي الذي يستجيب هو في حدود 700 جندي فقط من 2000، فقد أكدت شبكة سي بي أس الأمريكية أن وزارة الدفاع الأمريكية قد اعترفت بأنه منذ بدأت عدوانها على العراق بلغ عدد الجنود الهاربين من الخدمة ما يزيد على 5500 جندي بعضهم يسعي إلى الحصول على لجوء إلى كندا، وكانت مصادر صحفية واعلامية قد أشارت إلى حالة هروب متكررة من الجنود الأمريكان عبر سوريا والأردن بسبب شراسة المقاومة وضعف معنويات الجنود هناك، وقد كشفت صحيفة (نيويورك تايمز) في عددها يوم 8 /12/2004 عن مضمون تقرير سري أعده رئيس وكالة الاستخبارات المركزية أمريكية في بغداد قدم فيه رؤيا متشائمة بالنسبة إلى الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في العراق مؤكداً أن الموقف في هذا البلد يتدهور بصورة كبيرة وهذه الصورة المتشائمة لا تختلف كثيراً عن الرؤيا التي قدمها الكثير من المحللين والخبراء السياسيين من قبل، بل لا تختلف أيضاً عن مضمون تقارير سرية أصدرتها أجهزة الاستخبارات الأمريكية، ماذا يعني هذا… إنه باختصار يعني مزيداً من الأخطار والورطات التي تنتظر الولايات المتحدة في العراق، فالمقاومة العراقية قد اتسعت وشملت العديد من المدن العراقية وهي تتطور من حيث الكم والكيف، والقادة العسكريون الأمريكيون يتحدثون عن الكفاءة التكنولوجية للمقاومة العراقية، وعن قدراتها اللوجستية، وأن المصادر الأمريكية قد أقرت أن هناك ما يزيد على 30 مدينة عراقية خارجة عن سيطرة القوات الأمريكية والحكومة العميلة. وبعد ذلك عليكم أن تتخيلوا نوعية الانتخابات التي يمكن أن تجري في العراق، وكيف لها أن تكون حرة وشرعية في ظل سيادة قوات الغزو والاحتلال؟؟ وهي الانتخابات التي سوف تتم في ظل فرض حالة طوارئ وغياب أي إحصاء سكاني عن المواطنين العراقيين الأصليين مع وجود جالية ايرانية كبيرة تحمل أوراقاً مزورة وهو ما يعني زيادة الانقسام والتشقق في التماسك الاجتماعي الوطني العراقي وارتفاع حدة الحساسية الطائفية ومع كل ذلك فأن المجموعات الرئيسية التي سوف تتنافس في هذه الانتخابات المهزلة (إذا ما تمت) هي مجموعات أمريكية بالأساس وهي جميعها مصنوعة خارج العراق وتحت مظلة زائفة ومشبوهة يصوغها الاحتلال باسم الديمقراطية المستوردة تمهيداً لتثبيت واقع الاحتلال وليس واقع السيادة الوطنية، فهي أحزاب لا تملك الحد الأدنى من الوطنية ولا يوجد أحد منها قد أعلن في برنامجه سقفاً زمنياً لانسحاب الاحتلال. فبعد تهاوي كل الذرائع والأكاذيب التي ساقتها الولايات المتحدة وحلفائها لعدوانها واحتلالها للعراق لم يبق في يدها ولدى أبواقها الإعلامية وواجهتها سوي كذبة الديمقراطية ((البعض يرى كثرة الأحزاب والصحف صورة من صور الديمقراطية في العراق)) ونحن مع أهمية إقرارنا بحق الشعب العراقي في ممارسة الديمقراطية وهي التي يجب أن تقود في نهاية المطاف لمشاركته في اتخاذ القرار وصنع مصيره ومستقبله ونيل سيادته الكاملة على أرضه وثرواته نقول مع إقرارنا بهذا الحق الطبيعي للعراقيين لا بد لنا أن نتساءل عن حقيقة نوايا وجدية الولايات المتحدة وحكومتها العميلة في هذه المسألة فهل من المعقول أو المقبول للولايات المتحدة أن تسمح بانتخابات حرة ونزيهة مستقلة عن سيطرتها؟؟ وتسمح بفرز ممثلين حقيقيين للشعب العراقي الذي يرفض الاحتلال، والذي من المؤكد انه يرفض أي تواجد عنده على أرضه كما سيرفض إقامة أي قواعد أو منشاءات عسكرية تدفع تكاليف وجودها من أمواله وثرواته وهذا يعني رفض نهب تلك الثروات والأموال من قبل المحتل كما وأن سيرفض هذا الشعب إقامة أي شكل من العلاقات مع (الدولة الصهيونية) وأخيراً سيرفض أن يكون العراق قاعدة أو منطلقاً للولايات المتحدة لتنفيذ مخططاتها في المنطقة.
هذه تساؤلات مشروعة لأنها تتعرض إلى أهم محاور وأهداف المشروع الأمريكي الصهيوني في العراق والمنطقة، فهل ستسمح الإدارة الأمريكية بقدوم الديمقراطية لكي تنسف كل ما خططت واعدت له وقام بتنفيذه حتى الآن، فالنتيجة أذن في كل الأحوال وبالمطلق حكومة عميلة جديدة موالية للولايات المتحدة الأمريكية تنفذ مشيئتها وارادتها.
ولكن علينا بالمقابل أن نفهم وكما أثبتت الأحداث أن الولايات المتحدة والحكومة العميلة ليسوا وحدهم الذين يؤثرون في أوضاع العراق ويقررون مصيره وليسوا وحدهم من يرسم صورة المستقبل فالمقاومة العراقية هي في الواقع من يصنع الأحداث وعليها يتوقف الكثير في تحديد مستقبل العراق والمنطقة بل والعالم كله؟؟ ونحن على يقين بقدرة الشعب العراقي في التغلب على محنته وبأن هدف التحرير ليس ببعيد وسوف يطهر العراق من دنس المحتلين والغزاة المجرمين الذين يحترقون بنيران المقاومة وسوف ينظف هذا البلد بإذن الله من رجس الخونة العملاء وكل الساقطين.
وشكراً