التجمع القومي
زيادة ضريبة القيمة المُضافة
تضعف الحياة المعيشية للمواطنين
وتؤخر التعافي الاقتصادي
جاءت موافقة مجلس النواب على مشروع قانون زيادة ضريبة القيمة المُضافة بأغلبية ٢٣ صوت وما سبقها ورافقها من أحداث واجتماعات وتصريحات لتكشف مجددا الخلل والعجز الكبيرين في اولا نهج تعاطي الحكومة ومجلس النواب مع حقوق المواطنين في العيش الكريم، وثانيا في قدرة مجلس النواب على حماية هذه الحقوق، ناهيك عن تحسينها، وثالثا في آليات تعامل الحكومة مع مجلس النواب وتضعيفه عن أداء دورها التشريعي والرقابي.
فقد تجاهلت الحكومة ومجلس النواب كافة المطالب والنداءات والدعوات لوقف زيادة الضريبة المُضافة، والتي تعني عمليا فرض أعباء معيشية جديدة على المواطنين، حيث ان أكثر من ثلاثة ارباع رواتبهم او مداخيلهم، المتدنية اصلا، ان لم نقل كلها، تخضع للضريبة المُضافة نظير ما ينفقونه شهريا على المأكل والملبس ودفع فواتير الكهرباء والماء والتليفون والانترنت وحصولهم على الخدمات التعليمية والصحية الخاصة والخدمات المتعلقة بمساكنهم وشققهم المؤجرة وغيرها الكثير. وهذه الضريبة لا تقل في المتوسط عن ٥٠ دينار شهريا في أقل تقدير. وقد جاءت الزيادة في ضريبة القيمة المضافة مقابل موافقة الحكومة على رفع دعم الضمان الاجتماعي المقدم للفئات المستحقة منهم فقط لمثل هذا الدعم، وهي زيادة لن تعوض المواطنين سوى بربع المبلغ الذي ينفقونه على الضريبة في أحسن الأحوال، أي أن هذه الزيادة لن تعوضهم إلا النزر اليسير عن زيادة الضريبة، وحيث أن مجمل الزيادة في حجم الدعم الذي اقره النواب لن يزيد عن ١٥ مليون دينار مقابل نحو ٢٤٠ مليون دينار حصيلة الزيادة المقدرة في ضريبة القيمة المُضافة من 5% الى ١٠%.
يتفق الخبراء الاقتصاديين والماليين إن الزيادة في الإيرادات النفطية هذا العام، ونتيجة لارتفاع أسعار النفط، سوف تتجاوز مبلغ الإيرادات المتأتية من الزيادة في ضريبة القيمة المُضافة بأكثر من الضعفين مما يعني استغناء ميزانية الدولة عن الزيادة في الضريبة. والأكثر مفارقة هو تصريح أحد المسئولين الحكوميين بأن عدم زيادة الضريبة سوف يؤدي الى عدم استقرار اقتصادي وأمني وسياسي، اي ان برنامج التوازن المالي بات هو قبان الاستقرار الأمني والسياسي في البحرين في حين ان تصاعد غضب واستنكار ورفض المواطنين لتآكل وتضرر مستويات حياتهم المعيشية ليس له اية اهمية او وزن على الاستقرار المجتمعي.
كما ان العجلة والطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع مجلس النواب في تمرير القانون تنم عن نهج لا يقيم أي وزن لهذا المجلس، حيث تم الإعلان عن تفاهمات الحكومة مع المجلس بعد اجتماع مصغر حضره عدد محدود من النواب أعلن بعدها عن موافقة مجلس النواب على الزيادة مقابل زيادة الضمان الاجتماعي وزيادة رواتب المتقاعدين بنسبة ٣% لعامين فقط حتى قبل ان يعقد المجلس جلسته العامة، والأخطر أنه تم ربط ذلك أيضا بتمرير النواب لكافة التعديلات المقترحة على قانون التأمينات الاجتماعية التي لم تناقش بعد بما تضمنته من انعكاسات سلبية عديدة. وهكذا فان جلسة مجلس النواب يوم أمس، والتي أصر النواب على تحويلها الى جلسة سرية إمعانا في الهروب من المسئولية ومن مواجهة المواطنين بمواقفهم الحقيقية، كانت مجرد تحصيل حاصل لإضفاء شرعية موافقة الأغلبية على تفاهمات الاقلية التي حضرت الاجتماع. المذكور.
إن أخطر ما ينطوي عليه تمرير النواب لقانون زيادة الضريبة المُضافة هو لَيس الأعباء المعيشية الجديدة التي تفرضها على المواطنين فحسب، بل وبما لا يقل خطورة هو تكريس وموافقة مجلس النواب على نهج إصرار الحكومة على جعل جيب المواطن هو الخيار الأول في زيادة إيرادات الحكومة دون ان يحمل النواب انفسهم بدل اي عناء لطرح او اقتراح بدائل اخرى عديدة متوفرة تم التداول فيها وطرحها الكثير من قبل الخبراء الاقتصاديين والجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني منها فرض الضريبة على دخل البنوك والشركات الكبيرة وضريبة الثروات وخفض بنود الميزانية المتضخمة وغيرها.
وأخيرا، إننا نرى إن اللجوء الى زيادة ضريبة القيمة المُضافة لا يوفر أي حلول مستدامة للاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد طالما أنه يعني في المحصلة النهائية تخفيض القوة الشرائية للمواطنين المتدنية حتى ما قبل زيادة الضريبة ويدفع المزيد منهم الى خانة الفقر خاصة أنها تتزامن مع زيادات كبيرة في أسعار السلع الاستهلاكية في الأسواق بسبب الارتفاع الفاحش في تكلفة الشحن وغياب الرقابة الصارمة على الاسواق، مما يعني ارتفاع معدلات التضخم نتيجة ارتفاع الأسعار يقابله انخفاض القوة الشرائية للمواطنين. وإذا أضفنا لهذه الحقيقة حقيقة أخرى أن زيادة ضريبة المُضافة سوف تقلل من تنافسية المنشآت ومؤسسات الأعمال في البحرين التي تسعى جاهزة للتعافي من تداعيات جائحة كورونا، فإن الحصيلة النهائية لكافة هذه المعطيات هو كبح جماح التعافي الاقتصادي ولربما يدفع المزيد من مؤسسات الاعمال وخاصة الصغيرة منها للخروج من السوق بغض النظر عن مبادرات خطة التعافي الاقتصادي التي نرى ان أغلبها سوف تستفيد منها قطاعات وفئات محدودة حصرا لا تشكل عصب الاقتصاد والنهوض به واستدامته.
إننا ندعو بكل صدق الحكومة والسلطة التشريعية الى البحث عن حلول اقتصادية ومالية مستدامة تسهم مباشرة في رفع المستوى المعيشي للمواطنين وتخلق الوظائف المجزية لهم وتحقق النمو الحقيقي للاقتصاد الوطني بالتزامن مع الخروج من الأزمة السياسية المتواصلة في البلاد وإعادة عجلة الإصلاح السياسي والدستوري.
التجمع القومي
المنامة ٨ ديسمبر ٢٠٢١