بقلم: أم خالد
فقدت الساحة البحرينية السهر الماضي رائدة العمل الوطني والنسوي حصة الخميري التي تعد احدى القيادات الوطنية المطالبة بالديمقراطية وحقوق الانسان والعمل النسوي على مدى ستة عقود في البحرين. والخميري كانت ضمن مجموعة من النساء اللاتي ابتعثن للدراسة في القاهرة بالعام 1956 وعادت الى البحرين للعمل في سلك التعليم وللمشاركة في الحراك الديمقراطي والنسائي منذ مطلع الستينات.
وفي سبعينات القرن الماضي لعبت الخميري دورا توعويا في جميع مناطق البحرين، اذ كانت ضمن مجموعة نسائية كن يزرن القرى والمناطق لتوعوية النساء بحقوقهن المدنية والصحية. وتسنمت الخميري مناصب عليا في وزارة التربية والتعليم وأصبحت مسوؤلة عن التعليم المستمر.
وفي مطلع التسعينات برزت على الساحة السياسية عبر تبنيها العريضة النخبوية والشعبية في عامي 1992 و1994 للمطالبة بالبرلمان والحياة الدستورية في البحرين. اما أكبر دور عرف عنها كان توقيعها مع أكثر من ثلاثمائة سيدة بحرينية على العريضة النسائية في 14 نيسان /ابريل 1995 التي وجهت مباشرة الى القيادة السياسية في البحرين، وعبرن فيها عن بالغ قلقهن تجاه الأوضاع المتفجرة آنذاك.
وقد مثلت تلك العريضة النسائية مفاجئة للساحة البحرينية لأنها كانت صريحة في وصفها للأوضاع وموقعة بالأسماء الكاملة، وكانت جريئة في طرح مطالب وطنية كبرى نتج عن ذلك فصل الخميري من منصبها بوزارة التربية والتعليم، وكذلك فصل الدكتورة منيرة فخرو من جامعة البحرين – اذا كانت استاذة علم الاجتماع آنذاك – واقالة المرحومة الكاتبة الصحافية عزيزة البسام من وزارة الاعلام… وذلك بعد ان رفضن ازالة اسمائهن من قائمة الموقعات على العريضة النسائية الجريئة.
وفي العام 2001 شاركت الخميري في تأسيس الجمعية البحرينية لحقوق الانسان كأول جمعية حقوقية مستقلة تنطلق بعد الانفتاح السياسي في 2001 .
وبهذا، فأننا نقف أمام نموذج بارز من نماذج نضال المرأة البحرينية التي كانت على الدوام قريبة من الحراك المجتمعي حتى قبل التعليم النظامي للبنات عام 1928 والذي أقبلت علية المرأة البحرينية بشكل غير متوقع. وقد أهلها ذلك للعمل في جميع مجالات الحياة أسوة بالرجل وتبوأت مراكز ومواقع مهنية ووظيفية ورسمية رفيعة.. فكان لها حضورها الملموس في شتى المجالات الاجتماعية، الثقافية، السياسية والاقتصادية.
وفي الحراك الشعبي الذي بدأ في 14 فبراير 2011م شاركت في جوانب العمل الوطني مطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة. وللحقيقة والتاريخ فقد تميزت بمشاركتها بهذه الكثافة والقوة والفعالية بل والتفوق غير المتوقع في الحراك الجماهيري الشعبي وأصبح تواجدها في الساحات لافتا ومؤثرا، وتحملت كل الممارسات و الانتهاكات غير الإنسانية. وبذلك تقدم المرأة البحرينية صورة مغايرة عن الأسطوانة المشروخة عن نساء الخليج العربي بشكل عام بأنهن نساء نفط لا يعرفن من حياتهن سوى المجمعات التجارية.
لقد حافظت المرأة البحرينية على زخم النضال الوطني عبر محطات كثيرة وقدمت نماذج مشرفة من مثل المرحومة حصة الخميري وساهمت في ديمومة هذا النضال وعنفوانه ووظفت كل طاقاتها ومواهبها في جميع مجالات عملها في التعليم والطب والصحافة بل والشعر….. حتى ربات البيوت كان دورهن مشهوداً في رفد هذا النضال بالتأييد ورفع الحماس والتواجد في الساحات والاعتصامات والتظاهرات محمسة و متضامنة مع ابنها ووالدها و أخيها المعتقل. لذلك دفعت المرأة البحرينية الثمن كبيرا فكان نصيبها من الاعتقال والفصل التعسفي.
لقد بقيت المرأة البحرينية على على العهد عبر كافة محطات العمل الوطني حتى اليوم عبر عطائها المستمر بلا حدود رغم الجراح والألم . فكانت الأم الحنون والمربية الفاضلة والطالبة المثابرة والمتفوقة والمتميزة في عملها في الحياة اليومية العادية مساهمة في نهضة البحرين ورفع شأنها بين الدول ولكنه تتحول إلى فعل مقاوم لكل ظلم وتعسف ضاربة أعظم الأمثلة في التضحية والصبر والإيثار.
ولعل النماذج المشرفة والبارزة التي قدمتها خلال العامين الماضيين خلال تفشي أزمة كورونا لهي خير مثال على العطاء والبذل والتضحية، حيث تصدرت الصفوف الأمامية للتصدي لجائحة الوباء سواء من حيث الدور أو العدد وكان لها مواقفها المشرفة التي سوف تسجل لها عبر التاريخ.
رحم الله فقيدة الوطن حصة الخميري، وأسكنها فسيح جناته.