المحامي محمد الجشي:
يجب تطبيق القانون العقوبات البديلة على كل من تنطبق عليه الشروط المحددة
في القانون بشكل فوري ومباشر.
استضاف التجمع القومي المحامي والمستشار القانوني الأستاذ محمد مجيد الجشي في ندوة بتاريخ 14 مارس 2021 حول "تطبيق قانون العقوبات و التدابير البديلة في ظل الجائحة العالمية" عن طريق الاتصال المرئي وفيما يلي نص الورقة التي قدمها المحامي الجشي في الندوة:
سيتم تسليط الضوء على قانون العقوبات والتدابير البديلة في هذه الورقة، وذلك بالتزامن مع ظروف الجائحة العالمية (الكوفيد) و بدء انتشار الوباء بين السجناء في مملكة البحرين طبقاً لما تم التصريح بشأنه من قبل وزارة الداخلية ، وعلية سوف نحاول تسليط الضوء وإبداء بعض الآراء وهي المتعلقة بتوسيع تطبيق القانون في ظل المستجدات الأخيرة، كون أن قانون العقوبات البديلة هو أحد أنجع السبل أو المخارج القانونية للتعامل مع أوضاع السجناء جميعاً في ظل الأزمة الصحية والإنسانية العالمية .
حيث أن معظم دول العالم و بنسب متفاوتة بطبيعة الحال قد اتخذت العديد من الإجراءات أو قامت بعضها باستحداث أنظمة استثنائية أو قامت بإصدار تشريعات جديدة يكون من شأنها تسهيل التعاطي مع ملف السجناء بما يكفل المحافظة على حق حياة السجناء ودرء كافة الأخطار عنهم ، كونه حق أصيل للإنسان ومسؤولية أي دولة أو نظام القيام بة والحفاظ عليه.
حيث يقع على الدولة واجب خاص بحماية الصحة البدنية والعقلية للسجناء ورفاههم، بحسب ما تنصّ عليه قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (المعروفة أيضا بقواعد نيلسون مانديلا).
حيث أن غالبا ما يرتفع خطر الإصابة بفيروس كورونا بين المحتجزين بسبب تقاربهم، وعدم قدرتهم على ممارسة "التباعد الاجتماعي"، وغياب النظافة الشخصية والصحية الملائمة،وارتفاع نسبة الحالات الطبية القائمة أصلا، وغياب الرعاية الطبية اللازمة. كما يواجه كذلك موظفو السجون خطر التعرّض للإصابة ونقلها إلى عائلاتهم ومجتمعاتهم.
وقد تفاوتت الإجراءات المتخذة من دول العالم في هذا الصدد ، حيث أن طبقاً لما تم رصده من قبل المنظمات الحقوقية العالمية بأن بعض الدول قامت بإطلاق أعداد متفاوتة من سراح السجناء لديها، خصوصاً من كبار السن أو الذين يعانون من أمراض مزمنة أو المتهمين بقضايا تتعلق بالتعبير أو مخالفات إدارية ، كما تم تضيق حالات الحبس الاحتياطي أثناء التحقيق وتوسيع دائرة المفرج عنهم باكراً.
وعلى سبيل المثال وهذا ما تم العمل القيام في المملكة المتحدة وفي الولايات المتحدة ، وبشكل لاحق كذلك في أيران وإيطاليا خصوصاً بعد انتشار الأمراض بين الموظفين في السجون وأدى ذلك لنقل المرض لعائلاتهم ، خصوصاً بأنة في هذه الدولتين إيران أو ايطاليا قد قامت بإجراءات التخفيف أعداد المسجونين وإطلاق سراحهم بعد أن شهدت حالات تمرد داخل السجون نتيجة موت بعض السجناء أو هروب بعض السجناء من السجن كما تم رصد ذلك من قبل المنظمات الحقوقية المعنية بأوضاع السجناء.
حيث أنه على سبيل المثال في إيران بعد هرب 70 سجينًا من سجن سقز في محافظة كردستان.في مارس 2020م وترتب على ذلك أُطلق سراح 100,000 سجين كإجراء وقائي لاحتواء الجائحة ، وفي إيطاليا هرب 80 سجينًا من سجن فوجيا وسط فوضى السجون الناتجة عن القيود التي فرضتها الحكومة في ظل جائحة كوفيد-19.
وبتالي أن الدرس المستفاد من تلك التجربتين أن غض البصر عن الحلول الناجعة والسريعة من أجل الحفاظ على حياة السجناء قد يترتب علية أزمات حادة لا يمكن توقعها ، كون أن طبيعة فطرة الأسنان في الحفاظ على حياته تقوده لاتخاذ أي تصرف سواء عنف أو ما شابة من أجل إنقاذ نفسه أو الحفاظ على حياته.
وهذا ما يدعو من جانب آخر لجدية التعامل عن هذا الملف الإنساني البحت ، ونظر في كافة السبل المتاحة في حفظ سلامة السجناء والحفاظ على حقهم في الحياة حتى لو كلف ذلك تنازل الدولة عن عقاب السجناء ، كون أن حياة البشر هي أعلى وأقدس من شرعية العقاب.
وبالنسبة لمملكة البحرين وحيث أن سلطات المحلية ومنذ بداية الجائحة قد قامت باتخاذ خطوات واسعة و مشهود لها عالميا في التصدي للجائحة على جميع الأصعدة ، وأهم تلك الإجراءات كانت المتعلقة بعملية التباعد الاجتماعي وذلك عبر إغلاق كافة الملتقيات العامة سواء من مساجد أو ملاعب أو صالات سينما وفي بعض الأحيان المقاهي والمطاعم من أجل فرض التباعد الاجتماعي.
ومن جانب آخر أعلنت وزارة الداخلية عن بعض الإجراءات الخاصة بالسجون و التي من شأنها الحفاظ على سلامة السجناء ، ومنع انتشار المرض داخل أروقة السجون.
حيث تم منع الزيارات بشكل كلي والاكتفاء فقط بنظام الاتصالات المرئية وقد بدت بتقديم اللقاحات المضادة للأمراض داخل السجون لعدد من السجناء ، ولكن في اعتقادي بأن ذلك لم يعد كافياً في هذه المرحلة المتقدمة ، وهي مرحلة انتشار المرض بين عدد من السجناء طبقاً لتصريحات وزارة الداخلية بهذا الشأن.
وعلى أثر ذلك صدرت توجيهات سمو رئيس الوزراء الموقر المباشرة للسلطات المختصة بشأن ضرورة تطوير مراكز الإصلاح والتأهيل في الفترة المقبلة وتبنّي برنامج لمراكز الإصلاح والسجون المفتوحة ، حيث أنه بات من الضرورة الملحة تقليل أعداد السجناء من جميع الفئات إلى الحدود الدنيا وذلك من أجل ضمان عدم تعرضهم للخطر .
وعلى أثر ذلك شهدنا مؤخرا الإفراج عن عدد محدود من السجناء تحت مظلة قانون العقوبات البديلة،حيث تم استبدال العقوبة المقررة لهم بتدبير الخدمة المجتمعية.
ومع دعوة سمو رئيس الوزراء التي تطبيق النظم الحديثة في السجون ومنها نظام السجون المفتوحة بات العديد يتساءل حول هذا النظام إصلاحي الجديد أو النوعي والذي يطبق في نطاق محدود في بعض الدول المتقدمة .
وهنا أشير بأن هذا النظام الإصلاحي الجنائي المسمى (السجون المفتوحة) هو ليس بنظام محدد الخواص أو أنة له تعريف محدد ، وهناك عدة آليات وقواعد مختلفة بين دولة وأخرى في تعريفة وتطبيقه ، حيث أن بعض الدول مثل النظام في بريطانيا هو سجن عادي كبقية السجون، لكنه يختلف عنها بعلاقة (ثقة) يُفترض أنها موجودة بين السجناء والسجانين. وعلى هذا الأساس، لا يقفل السجانون أبواب الزنزانات، أما السجناء فيقضون النهار في مزاولة هواياتهم المفضّلة، ويُسمح لهم بمغادرة السجن كلياً خلال اليوم لقضاء أعمالهم، بما في ذلك تولّي وظائفهم، شرط أن يعودوا في الوقت المحدد لذلك.
في حين أن نظام أخر وعلى سبيل المثال المطبق في فلندا وهو العمل في مكان مفتوح بساعات عمل يومية ، حيث أن في هذا البلد الإسكندنافي يمضي واحد من أصل ثلاثة سجناء عقوبتهم في «سجن مفتوح» في جزيرة سوومنلينا إحدى الجزر التابعة للعاصمة هلسنكي (جنوب غربي المدينة). هذا المبدأ يُعرف بـ«إعادة التأهيل الذاتي». وهو فعّال. فثمة قناعة لدى الحكومة الفنلندية بأن اتّباع هذه السياسة قد يسهم في خفض نسبة الجريمة.
حيث كل سجين لديه مفتاح غرفته (المصممة من الخشب) وليس «زنزانته». وتوجد الغرفة في منطقة خضراء يفصلها عن الطريق العام أشجار وممرات خشبية لا أكثر. و يخلو المكان من عوائق حديدية وأبراج مراقبة. ويحق للسجناء الدخول والخروج من المجمع – السجن للعمل أو الدراسة في المدينة خلال النهار. وعلى رغم من هذه الحرية المطلقة لم يحاول أحد الهروب منذ إنشاء هذا المشروع، وفق تقرير نشرته مؤخرا صحيفة «ليكسبرس» الفرنسية.
وهنا يطرح السؤال حول آلية أو نظام السجون المفتوحة في البحرين ، أو كيف ستكون صورة ذلك :
وللإجابة عن ذلك نبين بأن لدينان تشريع في البحرين ينص على ذلك، حيث أن قانون العقوبات البديلة الصادر منذ عام 2017م قد نص في المادة الثانية في الفقرة ب) بأن أحد العقوبات البديلة هي الإقامة الجبرية في مكان محدَّد.
ج) حظْر ارتياد مكان أو أماكن محدَّدة.
د) التعهُّد بعدم التعرُّض أو الاتصال بأشخاص أو جهات معيَّنة.
ه) الخضوع للمراقبة الإلكترونية.
و) حضور برامج التأهيل والتدريب.
وبالمقارنة مع النظم الجنائية العقابية الأخرى والتي تنطبق أنظمة السجون المفتوحة تعتبر هذه التدابير في حقيقتها هي أحد صور السجون المفتوحة ، كونها تعطي مساحة عالية من الحرية للسجين في ظل أنه مازال ينفذ العقاب المحكوم به، وبتالي أن من شأن تفعيلها بنطاق واسع سيحقق لا شك نقلة نوعية في تطبيق العقوبات بما يكفل حقوق الإنسان وأولها حقه في الحياة وعدم تعرضه للخطر في السجون.
كما أن من شأن تطبيق هذه النصوص القانونية على أرض الواقع سيترتب عليه تقليل أعداد السجناء بشكل واضح وملموس وقد يصل لنسبة أكثر من 80% ، كون أن طبقاً الإحصائيات النيابة العامة بأن معدل الجرائم الخطرة في البحرين متدني جداً، ومعظم المسجونين لا يشكلون خطر على المجتمع بسبب طبيعة الاتهامات المسندة لهم.
حيث أن طبقاً للتقرير السنوي الصادر من قبل النيابة العامة في البحرين بأن عدد المستفيدين من نظام استبدال العقوبة بتدبير الإقامة الجبرية وذلك على سبيل المثال كان فقط (13 حالة ) ، وهذا ما يؤشر بأن القانون يطبق في نطاق ضيق بملاحظة إجمالي أعداد السجناء.
وبتالي أعتقد أن تطبيق كافة السبل التي نص عليها قانون العقوبات البديلة سيكون أهم مخرج قانوني وواقعي للوضع الإنساني للسجناء في ظل الجائحة ، حيث أن الدولة لن تتنازل عن الحق العام في العقاب بالتزامن مع الحفاظ الكامل على سلامة السجناء وبأقل تكلفة مادية ومعنوية.
كما سيترتب على ذلك المحافظة على صحة وسلامة موظفي السجون و عوائلهم وذويهم، كونهم أحدى الفئات المعرضة للخطر الشديد بسبب تعاملهم المباشر مع السجون المكتظة ، وواجب الدولة بلا شك الحفاظ على سلامتهم من تعرضهم لأي أذى.
كما يجب هنا الإشارة لنقطة هامة جداً وهي أن قانون العقوبات البحريني قد نص على إمكانية الإفراج المشروط عن كل محكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية إذا كان قد أمضى في السجن ثلاثة أرباع مدة العقوبة وتبين أن سلوكه أثناء وجوده في السجن يدعو إلى الثقة في تقويم نفسه
وذلك ما لم يكن في الإفراج عنه خطر على الأمن العام ، وكان من شأن العمل بهذا النص في السنوات السابقة التقليل الملحوظ في أعداد السجناء ، كون أن الجميع كان يستفيد منة هذا النظام ، وبتالي أن عود العمل بهذا النظام من جديد سيكفل وحدة بتقليل عدد السجناء بنسبة لا تقل عن 30% ، وهذه نسبة مهمة جداً في ظل الظروف الإنسانية العاجلة.
التوصيات :
سبق وقبل حصول الجائحة وتحديداً في شهر يناير عام 2020 أن تقدمنا ببعض التوصيات في الندوة التي قدمنا فيها قراءة قانونية وحقوقية بشان قانون العقوبات والتدابير البديلة ، وعلية نذكر ونكرر بأن الحاجة باتت اليوم ملحة وماسة للتعامل مع ملف السجناء في ظل هذه الظروف العالمية الإنسانية ، بما يتماشى مع رؤية وتوجيهات سمو رئيس الوزراء الموقر في معالجة هذا الملف الإنساني، وعلى رأس التوصيات التي نرفعها من جديد :
أولاً : أن يتم تطبيق القانون العقوبات البديلة على كل من تنطبق عليه الشروط المحددة في القانون بشكل فوري ومباشر.
ثانياً : تطبيق كافة التدابير البديلة المنصوص عليها بموجب القانون بشكل موسع بما فيها الإقامة الجبرية والمراقبة الإلكترونية.
ثالثاً : قبول طلبات المحكومين من قبل قاضي تنفيذ العقاب بشكل مباشر بعد استكمالهم من قضاء نصف المدة .
رابعاً : أن يتم تطبيق القانون بشكل تلقائي ومباشر على جميع الحالات الإنسانية الخاصة وأقصد فيها هنا (صغار السن – والنساء – وكبار السن – والمرضى ).