أضواء على «صفقة القرن»
بقلم: مكي حسن
الخميس ٠٦ فبراير ٢٠٢٠ – 02:00
تعيش المنطقة العربية هذه الأيام حالة توجس من إعلان (صفقة القرن) من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثلاثاء 28 يناير الماضي، حيث اختلفت المواقف ولم تنل الدعم الصريح حتى لحظة إعلانها، ويبدو أن الرئيس الأمريكي سيمضي في تطبيقها ما لم تواجه الصفقة برفض فلسطيني عربي جاد وموحد، بليل انه نقل السفارة الأمريكية الى القدس في مايو 2018م، ولم تكن الاحتجاجات العربية بمستوى الحدث بصرف النظر عمن يؤيد مشروع الصفقة، فالتحرك الرافض للصفقة يفترض أن يصحو من نومه.
ولنستعرض جملة من المواقف الدولية والمؤسساتية وردودها على صفقة القرن، ومنها على سبيل المثال: يقول الرئيس الأمريكي هي لصالح الفلسطينيين وعليهم قبولها وإلا سيتعرضون للعقوبات.. موقف الرئيس الفلسطيني (أبومازن) رافض لما جاء في تفاصيل الصفقة كونها لا تقر حقوق الشعب الفلسطيني في حق تقرير المصير والعودة وبناء دولته المستقلة، وطالب بعقد اجتماع طارئ للقيادات الفلسطينية، وجاءت نتائج وزراء الخارجية العرب في التوجه الصحيح برفض الصفقة ونتائجها، فيما أكدت حركة حماس أن صفقة القرن هي بمثابة نكبة جديدة للشعب الفلسطيني وأنها عدوان صهيوني أمريكي على القضية الفلسطينية مع ملاحظة أن هناك تأييدا لها من عدد من الزعماء الإسرائيليين، متناسين أن مساعي السلام بين الشعب الفلسطيني والدولة العبرية لا تحقق شيئاً طالما الحقوق الفلسطينية مسلوبة.
وبحسب ما ذكرته بعض المصادر الإعلامية والصحفية، فإن الخطة صممت من قبل صهر الرئيس (جاريد كوشنر) وهو احد مستشاريه، وهي خطة لتوزيع الأراضي وإقامة مستوطنات يهودية على الارض الفلسطينية بالإضافة الى توزيع ما لا يقل عن 50 مليار دولار معظمها لصالح الدولة العبرية من دون اعتبار للوجود الفلسطيني على أراضيه ومدنه وقراه وحقه في العودة إلى وطنه ومن دون الإشارة إلى الحصار والمعاناة التي يتعرض لها كل يوم، بل عدم الإشارة الى القدس الشرقية كعاصمة مستقبلية للدولة الفلسطينية.
وهنا نتساءل: أين يذهب الشعب الفلسطيني الموجود مثلاً في الشتات منذ عام 1948؟ وأين حقوقهم في بيوت آبائهم وأراضي أجدادهم؟ الجواب وبحسب ما جاء في وثيقة الصفقة (القدس خارج المفاوضات)، إذن أين العدالة والديمقراطية التي تتشدق بها إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة؟
وثيقة المشروع طويلة، ويصعب تناولها في هذا الحيز. وباختصار، لقد حقق الرئيس ترامب ما تريده القيادة الإسرائيلية، وهي خطة ظاهرها السلام والازدهار، وباطنها الحصار وتصفية القضية الفلسطينية، وقد تم ذكر (الدولة الفلسطينية) بشكل محدود وتحت شروط إسرائيلية، فهل يمكن ان يقبل الشعب الفلسطيني بأن يكون تحت إمرة الإسرائيليين؟ هذا ما لا يمكن أن يحدث وسوف لن تنجح المبادرة طالما يشوبها عدم العدل والاتزان، وطالما لم يشارك فيها أصحاب القضية في تقرير مصيرهم.
يا سيد ترامب أين هي دماء الشهداء الفلسطينيين، ومعاناة السجناء في داخل إسرائيل؟ كم من البيوت هدمت؟ وكم من المستوطنات أقيمت على أراضيهم؟ وهذا ليس برأي مضاد من مواطن عربي يتعاطف مع أشقائه في فلسطين، بل حتى من عدد من المسؤولين في الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي، ومنهم على سبيل المثال دنيس روس (المفاوض الأمريكي السابق لمنطقة الشرق الأوسط) الذي كشف أن الصفقة لا علاقة لها بخطة السلام في المنطقة، فعن أي سلام وازدهار تتحدث ياسيادة الرئيس؟
المبادرة الترامبية مشكوك في مصداقيتها منذ لحظة انطلاقتها والترويج لها كونها منحازة لإسرائيل بشكل سافر، وصدق من قال: «إنها ولدت ميتة» كونها لم تذكر (الدولة الفلسطينية) على أراضي القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية القادمة، مثلما اعترف ترامب وأعلن نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس في مايو 2018 وتبعها إعلان مكشوف عن أن القدس عاصمة إسرائيل، مقرا في هذا الشأن بيهودية إسرائيل، تصوروا رئيس أقوى دولة في العالم يصنف دول العالم على أساس الديانات وليس على أساس الموقع الجغرافي والسكان واللغات والثروات، ومن جانب ثان، يقف مع الطرف المعتدي من دون اعتبار للطرف المعتدى عليه وحقوقه في العيش الكريم والاستقلال.
وفي هذا المجرى من التحليل، يقول المتابعون السياسيون: طرح الرئيس ترامب هذه الخطة بهدف تهدئة الأوضاع المحيطة به ومحاكمته في مجلس الشيوخ، يترافق ذلك مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم، وهذا حرج كبير له، وهنا يكمن مربط الفرس.
كما لا ننسى أن ننوه إلى أن الجانب الإسرائيلي يستفيد منها في هذا الوقت بالذات لكون نتنياهو رئيس الوزراء يواجه أيضا تهم الفساد. وبالتالي، فإن إعلان (صفقة القرن) في هذا الظرف الضبابي لم يأت في صالح الشعب الفلسطيني بل يراد به قلب موازين القوى لصالح ترامب ونتنياهو في محنتهما ليتجاوزا هذا الأمر، ومن ثم يعاد انتخابهما فترة قادمة، وهذا غير مستبعد أمام ضعف المنافسين لترامب من جهة، ومن جهة ثانية في ظل الأموال التي جلبها للأمريكان وفرص العمل التي توافرت خلال السنوات القليلة الماضية، فيما تبقى فرصة إعادة انتخاب نتنياهو لرئاسة الوزراء ضئيلة، ونتمنى ألا يوفق كلاهما.