د ـ فالح حسن شمخي
كثرت في الآونة الأخيرة البعض من المفردات التي يستخدمها البعض من أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي والتي تتماها مع المفردات التي يستخدمها الإسلام السياسي الأمر الذي يدعو المتابع إلى التوقف طويلا أمام السؤال الآتي :
هل أصبح حزب البعث العربي الاشتراكي حزبا دينيا وهل إن هناك تغيرا معينا قد شمل منهجه المعروف؟؟؟
وإذا ما أصبح حزبا دينيا كغيره من الأحزاب الدينية السياسية فعليه ان ينحاز إلى اتجاه فقهي معين وبهذا يسقط في ما سقطت فيه الأحزاب السياسية الإسلاموية ( الاحتراب الطائفي) ، فبدل من شعار الوحدة الذي يدعو إلى انصهار الأمة العربية في بودقة واحده ستكون الفرقة والتناحر والدعوة إلى تقسيم القطر الواحد إلى أقاليم وتقسيم المحافظات إلى شرقية وغربية من ابرز النتائج المترتبة على هذا التحول، أما هدف الحرية فسوف يطلق بالثلاث ، وهذا ما أفرزته تجربة الأحزاب الاسلاموية في العراق المحتل على سبيل المثال.
إن تحول الحزب إذا ما حدث فانه سيتحول من رقم صعب في المعادلة القومية والقطرية إلى رقم يضاف إلى العديد من الأرقام التي لا تقدم ولا تؤخر ، فحزب البعث العربي الاشتراكي ليس حزبا دينيا لكنه ليس حزبا ملحدا كما يحلو للبعض من الحاقدين والشعوبيين تسميته انه حزب الأيمان ضد الإلحاد ، حزب الرسالة الخالدة وراية الله اكبر.
إن حزب البعث العربي الاشتراكي ومنذ تأسيسه قد استند إلى الفكر الاشتراكي التحرري الديمقراطي فكان حزبا عقائديا، انطلق من الأيمان العميق بالفكرة القومية و القومية العربية ، وقد تعامل الحزب مع الدين الإسلامي الحنيف استنادا إلى الأصول والمصادر الأساسية ، وليس من خلال الاجتهادات والأحكام الفرعية اللاحقة وقد قاده هذا التعامل إلى حالة من حالات التوازن الكاملة في فهم الدين عموما ، وعلاقة الإسلام بالعروبة خصوصا ، فالإسلام والعروبة وجهين لحقيقة واحدة ، إن نظرة الحزب إلى الدين هذه تختلف عن التيارات والحركات السياسية الدينية التي أخذت من الفرعيات والمصادر الاجتهادية اللاحقة ، بصرف النظر عن ادعاءاتها .
وإن نظرة البعث إلى الإسلام السياسي لم تكن ردة فعل لما يجري اليوم في العراق والوطن العربي بل هي ابعد من ذلك ففي 16 تموز 1954 اصدر حزب البعث العربي الاشتراكي بيان موجه إلى الشيخ (مكي الكتاني) ردا على بيان أصدره متجنيا فيه على الحزب في (المعرة السورية) اقتطف منه ما يسلط الضوء على موقف الحزب من الإسلام السياسي ، يقول البيان ( فهل تعرف المعرة أيها الأستاذ وتعلم شيئا عن أحوالها الاجتماعية والمعايشة وعن تسخير فلاحيها من قبل ملوك تلك البلدة الإقطاعيين؟ إذن لعرفت إن العداء المستحكم فيها يتعلق بالظلم الاجتماعي والتحكم السياسي ، ولئن كان هنالك من يدافعون عن الدين ، فثق أنهم ليسوا أولئك المستثمرين ، بل هم المحرومون والمظلومون من أبناء الشعب ، الفلاحين ، فعند بزوغ فجر الإسلام ، منذ اربعة عشر قرنا ، لم يعتمد رسول الله عليه الصلاة والسلام على أبى جهل وأبى سفيان وتجار قريش وأغنيائها وسفهائها ، بل اعتمد على الذين تخلوا عن أموالهم وجاهدوا بأنفسهم وحاربوا الطغيان كأبي بكر الصديق وعلي بن أبى طالب رضي الله عنهما وعلى جماهير الفقراء المتألمين ، بلال ، وسلمان و أمثالهما من المؤمنين . ثم ذكرت في بيانك عن حزبنا انه لم يقصر عمله على السياسة ، و إنما اخذ يحارب الدين ويتبع غير سبيل المؤمنين ، واخذ أنصاره يحاربون الله ورسوله ويعيثون في الأرض فسادا . فكيف تجيز ، وأنت الذي اخترت لنفسك اسم نائب رئيس رابطة العلماء وتحملت بذلك مسؤولية خطيرة أمام الله وعباده ، لان العلماء ورثة الأنبياء ، فكيف تجيز لنفسك أن تقذف هذا الحزب ورجاله بهذه التهم الطائشة الآثمة ، دون أن تتثبت وتتبين؟ وما هو مقصدك من إشاعة التهم بحق الحزب ؟ فأنت تعرف بأنها تلفق في دوائر الاستخبارات الأجنبية وفي معامل الشركات الرأسمالية وعلى موائد الخمر والميسر ، وفي مكاتب دعاية بعض الأحزاب المأجورة مع العلم إن رجال الدين الصادقين قد أبوا على أنفسهم أن يكونوا أداة للدعايات الاستعمارية الأجنبية. ثم هل اتصلت بأحد من قادة الحزب وشبابه وأنصاره ، لتستفهم قبل أن تتهم ، وتتبين قبل أن تجزم كما أمر الله تعالى . ولم لم تتصل بهم ، وأنت تعرف إن أكثرهم ينتمون إلى عائلات مسلمة صادقة الأيمان ؟ وهل انه بلغ سمعك وشايات الكاذبين و أخذت بها ، فهل حاولت الدعوة بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة ، كما تأمر تعاليم الإسلام؟ كلا انك لم تفعل شيئا من هذا بل حملت وزر تكفير المؤمنين ، ومن كفر مؤمن فقد كفر، تعلم إن حزبنا حزب سياسي ، وان له دستورا مكتوبا ومنهاجا سياسيا واضحا . فهل قرأت دستوره وتتبعت منهاجه ، وهل وجدت فيهما إلا ما يسمو بالنفس ، يدعو إلي مكارم الأخلاق ، وينظم الصفوف ضد الطغيان والاستعباد والاستعمار. ولم لم تفعل ذلك و أخذت بالإشاعات المغرضة التي يروجها الاستعمار وحلفاؤه في الداخل؟
أيها الأستاذ ، ليس للاستعمار بعد الآن من حيلة للتفريق بين الشعب وقادته المؤمنين المخلصين ، غير إيهام الشعب بأن المبادئ التقدمية والعمل القومي الصادق والأيمان بمستقبل الوطن ، أمور تخرج عن الدين ، غير إن الدين في جوهره ليس إلا العمل لزيادة التآخي بين الناس ، وشد عرى التضامن بينهم ، ورفع الحيف عن فقيرهم ، والضرب على يد الظالمين والمستثمرين ، وليس الدين هو الدعوة إلي الفتنة والتحريض على القتل والعمل لتفرقة الصفوف . وأننا لنعلم علم اليقين إن كل دعوة حق تقابلها فتنة باطل ، وان للباطل جولة ثم يضمحل.
إن أي محاولة بسيطة لإسقاط ما في هذا البيان على واقعتا الحالي كفيلة لتبين الحق من الباطل لكل إنسان عاقل حياه الله ببصر و بصيرة ، فكم فرد من الذين سيسو الدين اليوم يشعرون بما يعانيه الشعب الجائع في العراق والوطن العربي وكم فتوى طائفية بهدف القتل والدمار يطلقها معمم في مساجد الله ، وكم هو عدد المعممين وغير المعممين من انساق وراء الدعاية الإمبريالية الأمريكية واتهم حزب البعث العربي الاشتراكي بالكفر وكفره ، وكم من هؤلاء عرف شيء عن دستور البعث ومنهاجه ؟ لا اعتقد إن أحد من هؤلاء يستطيع الإجابة ، فالحقد الأسود يملأ قلوبهم إلى جانب الحقد الشعوبي الذي يكره كل ما هو عربي وبالتالي البعث الذي ينادي بنهوض الأمة العربية من جديد لحمل رسالتها الخالدة إلى الإنسانية.
إن حزب البعث العربي الاشتراكي ، هو الحزب الاشتراكي والثوري الوحيد الذي أعطى المسألة الدينية اهتماما بارزا في عقيدته ، وفي سلوكه السياسي والاجتماعي. فموقف البعث قد عبر عنه القائد الشهيد حينما قال ( أننا لسنا حياديين بين الأيمان والإلحاد ، إننا مؤمنون) ، فالحزب يعتبر الإسلام ثورة عظمى في التاريخ الإنساني ، كان للأمة العربية الفضل التاريخي في نشرها على البشرية ، وقد دعا الحزب إلى استلهام الرسالة الإسلامية في عملية الانبعاث المعاصر للأمة العربية فالمرحوم القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق وتحت عنوان ذكرى الرسول العربي عام 1943 قال: ( إذا كان محمد كل العرب فليكن العرب اليوم محمدا) .
حكم حزب البعث العربي الاشتراكي العراق 35 عام دون مشكلة بينه وبين الدين كما هو حاصل اليوم في ظل الاحتلال والأحزاب الاسلاموية التي تتستر بالدين ، لم يدعو الحزب إلي بناء دولة على الطراز الديني و إنما دعا إلى بناء دولة على أساس الرابطة الوطنية في إطار القطر الواحد وعلى أساس الرابطة القومية في إطار الوطن العربي الكبير …تستلهم الإسلام كرسالة …وثورة ، واعتبر الإسلام جوهرا أساسيا في القومية العربية ، فحزب البعث العربي الاشتراكي لم يأت بعقيدته عبر خليط هجين وحلول وسط بين الاتجاهات المتناقضة التي تعج بها المنطقة العربية ، و إنما عبر عن موقف قومي عربي أصيل نابع من تراث الأمة القومي والديني ، وتعامل مع إفرازات العصر الحديث في إطار النظرة القومية الشاملة ، فالحزب وعبر مسيرته النضالية التي امتدت سنين وقف موقفا صلبا أصيلا متماسكا من كافة القضايا الجوهرية كالقضية الوطنية والقومية ، والدين ، والاشتراكية.