في الثالث من أبريل 2017م تحل علينا الذكرى الخامسة عشر على تأسيس جمعية التجمع القومي الديمقراطي التي تم إشهارها وبدء ممارستها للعمل السياسي العلني في 3 أبريل 2002م، وبعدها عقد المؤتمر الأول في 14 مايو 2002م عندما تداعت أعداد من أبناء الوطن ومناضليه لتأسيس تنظيم يكون رافداً من روافد العمل الوطني والقومي المستمد من مسيرة انطلقت منذ أواسط الخمسينات من القرن الماضي مليئة بالمواقف والتضحيات المشرفة، ويكون قادراً على ترجمة الأهداف الوطنية والقومية لأبناء شعبنا انطلاقا من أيمانه العميق بقضايا ومصالح شعبنا البحريني بكل قواه السياسية والاجتماعية مع التحلي بالعزم والوعي اللازمين لتحقيقهما جنباً إلى جنب مع شركاؤه من القوى السياسية الوطنية والمجتمعية وممارسة كل أشكال النضال السياسي السلمي والحضاري في أطار شرعية القانون، واحترام الحقوق والواجبات والوعي التام بأن نضالنا الوطني ومستقبل وطننا مرتبط ارتباطا عميقاً وأصيلاً بمستقبل الأمة العربية وقدرتها على تحقيق رسالتها الخالدة بكل أبعادها الإنسانية والحضارية والانتصار لقضايا الأمة من فلسطين إلى العراق، ومن سوريا إلى اليمن وليبيا ومصر وكل ساحة من ساحات الوطن العربي الكبير وجراحاتها النازفة.
لقد جسدت نضالات ومواقف التجمع القومي حتى وهو في مرحلة التأسيس وقبل إشهاره بصورة قانونية جوهر مبادئه الوطنية والقومية، حيث تزامنت تلك الفترة، وعلى الصعيد الوطني، مع حراك وطني عارم على خلفية وتيرة الإصلاحات السياسية وبعد الموافقة شبه الجماعية على ميثاق العمل الوطني في فبراير 2001، حيث كانت تتوجه الآمال نحو صدور دستور جديد يجسد مبادئ الميثاق، ثم صدر دستور عام 2002، حيث اعتبر التجمع آنذاك أن ما ورد في هذا الدستور من مساواة في الصلاحيات التشريعية بين المجلس المنتحب والمجلس المعين، إلى جانب التوزيع المذهبي وغير العادل للدوائر الانتخابية فيهما تراجع عن ما ورد في الميثاق وعن دستور عام 1973. وشكل هذا الموقف رافعة لعمل وطني مشترك بين عدد من القوى السياسية التي قاطعت انتخابات أكتوبر 2002، ومن ثم أفضت إلى بروز المعارضة الوطنية التي تتمسك بالمطالب الشعبية العادلة التي مثلت على مدى عقود طويلة وعبر سلسلة من التحركات والانتفاضات شعارات وطنية جامعة تحشد في ظلالها كافة قوى الشعب وفئاته وطوائفه، حيث حرص التجمع أن يكون أمينا لهذه المبادئ والأهداف طوال مسيرته عبر عقد ونصف وذلك في إطار التمسك بوحدة الصف الوطني والوحدة الوطنية وذلك عبر سلسلة من المواقف والمبادرات والنضالات المشرفة.
أما على الصعيد القومي، فقد تزامنت مرحلة التأسيس مع تصاعد الحملة العسكرية للمجرم بوش لاحتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني، حيث بادر التجمع وهو لا يزال في مرحلة التأسيس بتشكيل لجنة مناصرة الشعب العراقي التي ضمت كافة أطياف المجتمع السياسية والمدنية، ودشنت سلسلة من الأنشطة التضامنية، وفي مقدمتها المسيرات الجماهيرية التي كانت الأضخم في تاريخ البحرين التي تخرج في مناسبات قومية والتي جابت شوارع البحرين منددة بنذر العدوان وأهدافه الآثمة. وكشف حجم الالتفاف الجماهيري الواسع حول مواقف وأنشطة اللجنة الجوهر القومي الأصيل لشعب البحرين بكافة فئاته ومشاربه. ومنذ اليوم للاحتلال أعلن التجمع القومي موقفه الواضح في دعم المقاومة العراقية وحقها المشروع في مقاومة الاحتلال وطالب بتقديم كل الدعم لها رافض كافة إفرازاته الوخيمة وفي مقدمتها حكومة الأحزاب العميلة التي جاءت مع الاحتلال على دبابته وراحت تعبث في مقدرات العراق ونسيجه الوطني وتسرق خيراته وثرواته وتدمر تاريخه وحضارته وتقتل على الهوية أبناءه وتستجلب الهيمنة الإيرانية على كافة مفاصل الحياة فيه.
ونحن أذ نحتفل اليوم بهذه الذكرى ونستحضر أجواء التأسيس وحماس المؤسسين لا بد قبل كل شيء التوجه بالتحية والتهنئة الصادقة إلى كافة أعضاء وكوادر وأصدقاء التجمع القومي، ونخص بالذكر الأحبة الأعزاء من الأعضاء الذين فارقوا الحياة تغمدهم المولى بواسع رحمته، كما نحي عاليا وبصورة خاصة عطاءات ونضالات المؤسسين للتجمع، مثمنين للجميع جهودهم المخلصة ومؤكدين دورهم وفضلهم في انبثاق التجمع القومي. فقد كانت هذه الولادة ثمرة أيمانهم وعطائهم غير المحدود، إضافة إلى وعيهم بحجم المسؤولية الوطنية والقومية الملقاة على عاتقهم تجاه وطنهم وقضايا شعبهم ومطالبه العادلة والمشروعة.
أننا في هذه الأيام التي تشهد احتفالنا بهذه المناسبة العزيزة لا يمكن تجاوز أو تجاهل حقيقة الظروف الاستثنائية والصعبة التي يجتازها بلدنا والمنطقة، وتجعلنا أمام تحديات ومخاطر كبرى ومصيرية تطال كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية. وهو ما يفرض علينا ضرورة الارتقاء بوعينا ونهج عملنا وسبل تعاطينا مع هذه المرحلة المفصلية من تاريخنا الوطني والقومي ومقاربة الوضع الراهن بصورة أكثر وعياً ونضجاً لإخراج وطننا من حالة الاضطراب السياسي والانقسام المجتمعي التي يعاني منها منذ تفجر الأحداث قبل ما يزيد على ستة أعوام، والعمل على فتح آفاق رحبة للحلول السياسية والمصالحة الوطنية ورسم مستقبل أفضل وأكثر استقرارا وازدهاراً، وبنفس الوقت ندعو السلطة للتجاوب العاجل مع كافة الدعوات الوطنية المخلصة وفتح وحوار وطني جامع يفضي لإنجاز هذه الحلول.
فقد بات واضحاً أن الأزمة الراهنة التي تتفاقم وتتشعب بمرور الوقت، وما تخلفه من تداعيات مريرة تبعث على القلق، لا سبيل للخروج منها، ومداواة جروحها سوى طريق توافق السلطة مع كافة القوى السياسية على مبدأ الحوار المفضي لحلول سياسية ووطنية وديمقراطية تستوعب الجميع دون إقصاء لطرف على حساب طرف آخر، وهذا النهج يستدعي بدون شك توافر الإرادة السياسية والمسؤولية الوطنية لدى كل الأطراف المعنية للمساهمة في خلق مناخ إيجابيي وتبريد الأجواء ووقف الاعتقالات وتسقيط الجنسيات والعقاب الجماعي والاستخدام المفرط للإجراءات الأمنية ومن ثم تهيئة الظروف لطي صفحة الاحتقان والاصطفاف الطائفي لصالح صفحة جديدة من النوايا الحسنة وإعادة جسور الثقة بين الجميع على طريق أنجاز هدف التحول الديمقراطي القابل للنجاح والاستدامة.
وانطلاقاً من هذه الرؤية الوطنية وفي سياق قرأتنا الموضوعية لكل معطيات المرحلة الراهنة التي تطبع المشهد السياسي والوطني العام، وما يتسم به من وهن وجمود، ووعياً منا لحجم الضغوط الداخلية والخارجية التي يواجهها بلدنا والتهديدات الإرهابية والإقليمية، فأن هذه الظروف تفرض علينا جميعاً (قوى سياسية وسلطات رسمية) إعادة ترتيب الأولويات ومراجعة العديد من القرارات والسياسات.
وفي هذا الإطار، وفي هذه المناسبة العزيزة، فأننا نؤكد مجددا على جملة من المواقف، وفي المقدمة منها التمسك بالوحدة الوطنية أرضاً وشعباً ودولة، والعمل على ترسيخ النهج الإصلاحي السياسي والاجتماعي الذي أطلقه جلالة الملك وعنوانه الأبرز المتجسد في ميثاق العمل الوطني وما يبشر به من تحولات سياسية واجتماعية وبناء مملكة دستورية ديمقراطية. إضافة إلى تعزيز مبدأ المواطنة المتساوية في ظل الدولة الوطنية الواحدة الجامعة القائمة على العدالة والأنصاف والمساواة.
كما إننا نؤكد على رفض واستنكار كافة التدخلات الإقليمية والدولية في شئون البحرين الهادفة لزعزعة استقرارها والتأليب الطائفي، مؤكدين في الوقت نفسه إن الحل السياسي الوطني للأزمة الراهنة هو السبيل لتحصين الجبهة الداخلية من كافة تلك التدخلات. كما نؤكد تمسكنا المطلق بسلمية الحراك الوطني ورفض واستنكار الغلو والتطرف ومحاربة الإرهاب بكل صوره ومصادره، والعمل على نشر قيم السلم الأهلي والتعايش الأخوي ونبذ سياسات الثأر والانتقام والتحريض على كراهية الأخر كما ندعو إلى التصدي ومحاصرة كل دعوات الفتنة الطائفية التي تتوالى مظاهرها وتتمادي أسبابها ولا بد من العودة إلى المسار السياسي وإلى خيار الحوار ووقف النهج الأمني وما ينجم عنه من نتائج سياسية ومجتمعية وحقوقية وخيمة.
وأخيراً لا بد من التأكيد على ضرورة أن تتحلى كافة القوى والأطراف بالثقة في المستقبل والنظر إلى الأفق البعيد الذي نراه في وحدة وطننا وشعبنا، وحمايتها من كل المخاطر والتحديات وصون أمن واستقرار وتقدم بلدنا وحماية حقوق مواطنيه وتوفير حياة حرة كريمة لهم مهما اشتدت الصعاب وكثرة التضحيات، مؤمنين دوما أن نضالنا الوطني هو جزء لا يتجزأ من نضال الأمة نحو تحقيق أهدافها التاريخية في الوحدة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
التجمع القومي الديمقراطي
3 أبريل 2017