في 20 مارس 2017 تحل علينا الذكرى المشئومة الرابعة عشر للحرب الإجرامية الظالمة التي شنتها قوى الغدر والعدوان بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على العراق العربي في مارس 2003 وقادت إلى احتلاله وتدمير الدولة العراقية والقضاء على الحكم الوطني ومؤسسات الدولة واستشهاد وتشريد وتهجير الملايين من أبناء الشعب العراقي إضافة إلى اغتيال قادة العراق الوطنيون وعلى رأسهم الرئيس الشهيد صدام حسين رحمة الله عليه.
فقد مثل هذه العدوان الحدث الأخطر الذي شهدته المنطقة والعالم وشكل بداية لتنفيذ المؤامرة الصهيونية الكبرى على العراق والأمة العربية وأهدافها المرسومة في دوائر الشر الصهيونية لتدمير هذه البلد العربي واجتياح المنطقة برمتها وأشاعه الفوضى والخراب في دولها. هكذا قبل أربعة عشر عاماً تخضبت أرض العراق الطاهرة بدماء الأبرياء التي سالت أنهاراً على أرض الرافدين، ليعم بعدها الطوفان الذي أجتاح معظم الدول العربية وأغرقها في أزماتها وحروبها الطاحنة وصراعاتها المريرة.
لم يعد خافياً اليوم أن العدوان الظالم على العراق قد تم دون سند شرعي أو قانوني أو أخلاقي، كما جرى اعتماد وتوظيف سلسلة من التقارير الكاذبة والمزاعم المزيفة من قبيل امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل أو صلته المزعومة بتنظيم القاعدة الإرهابي، وغيرها من المعلومات المضللة التي تم الاستعانة بها وفبركتها في سياق الحملات المعادية لخداع المجتمع الدولي وتضليل الرأي العام العالمي، ومن ثم تهيئة الأجواء للعدوان واحتلال العراق وتدميره وأباده شعبه دون أية مسوغات.
أن الحقائق التي تكشفت قبل وبعد العدوان قد وضعت المجتمع الدولي برمته في دائرة الحساب، خاصة بعد اتضاح نوايا وأهداف دول الاحتلال، وتكشفت تلك الوجوه السافرة لدعاة الحرية الكاذبة المزيفة، وافتضاح أمر كل المتواطئين مع المحتل من بعض الدول العربية ومن أولئك العملاء والمأجورين، والفاقدين لكل القيم الإنسانية وكذلك تلك الجوقة الفاسدة من الإعلاميين وبعض الكتاب والصحفيين والقنوات الفضائية التي دعمت وساندت الغزاة المحتلين في حربهم الهمجية التي جرى التخطيط لها ووضع أهدافها في دوائر الاستخبارات الصهيونية وكان الحصار الجائر والشامل الذي فرض على العراف عام 1991م ولمدة ثلاثة عشر عاماً أحد أدواتها الإجرامية.
ولم يكن العالم بحاجة إلى وقت أو إلى أدلة وبراهين لمعرفة همجية العدوان والنتائج الكارثية التي خلفها، فسرعان ما توالت تداعياته المأساوية وإفرازاته الكارثية على العراق والعراقيين، خاصة مع تشكل ونشؤ واقع غريب ومزيف لا صلة له بتاريخ العراق ولا بطبيعة العراقيين، فتحول التعايش الوطني والتسامح الاجتماعي بين مكونات المجتمع إلى صراع وتقاتل على أسس طائفية وعرقية بعد أن أوجد المحتل تلك العملية السياسية الفاسدة القائمة على المحاصصة الطائفية ووضع لها وجوه وأدوات من العملاء المدعومة من النظام الإيراني والذي بادر لفرض هيمنته على العراق وحرص على إبقاءه مفتتا ضعيفا، وأوغلوا جميعا في تدمير بنية العراق وسرقة ثرواته وخيراته وإفقار شعبه مسنودين بدستور مشبوه جعل من العراق ساحة للصراعات والحروب والأزمات المتعددة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، استمرت حالة تصاعدها منذ بدايات الاحتلال حتى وقتنا الراهن وكانت سبباً رئيسياً وراء بروز وتمكين القوى الإرهابية التكفيرية من أمثال داعش والقاعدة من التمدد والسيطرة على مساحات واسعة من أرض العراق واحتلال كبرى محافظاته ومدنه مثل الأنبار والموصل وصلاح الدين وغيرها وارتكابها للعديد من الجرائم والممارسات الوحشية بغرض تأجيج الطائفية في كل أنحاء العراق.
وتكريساً للوضع الطائفي البغيض في هذا البلد برزت في المقابل العديد من المليشيات والقوى المسلحة ذات التوجه الطائفي بامتداداتها المحلية والإقليمية وتحولها إلى جزء من نفوذ بعض الدول والقوى الأجنبية، كما هو حال تلك المليشيات التابعة إلى إيران وتركيا أو غيرها من الدول التي جعلت من العراق ساحة لصراعاتها وتصفية حساباتها مع بعضها البعض؟؟؟
واليوم إذ يعيش العراق على وقع معارك الموصل لطرد الإرهاب الداعشي التكفيري، والتي لا تخلوا بعض جوانبها من تدمير متعمد لبنية وأركان المدينة العريقة، عادت من جديد المناورات والسياسات التي تبشر وتروج لمشاريع التقسيم، وعاد الحديث المشبوه مرة أخرى عن الدويلات والأقاليم والكيانات والتحالفات الطائفية تحت مسميات وذرائع مختلفة، الأمر الذي يعني الإصرار على المضي في ذات الطريق والنهج الطائفي المدمر الذي جاء به المحتل وكرسته العملية السياسية الفاسدة وإبقاء العراق في حال دائم من التأزم والتدهور والمعاناة من الإرهاب، واستمراره قابعاً في نفق أزماته وحروبه وصراعاته المتعددة والمتفاقمة. وعليه فأن كل المحاولات البائسة لإعادة ترميم أو تجميل الوضع الراهن لن يكتب لها النجاح وسيكون مصيرها الفشل التام حتماً.
أن العراق لن تقوم له قائمة، ولن يكون قادراً على استعادة عافيته ووحدته وعروبته والانتصار على الإرهاب وممارسة دوره الإنساني والحضاري دون التخلص من الغزاة والمحتلين الأمريكان والإيرانيون والأتراك ومن عملائهم وقطع دابر كل الدول والقوى التي تعبث بأمنه واستقراره وإسقاط كل أدواتهم ومشاريعهم التخريبية. فالعراق بحاجة إلى مشروع حل سياسي وطني مستقل يقوم على أساس حفظ وصون مصالح العراق العليا المتمثلة في وحدة أرضه وشعبه ويؤمن حقوق كل مكوناته بعيداً عن نهج المحاصصات الطائفية والعرقية ويضع حداً لكل التدخلات والوصايا الخارجية المفروضة عليه. وينبغي أن يكون على رأس أهداف هذا المشروع الوطني إلغاء قانون الاجتثاث والمصالحة الوطنية وتفكيك وإسقاط العملية السياسية الفاسدة ودستورها المسخ، والتخلص من كل إفرازاتها وقرارتها الجائرة وقوانينها الظالمة التي مزقت وحدة العراقيين ودمرت حقوقهم الإنسانية وشوهت تاريخهم وانتماءهم الوطني والقومي والحضاري.
المجد لكل شهداء العراق والأمة العربية
عاش العراق حراً عربياً وموحدا
التجمع القومي الديمقراطي
20 مارس 2017