من مشهد اعدام الرئيس صدام حسين الى عمليات اعدام داعش الى معارك حلب..
تأجيج العقل الثأرى والطائفى وضياع الحقيقة والعدل بين شهية الاعلام وغضب المشاهد وعاطفة السياسى
خالد فارس
مشهد المرور أمام الضحايا الذى تديره أدوات اعلامية كبرى, مشهد مرور يؤدى الى اغضاب المشاهد العربى, ثم يتبعه مقابلة مع سياسى لكى يُحَلّل المشهد, يستثير فى المُشاهِد غرائِزْ عاطفية تجاه الغضب, الذى بدوره يعزز شهوة الاعلام فى البحث عن مشهد ضحايا مثير أكثر أو جديد. وهكذا دواليك بين شهية الاعلام وغضب المشاهد وغرائزية السياسى.
ونحن فى هذا الشهر الأخير من عام 2016, يُدْبِر علينا مشهد اجرامى, من اخراج هوليود أميركى, وممثلين طائفيين مصابون بالهوس الطائفى, فى العراق المُغْتَصَبْ. انه مشهد اعدام الرئيس الراحل صدام حسين. ليس لهذا المشهد الجبار الدموى فى 30/12/2006, العاشر ذو الحجة أن يمر دون أن نحاول التقاط ثنايا الروح والعقل فيه.
مشهد الاعدام أعاد احياء وولادة فكرة اضحية البشر (أن يكون الانسان هو الاضحية). وارتبطت الاضحية بمسألتين: الاولى أن الذى تم اعدامه شخصية سياسية كبيرة, ارتبط اسمها برمزية العداء لاميركا و”أسرائيل”, وما يعنيه ذلك فى الوجدان العربى, والثانية فى مشهد الاعدام, طغى على مسامع المشاهد العربى صيحات الله أكبر, والتى تم ترنيمها على نحو تقطيعى واضح “اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد…” وكأنها تشفيرة للصلاة على الرسول قد تجسدت فى روح الطائفة, فى الجزء وليس فى الكل. وكأن القصد هو أن هناك طائفة بعينها, هى التى تعاقب الرئيس وليس الشعب العراقى.
هذا النوع من العقاب وعلى هذه الطريقة, يُحيل روح الطائفة الى ماهو خارج العقل, لان الاصل فى أى طائفة أن ان لاتكون طائفة, بل من الشعب, عندها يصبح لروحها عقلاً شعبياًّ وطنياًّ. روح الطائفة ليست روح الشعب, روح الطائفة هو تغييب للعقل, لان العقل فى الوطن فى الكل فى الشعب, وليس فى جزء منه.
يقود هذا النوع من المحاسبة أو المقاصصة والعقاب الى تجسير للعناصر الثقافوية, التى يراد اعادة احيائها على حساب المجتمع العربى. وعندما أصبح هؤلاء هم من يحكمون العراق اليوم, ففى ذلك ترسيخ الى المعنى السياسى للحكم, أومن الذى يستطيع أن يحكم.
الرسالة ببساطة, هو أن تكون هناك مجموعة طائفية, لاتحمل فكرة المشروع الوطنى, بل مشروع الطائفة, ومن خلال ممارسة “عدالة قصاص” الطائفة, فقط يتحقق لها الوصول الى الحكم. هكذا تصبح روح الطوائف منافية لعقل الوطن, وتتفارق معه.
دافع العديد من السياسيين فى العراق عن مشهد أضحية الانسان على هذا الشكل, مسألة العقاب الطائفى للآخر, عن طريق ذبحه. هؤلاء الساسة هم الذين استثاروا روح الطائفية فى العراق, وأرادوا عن عمد بناء خطاب طائفى يعزز غرائزية المشاهد.
يقول موفق الربيعى أثناء لقاء تلفزيونى https://www.youtube.com/watch?v=Cj-sGd5RTK8, حيث يحتفظ بتمثال رأس الرئيس صدام حسين (من البرونز وزنه 80 كيلو غرام), ويلف رأس التمثال الحبل الذى تم فيه اعدام صدام حسين, يقول “أننا لانريد للعراقيين أن ينسو ال35 سنة الماضية وأن لاينسو صدام وعدى وقصى….يمكن أن نغفر ولكن لاننسى….صدام يمثل الاستبداد والطائفية ضد الشيعة والعنصرية ضد التركمان والكرد”.
موفق الربيعى هو نفسه يعبر عن تطلعات طائفة, و يحتفظ فى التمثال فى دار تتبع الطائفة الشيعية, ضيافة الربيعى فى الكاظمية فى بغداد, حيث يقوم بزيارته المئات اسبوعيا. أفعال الربيعى هذه, تعبيراً بل تجسيداً بأن أهل هذه الطائفة هم أصحاب حق وأسبقية فى معاقبة صدام حسين. انه نموذج للسياسى العاطفى, الذى يقدم صيغة لاشباع الذات الطائفية عند المشاهد الغاضب.
ماقامت به تجربة القاعدة وأبومصعب الزرقاىوى فى العراق ولاحقاً داعش, هو تعميم فكرة الذبح (الاضحية) على الهوية الدينية, أو “قصاص الطائفة” من الآخر. حيث تمت عمليات قتل متكررة مستدامة, فردى وجماعى, تشمل الذبح والحرق. جسدت داعش روح الطائفة, التى تتناقض مع عقل الجماعة والمجموع الوطنى, أى مع الشعب. ولكن داعش أوغلت فى الامر, وتوسعت به. فهى لم تستثنى أحداً حتى من نفس الطائفة, وهذا التوسع بذاته, فتح شهية الاعلام وقدم له مادة عينية لكى يستخدم مشهد الضحايا والجثث, و يقوم باغضاب المشاهد, ثم البدأ فى ادارة عقل المشاهد.
أنها عملية تمهيد طريق للسياسى الديماغوجى, والأيديولوجى, والعنصرى, والطائفى, والشعبوى اليبرالى – الاشتراكى- القومى- الاسلامى- المسيحى, فى أن يتم التعاطى مع أزمات المنطقة من منطلق مشهد العنف والانقسام والتشظى, ليس من أى زاوية منطقية. أن يتم التعاطى مع مسائل الخطاب الطائفى والتى تعمل على تأجيج العمق الطائفى.
وهناك أمثلة عديدة منها على سبيل المثال ماجرى على شاشة الجزيرة فى برنامج ما وراء الخبر http://www.aljazeera.net/programs/behindthenews/2016/12/29/هل-ينفذ-اتفاق-وقف-النار-الشامل-في-سوريا بتاريخ 29/12/2016 وتمت اعادته فى 30/12/2016, حيث يقول المعارض السورى أحمد كامل بخصوص اتفاق وقف اطلاق النار: “…هذا الحشد الشيعى بالغ العنف بالغ الدموية الذى تقتله شهوة القتل للعرب المسلمين السنة فى سوريا شهوة قاتلة لايستطيعون السيطرة عليها” يقاطعه المقدم الاعلامى محمد كريشان ويقول له “انك مُصِرْ على هذا الخطاب الذى وصفه أحمد قصير بأنه طائفى ويمعن فى الطائفية”. ويعقب أحمد كامل بالقول “نعم أنا أقول خطاب طائفى لكنهم يفعلون فعلاً طائفيا, أنا عندى خطاب طائفى, توصيف للواقع الطائفى, أنا أوصف الواقع, ولكنهم يفعلون فعلاً طائفيا على الارض, وشتان مابين القول ومابين الفعل, كل الذين قتلهم حزب الله فى سوريا من طائفة واحدة, كل الذين قتلتهم ايران والكتائب الشيعية العراقية والافغانية والباكستانية هم من طائفة واحدة, لم يجرحوا شخصاً الا من العرب المسلمين السنة حصراً, 100%, …لم يجرح حزب الله فى سوريا ولم يقتل ولم يجرح الا ظائفة واحدة هم العرب السنة, ….وكان الشيعة يريدون ابادة أهل حلب ابادة, ولكن منعوا من ذلك منعا, كانوا يحاولون تخريب الاتفاق ….من أجل ابادة أهل حلب والتشفى وشرب دمائهم…”
لانستطيع من هكذا خطاب الا أن نوصفه بانه شعبوية طائفية, تريد تعزيز الطائفية عند المشاهد العربى. وهو دليل على افلاس فكرى وسياسى فى عدم القدرة على تقديم تحليل سياسى نقدى عقلى للواقع. هو اثارة غرائز المشاهد العربى, لمصلحة من؟!! هل من أجل اغضاب المشاهد العربى وتجييشه فى معركة لامستقبل فيها, الى صراع طائفى يقتل الجميع؟.
شهية الاعلام بحاجة الى مثقف اعلام (الذين يظهرون على شاشات التلفاز), يجيدون الخطاب السياسى العاطفى, الذى يثير غضب المشاهد, فيحصل الاعلام على أوسع حضور من المشاهدين, وبالتالى التاثير فيهم. أما لو أراد الاعلام أن يكون عقلانى, فسوف يتعاطى مع شهوته لمشهد الضحايا, من زاوزية مختلفة كلياً, وهنا مربط الفرس.
شهية الاعلام واغضاب المشاهد وغرائزية المثقف السياسى (الاعلامى خصوصاً), ثلاثية مُحاصرة العقل العربى فى الانقسام والصراعات الثأرية والطائفية.