معن بشّور
في ظهر الرابع من حزيران 1982 بدأت أطول حرب عربية إسرائيلية استمرت 82 يوما وسقط فيها أكبر عدد من القتلى، من جنود وضباط الجيش الصهيوني، من الرتب العالية والصغيرة، كما استشهد عشرات الالاف من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين والعرب، مقاتلين ومدنيين، في مذبحة متواصلة توجها الاحتلال وعملاؤه بمجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا التي استشهد فيها أكثر من أربعة الف شهيد.
في تلك الحرب التي خاضها جنبا إلى جنب وطنيون لبنانيون ومقاومون فلسطينيون وجيش عربي سوري ومتطوعون عرب، لاسيّما من اليمن، بشطريه آنذاك، شهد العالم ملاحم استثنائية في مخيمات صور وصيدا وقلعة الشقيف، ومحاور الدأمور وخلدة وبحمدون وعين دارة والسلطان يعقوب. بالإضافة إلى معارك بيروت المحاصرة لأكثر من 80 يوما مع قصف بري وجوي وبحري لم يتوقف. ومحاولات تقدم احبطها مقاتلون اشداء على المحاور كافة، لاسيّما محور المتحف.
في تلك الحرب لا أنسى لحظاتها الأولى حين بدأ قصف المدينة الرياضية وتوجهت ثلة من متطوعي الدفاع المدني من كشافة العروبة (جمعية شبيبة الهدى) وعلى رأسهم مامون مكحل الذي امتلأ جسده بشظايا القصف وهو يحاول مع رفاقه انقاذ الجرحى واخلاء جثث الشهداء، فيما استشهد في وقت لاحق رفيقاه الشهيدان فؤاد أبوحطب ومحمود دالاتي.
في تلك الحرب لا أنسى كيف جاءنا المناضل المصري محمد تيمور واخوانه في رابطة مصر العروبة بجثتين لطيارين إسرائيليين وهيكل طائرتهما التي أسقطت في المصيلح حيث كان مقاتلو الرابطة متمركزين.
في تلك الحرب لا أنسى كيف تجمع المئات من الشباب من كل لبنان في مقر تجمع اللجان والروابط في المصيطبة للذهاب إلى الجنوب لملاقاة العدو المتقدم من الحدود الجنوبية يوم 5/6/1982، فتوجهت المجوعة الاولى واصطدمت مع الانزال الصهيوني في جسر الاولي قرب صيدا فتم اسر هاشم هاشم وحمزة يزبك وفقدان محمد المعلم الجريح، وزملائه إبراهيم نور الدين وبلال الصمدي وحيدر زغيب ومحمد شهاب وفواز الشاهر وما زالوا مفقودين حتى الساعة.
في تلك الحرب لا أنسى اجتماعات عقدناها في بيروت المحاصرة وفي منزل احد مؤسسي تجمع اللجان والروابط الصيدلي حبيب زغيب وبحضور المناضل بشارة مرهج والمحامي خليل بركات مع مجاهدين من حركة أمل، وممن أصبحوا قادة في حزب الله، للتخطيط والتجهيز للمقاومة خلف خطوط العدو فكانت أول عمليات المقاومة في الجنوب يومها.
في تلك الحرب لا أنسى طبيب الأسنان د.ناصر حيدر الذي قطع دراسته الجامعية في روسيا ليصل إلى بيروت المحاصرة سيرا على الأقدام، وكذلك الاستاذ الجامعي والمحامي هاني سليمان الذي قطع دراسته في باريس ليدخل إلى بيروت مثلهم مثل العشرات من نظرائهم من مناضلي القوى الوطنية.
في تلك الحرب لا أنسى دور شباب الطريق الجديدة وبينهم أعضاء “الرابطة” الذين تصدوا للتوغل الصهيوني في العاصمة على محور جامعة بيروت العربية واعطبوا دبابتين للعدو واوقفوا تقدمه ليرتقي بينهم شهيدان بطلان عضوا الرابطة هما محمد الصيداني وعصام اليسير.
في تلك الحرب لا أنسى كيف كان الجميع يدا واحدة لبنانيين وفلسطينيين وسوريين وعربا وأجانب، ناصريين وبعثيين وقوميين عرب وشيوعيين وقوميين سوريين وإسلاميين ومواطنين عاديين، قادة وكوادر ومقاتلين.
الا نشعر اليوم، وبعد 34 عاما، ان هذه الحرب الأطول في تاريخ الصراع، والتي خرجت من رحمها المقاومة بكل راياتها لتكون المقاومة الأولى التي تدحر العدومن العاصمة والجبل وصيدا وجبل عامل والبقاع الغربي وراشيا دون قيد او شرط.
أليس في تجاهل تلك الحرب العظيمة محاولة لتجاهل المعاني الوحدوية العظيمة التي تنطوي عليها تمهيدا لأيام من الفتنة نعيشها اليوم.