هاني الفردان
من جديد نعود للحديث عن نظام البحرنة في البحرين، وعن المشاريع التي وعدت بأن يكون البحريني هو الخيار المفضل للقطاع الخاص.
حديث لا يكل المسئولون عن تكراره في كل فرصة يتم فيها التطرق للتوظيف والبطالة، ومشاريع إصلاح سوق العمل التي لم يبق منها سوى الحبر على الورق، وبقايا ملفات عالقة، وتصريحات ووعود منسية.
من جديد عاد المسئولون عن تنظيم سوق العمل لطرح أفكارهم الجهنمية في تنويع مشاريع جعل البحريني «الخيار الأفضل للقطاع الخاص»، وذلك على حساب «نظام البحرنة» أو النسبة، باستحداث نظام جديد سُمي بـ«النظام الموازي».
فكرة النظام الموازي للبحرنة والذي يقدّم خدمة «جليلة» للذين يريدون الهروب من تبعات الالتزام بتوظيف البحرينيين، دفع 300 دينار عن كل ترخيص لعامل أجنبي بعد تخطّي النسبة المقررة للبحرنة على شركته.
الفكرة الجديدة باختصار تقول: «إذا افترضنا أن صاحب العمل لديه 4 بحرينيين و16 أجنبياً، مستوفياً بذلك نسبة البحرنة المقررة في قطاعه والبالغة 20 في المئة، فإن نظام البحرنة الموازي يقضي بأن أي أجنبي يوظف جديداً (الرقم 17)، سيجعل صاحب العمل مخيّراً بين توظيف بحريني واحد للحصول على 4 رخص عمل جديدة لـ 4 عمال أجانب، أو دفع الرسم الجديد (300 دينار عن كل تصريح)، فيما سيحتسب عن العمال الـ 16 الباقين الرسم العادي».
لو كنت صاحب عمل، سألجأ بالتأكيد إلى خيار «النظام الموازي» الجديد، فهو سيكون أكثر توفيراً لي من توظيف بحريني. وللتوضيح، فإن تبعات توظيف بحريني بأجر لا يقل عن 400 دينار شهرياً ستكون «مكلفة» تقريباً، ولكن توظيف أجنبي براتب بسيط قد لا يتجاوز 100 أو 200 دينار شهرياً مع رسم قدره 300 دينار كل عامين (عن كل ترخيص)، أي ما يعادل 12.5 ديناراً شهرياً، سيكون خياراً أفضل، وبالتالي سيسقط معه شعار «جعل البحريني الخيار المفضل»!
تخيّل عزيزي القارئ صاحب عمل، يريد أن يتجاوز نسبة البحرنة في مؤسسته، ويريد أن يستقدم عمالة أجنبية رخيصة مقابل ذلك، فأيهم أنسب له: توظيف بحريني أو دفع 300 دينار كل عامين على ترخيص لكل عامل أجنبي؟
المسئولون في هيئة تنظيم سوق العمل فطنوا إلى ردة الفعل قبل وقوعها، وتخيّلوا كيف سيكون الحديث عن التفريط بـ«نظام البحرنة»، لذلك قالوا: «من كان يعتقد أننا فرّطنا في البحرنة، فعليه أن ينظر ببعض التمعن في القرار. البحرنة شرط للاحتفاظ بالتصريح وتجديده، ومن كان يتعامل مع البحرنة كإجراء مؤدي لتصاريح العمل ثم بعد ذلك يحدث ما يحدث، فإن الحكومة ترى أن الأولوية هي لتوفير الوظائف للبحرينيين، وهذا النظام يضع كلفة مادية على من (يبحرن) ومن لم يكن جاداً في البحرنة».
ولكن أصحاب الأعمال، وضع لهم «نظام موازي» مقر رسمياً يعد مهرباً لهم من البحرنة وشروطها وإلزاميتها، أي سيقبلون بتجاوز النسبة مقابل مبلغ «زهيد» نسبياً كل عامين، ولن يفضّلوا البحريني على الأجنبي، إذ مع ذلك المبلغ (300 د. كل عامين) ستكون تكلفة العامل الأجنبي أرخص من العامل البحريني وبكثير أيضاً، وستبقي على كونه الخيار الأفضل لسوق العمل في البحرين.
النظام الجديد، ومشاريع كثيرة جديدة، تسير عكس ما طرح منذ سنوات بشأن إصلاح سوق العمل وجعل البحريني الخيار الأفضل. فالسلطة «التشريعية» في البحرين، لم تتحرك من قبل ولم تسأل، ولم تفعل أي شيء إزاء قضية البطالة في البحرين، والسياسة المتبعة في تفضيل الأجنبي على البحريني، حتى صدمنا مجلس الشورى برفضه في جلسة (الاثنين 19 يناير/ كانون الثاني 2015) بمشروع تعديلات على قانون العمل، ينصّ على إعطاء أفضلية للمواطن البحريني على الأجنبي في حال التوظيف، ومراعاة تسريح الأجنبي قبل البحريني في حال اضطرار المنشأة للإغلاق الجزئي أو الكلي، وهو ما فتح الباب واسعاً من جديدٍ للحديث عن الحمائيات التشريعية التي تضمن للمواطن البحريني تميّزه في التوظيف وحمايته عند التسريح، خصوصاً بعد أن ألغى قانون العمل الجديد رقم (36) لسنة 2012 المادة (13) الخاصة بالتوظيف والاستخدام، وخفّف كثيراً من قيود المواد 110-111-115 الخاصة بحالات التسريح والتعويض.
قانون العمل البحريني لسنوات طويلة ارتكز على أساس الأولوية في التوظيف للمواطنين البحرينيين، كما استهدف مشروع إصلاح سوق العمل جعل المواطن البحريني الخيار المفضل للعمل في القطاع الخاص من خلال تزويده بجميع المهارات المطلوبة في سوق العمل. وكان ذلك النص القانوني بمثابة «حق مكتسب» للعامل البحريني لا يمكن المساس به، حتى أُسقط من قانون العمل الجديد، وتحوّلت سياسة «المواطن أولوية» إلى كون توظيف «الأجنبي هو الأولوية».
وواكب كل ذلك الآن تجاوز حتى نسبة البحرنة المفروضة على الشركات، بإعطاء بدائل مالية بسيطة تشجّع أصحاب الأعمال على تجاوز توظيف البحرينيين، والاتجاه أكثر نحو الأجانب.
جزء من الأزمة السياسية المستفحلة في البحرين، هو أن من يمكنون من «التشريع» وإصدار القرارات لا يعون حقيقة تلك الأزمة ومسبباتها؛ ولا يعون أن البطالة والتوظيف جزء أساس ساهم في الاختناق الذي نعيشه حالياً؛ وأن «سياسة» إقصاء المواطن البحريني واللجوء إلى الأجنبي ستزيد من تعقيد المشهد.