ريم خليفة
احتفل العالم منذ أيام بذكرى اليوم الدولي للمرأة الذي يوافق (8 مارس/ آذار) من كل عام، وهو يوم ليس كباقي الأيام التي سطرت في ذاكرة التاريخ العالمي. ليس هذا يوماً لاحتفالات البهرجة، والدعايات لأنظمة سياسية متهالكة لا تعترف بأهمية التغيير والتطور في العملية السياسية. كما أنَّه ليس يوماً لإخفاء عيوب القوانين التي لا تنصف حقوق المرأة المدنية والسياسية بل تذهب بعيدًا لأجل الدعاية الرسمية بما فيه حقيقة واقع المجتمع الذي لا يعترف بوجودها إلا لأهداف ترويجية معينة.
فكيف ناضلت المرأة في الغرب حتى تصل الى ما وصلت إليه اليوم؟ ولماذا العالم يحتفل بهذا اليوم؟… أسئلة كثيرة طرحت، لكن الإجابة عليها تنصبُّ في أن مجتمعاتنا العربية ولا سيما في البحرين لا تتعامل مع هذا اليوم إلا من أجل تجميل صورة المرأة واستخدامها لأجل الدعاية السياسية والاستهلاك الإعلامي الذي لا يخدمها بالصورة التي يجب أن تكون عليه، هذا فيما لو تمت المقارنة بين حقوق المرأة في البحرين مع نظيرتها في تونس مثلاً.
وفي بعض الدول كالصين وروسيا وكوبا تحصل النساء على إجازة في هذا اليوم. فالاحتفال بهذه المناسبة جاء على إثر عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي الذي عقد في باريس في العام 1945. ومن المعروف أن اتحاد النساء الديمقراطي العالمي يتكون من المنظمات الرديفة للأحزاب الشيوعية، وكان أول احتفال عالمي بيوم المرأة العالمي، على رغم أن بعض الباحثين يرجح أن اليوم العالمي للمرأة كان على إثر بعض الإضرابات النسائية التي حدثت في الولايات المتحدة الأميركية في العام 1908. مهما تكن الأسباب إلا أنه بلاشك أصبح يومًا يُذكّر بالظلم الذي أصاب مجموعة من النساء في الولايات المتحدة.
وبدأ الاحتفال بـ «الثامن من مارس» كيوم للمرأة الأميركية قبل أن يتحول إلى يوم عالمي، وذلك تخليداً لخروج مظاهرات نيويورك في العام 1909، وقد ساهمت النساء الأميركيات في دفع الدول الأوروبية إلى تخصيص هذا اليوم كيوم للمرأة، وقد تبنت اقتراح الوفد الأميركي بتخصيص يوم واحد في السنة للاحتفال بالمرأة على الصعيد العالمي بعد نجاح التجربة داخل الولايات المتحدة.
ولعلّ ما حدث في مجزرة العام 1908 بالولايات المتحدة، أصبح أيضًا يُذكّر بحجم الظلم الذي وقع على المرأة عندما طالبت بحقوق تنصف أجرها في مثل هذا اليوم، عندما قام أحد اصحاب مصانع النسيج بإغلاق ابواب المصنع على النساء العاملات، وأحرق المصنع بكامله بسبب إضرابهن عن العمل داخل المصنع من اجل تحسين اجورهن ما أدى الى وفاة كل النساء العاملات ( 129 عاملة).
وهنا تذكرت والدتي التي ناضلت من أجل مبادئها، وكافحت من أجل تربيتنا، حتى توصلنا إلى أعلى المراتب العلمية والعملية وهي مازالت تؤمن حتى اليوم بأهمية التعليم والاستقلال المادي للمرأة على رغم كل التحديات في الماضي وفي الحاضر.
ولو تمت مقارنة ما حصدته المرأة في الدول العربية فهو يختلف من بلد الى آخر، وذلك تبعًا إلى مزاج السلطة الذكورية التي تمسك بزمام صنع القرار السياسي، فهي مَنْ تُحدّد مصير وقدر المرأة داخل كل مجتمع عربي باستثناء تونس. هذا البلد العربي الوحيد الذي يتميز بعناصر تختلف عن باقي البلدان الأخرى في المنطقة لأكثر من سبب وعامل.
من هنا لابد من الاشارة الى أن المجتمعات التي مازالت لديها قوانين متذبذبة، وبيد السلطة الذكورية المستمدة من النظام الأبوي، مازال موضوع تغييب انصاف المرأة في حقوقها هو نابع من عدم ايمان المجتمع والدولة معاً بدورها.
كما أن تغييب انصاف المرأة في الأجر أو غيره في مختلف الأعمال تحت حجج كثيرة، يدفع بالنساء الى خيارات أخرى او ترك العمل بسبب تراكم الواجبات عليها. اذ ليس من السهل أن تهزم المرأة طالما هي تشقى طوال اليوم من أجل قوتها وقوت أسرتها، فكم من النساء في البحرين وخارجها ممن يعلْن أسرهن دون الرجل في الأسرة الواحدة.
ببساطة شديدة العلم والشهادة ليسا لإكمال المظهر العام للمرأة، أمَّا العمل فهو ليس من أجل تضييع الوقت لكن الانتاجية التي تخلق من شخصية المرأة وتجعل منها عنصرًا مكملا للتطوير والتغيير داخل المجتمع. وهذا بالضبط ما فعلته نساء حقبة المصانع وهذا لن يتحقق الا عندما يرتفع صوت النساء داخل المجتمع وعبر الأدوات السلمية التي لا تؤدي في نهاية المطاف الى قمع صوتها، لكن لاثبات أنها موجودة كعنصر فعال ومنتج وعامل للتغيير الذي يجعل منها امرأة حرة ومستقلة.