هاني الفردان
أثارت جلسة مجلس النواب الماضية الثلثاء (8 مارس/ آذار 2016)، جدلاً طويلاً بين عدد من أعضاء المجلس حول معاقبة غسل السيارات في غير الأماكن المخصصة لها بواسطة خرطوم مياه، في الوقت الذي دعا رئيس لجنة المرافق العامة والبيئة عادل العسومي، زملاءه إلى عدم الاستنتاج من «مخوخكم».
أهم ما في ذلك الجدل «العقيم» بشأن كيفية قيام المواطن بغسل سيارته سواء كان ذلك داخل منزله أو أمام بيته بدلو أو بخرطوم مياه، هو ما قيل عن عدم قراءة النواب للقوانين.
حقيقة خرجت من المجلس ذاته، صدّق عليها أيضاً رئيس المجلس أحمد الملا أيضاً داعياً النواب لـ «الاطلاع على تقارير اللجان قبل الحضور لجلسة النواب ولكي لا يضيع الوقت»، وذلك عندما أيد كلام رئيس لجنة المرافق العامة والبيئة عادل العسومي الذي بَيّن أن «النواب لا يقرأون المواد القانونية بالشكل الصحيح».
عبارة النواب لا يقرأون، تكررت كثيراً في جلسة النواب الماضية، حتى عاد العسومي ليؤكد قوله أن «محد قاعد يقرأ».
الحديث عن عدم رضا نواب بشأن أداء مجلسهم منذ بدء دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الرابع في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أصبح علنياً وواضحاً للجميع، فقد دخل المجلس في مرحلة وصفت بـ «جلد الذات»، ومناقشة «المتأخرات» بل أصبح الحديث عن إضاعة «الوقت» في نقاشات ليست بالأولويات.
نواب يطالبون بـ «إعادة» هيبة المجلس، وآخر يقف ويصرخ في وجه زملائه «قفوا وقفة رجال»، وذلك احتجاجاً على قرارات رسمية، ولكن بعد فوات الأوان وبعد أن وقع الفأس في الرأس كما يقال، فيما ينشغل النواب في قضايا هامشية.
فعلى سبيل المثال فإن قرار رفع الدعم عن الكهرباء دخل حيز التنفيذ (ولن تتراجع الحكومة عنه أبداً)، وهو أمر سلّم الشعب به ومع ذلك وافق مجلس النواب في جلسته الأخيرة على طلب استدعاء وزير الطاقة في الجلسة المقبلة لفتح نقاش واستيضاح سياسة الحكومة في موضوع دعم الكهرباء!
الحكومة طوال الشهرين الماضيين كانت تتحدث علانية عن خطتها وسياستها بشكل كامل في كل ما يتعلق بشأن موضوع رفع الدعم عن الكهرباء والماء، ونشرت تفاصيل التفاصيل، وعملية التدرج التي ستمتد على الثلاث سنوات المقبلة للوصول إلى تحميل المواطن الذي يمتلك أكثر من منزل، وغير المواطنين وغير المنازل، سعر كلفة إنتاج الكهرباء والماء، ومع ذلك النواب يريدون «استيضاحاً» بشأن تلك السياسية التي أصبحت واضحة لدى الناس عامة، إذ نتمنى ألا تكون الجلسة المقبلة أيضاً ضمن منهجية إضاعة الوقت، وللبهرجة الإعلامية لبعض النواب.
قضية رفع الدعم عن الكهرباء سبقتها قضية رفع أسعار البنزين على المواطنين، لتفتح الباب على مصراعيه، في ظل حديث نواب عن عدم وضع أي اعتبار لهم كسلطة تشريعية ورقابية، وكجزء فاعل في اتخاذ القرارات المصيرية، على رغم وجود اتفاق سابق ولجنة مشتركة بينهم وبين الحكومة.
تخيل عزيزي القارئ أن الحكومة قبل 11 يوماً تقريباً (31 ديسمبر/ كانون الأول 2015) من قرار رفع أسعار البنزين (11 يناير/ كانون الثاني 2016) كانت تؤكد للنواب أنه لا توجد رؤية لديها بشأن رفع سعر البنزين، وحتى يوم صدور القرار أكد جُل النواب عدم علمهم بذلك؛ بل تفاجأوا وصدموا بالقرار، بينما المؤكد أن أعضاء في مجلس الشورى كانوا على علم واطلاع بالقرار قبل أيام من صدوره.
لا يخفي النواب حقيقة أن مهمة تشريع القوانين «سُحبت منهم» وأن الدور الرقابي «سُحب أيضاً»، وهو ما أعلنه النائب محمد العمادي حتى قال: «التشريع سُحب منا، والرقابة سُحبت منا، ماذا نناقش؟ الاقتراحات برغبة؟ وهذا ما ترونه في جدول الأعمال»، في إشارة منه إلى أن مجلس النواب غارق في تقديم الاقتراحات برغبة. وعندما اتجه النواب للتشريع ناقش كيفية قيام المواطن بغسل سيارته!
هناك نواب يعون حقيقة ما يحدث، ويتلمسون الواقع الذي يعيشونه، وهناك نواب آخرون في سبات عميق لا يدركون ما يجري حولهم ولا حتى يقرأون، وبالتالي فهم لا يكترثون بما إذا كانت لديهم صلاحيات أو سلطات أو أن ما كانوا يملكونه قد سحب من تحت أقدامهم في لحظة سباتهم.
هناك أمور كثيرة تستحق النقاش من قبل السادة النواب، يمكن أن تخفف من معاناة الناس من دون الحاجة لإضاعة الوقت وهدر الزمن في قضايا هامشية جداً كتجريم «الوشم» أو غسل السيارات بمياه الخراطيم، فلو كانوا يقرأون الصحف يومياً لوجدوا الكثير مما يستحق أن يناقش ويشرع له خدمة للناس.