الاستاذ معن بشور
(كلمة الاستاذ معن بشور المنسق العام لتجمع اللجان والروابط الشعبية في مهرجان انطلاقة الثورة الفلسطينية ويوم الشهيد الذي اقيم في مخيم البداوي شمال لبنان في 8/1/2016)
بالأمس في بيروت كان اللقاء في مدافن شهداء فلسطين، في يوم الشهيد الفلسطيني، والشهيد من أجل فلسطين…. فأمّة تنسى شهداءها تصبح خارج التاريخ وتعجز عن صون الحاضر، وتتعثر في حركتها نحو المستقبل…
وبالأمس أيضاً كان اعتصام خميس الاسرى 98 على ساحل صور تضامناً مع اسرى الحرية في فلسطين وفي المقدمة القادة احمد سعادات ومروان البرغوثي، الساحل الذي انطلقت منه باتجاه فلسطين الشهيدة دلال المغربي ورفاقها وبينهم ابن الشمال اللبناني يحيى سكاف الاسير المفقود منذ 38 عاماً، ومنه انطلقت أيضاً عملية جمال عبد الناصر بقيادة البطل القائد الشهيد سمير القنطار الذي عاش مقاوماً وأسيراً وارتقى مقاوماً وشهيداً…..
وبالامس أيضاً أحيا احرار مصر الذكرى الثلاثين لاستشهاد المجنّد المصري البطل سليمان خاطر الذي اردى 7 جنود صهاينة على الحدود عام 1985 ليجدوه مشنوقاً في ظروف غامضة داخل السجن في بلاده عام 1986 فأكد ببطولته واستشهاده عمق الترابط بين مصر وفلسطين، وبين شعب مصر ودوره القومي، رغم كل ما يحيط اليوم بهذا الدور من ملاحظات نأمل في تجاوزها…
وبعد أيام نحيي في بيروت، كما في الطيبة، ذكرى استشهاد ثلة من أبنائها المقاومين الاحرار في مثل هذه الايام من عام 1975، حين تصدوا لقوات الاجرام الصهيوني التي تمكنت من قتل الاب البعثي على شرف الدين وولديه عبد الله وفلاح شرف الدين والمدرس الشيوعي محمود قعيق….
وبالامس أيضاً كان لنا لقاء حول الذكرى التاسعة لاستشهاد الرئيس العراقي صدام حسين الذي ودّع هذه الدنيا وهو يردد على حبل المشنقة "عاشت فلسطين حرة عربية" ليكون بالفعل شهيد فلسطين، كما العراق، كما الأمة العربية….
واليوم نلتقي في مخيم البداوي، مخيم الشهادة والعطاء، احد رموز الصمود في الشتات الفلسطيني، لنحيي ثورة فلسطين وشهدائها وأسراها وأبطال انتفاضتها المتجددة التي أدخلت ذعراً غير مسبوق إلى قلب الكيان الغاصب، والتي انارت بدماء ابطالها، شباباً وشابات، درب الحرية والنصر القريب على العدو بإذن الله، ويكفي هذه الانتفاضة فخراً ان أحد أبطالها نشأت ملحم قد فرض على الصهاينة منع تجول منذ 6 أيام حتى اليوم، وخرج بالأمس متحدياً الغزاة بارسال صورته متصفحاً جريدة اسرائيلية نشرت خبر عمليته البطولية الرائعة…
ايها الاخوة والاخوات…
حين نتحدث عن فلسطين، نتحدث عن الداخل والشتات، وعن الشهيد والاسير، لندرك اننا امام واحدة من أعظم ثورات العصر وأطولها، وأمام واحدة من أهم معارك الانسانية ضد الظلم والعنصرية والارهاب الحقيقي، بل نتحدث عن قضية لو أعطيناها الاولوية في نضالنا واهتماماتنا لاخرجنا أمتنا من حال التناحر الدموي الخطير الذي تعيشه، وتفشي الغلو والتطرف والتوحش الظلامي في كل ربوعها.
لقد حاول العدو على مدى عقود ان يحوّل معركته مع الشعب الفلسطيني إلى صراعات بين هذا الشعب وبين دول الطوق المحيطة لفلسطين، أو لصراعات بين فصائل هذا الشعب ومكوناته، ولقد دفع مخيمكم ثمن هذه الصراعات غالياً لكن الشعب الفلسطيني نجح من ان ينقل الصراع إلى داخل فلسطين عبر انتفاضاته المتلاحقة، وهي بالمناسبة اكثر من ثلاثة، فأحتار العدو في مواجهتها، فلم يجد سلاحاً أفضل من الانقسام داخل فلسطين، وأفضل من الاحتراب الاهلي داخل الأمة، الاحتراب داخل الاقطار والاحتراب بينها.
وبالتأكيد لم يكن ممكناً لهذا الاحتراب ان يأخذ مداه الطائفي والمذهبي والعنصري لولا وجود ثغرات في بنانا السياسية والثقافية والاجتماعية والتربوية، ولولا سوء تقدير وقع به العديد من الزعماء والقادة فتراءى لهم انهم يمتلكون من القوة ما يسمح لهم بالهيمنة على الغير أو باقصائه أو باجتثاثه دون ان يدرك ان أحداً لا يستطيع الغاء أحد في منطقة زاخرة بالتنوع والتعدد، فالصغير، مهما كان صغيراً، قادر على الدفاع عن نفسه، والكبير مهما كان كبيراً عاجز عن ابتلاع غيره أو الهيمنة عليه….
لهذا، ومن أجل فلسطين وهي قضية الأمة وبوصلتها وعنوان وحدتها ونهضتها كان اصرارنا ان نكون جسوراً في كل الصراعات التي تشهدها أمتنا بين مكوناتها، ومتاريس في وجه كل اعداء الأمة الطامعين في احتلال ارضها ونهب مواردها وضرب هويتها العربية، فرفضنا وما نزال الحرب في لبنان وعليه وحملنا مبكراً رايات السلم الاهلي ومقاومة التقسيم والفتنة على مدى عقود…
كما رفضنا الصراع الفلسطيني – السوري الذي كان هذا المخيم وهذه المنطقة من ساحاته الرئيسية، ورفضنا الصراع بين منظمة التحرير والعراق قبل ان يصبح العراق أحد اهم داعمي الثورة الفلسطينية، ورفضنا الحرب العراقية – الايرانية مدركين منذ اللحظة الاولى عواقبها التي ما نزال ندفع ثمنها حتى اليوم، ورفضنا الصراع بين الرفاق في بغداد ودمشق قبل ان يكتشف الجميع ان من يريد رأس العراق ستكون سوريا هدفه التالي، ورفضنا تقسيم السودان والعشرية الدموية في الجزائر، والاحتراب الاهلي في اليمن، كما العدوان الخارجي عليه، ورفضنا ان يكون الاعتراض في ليبيا مبرراً لتدخل الناتو الذي نرى أثاره اليوم، ورفضنا الحرب الدائرة في الصومال والتي بدأت بالتدخل الاجنبي، ونرفض اليوم إذكاء نار التوتر بين الرياض وطهران لأنها ستحرقنا جميعاً بشرورها الطائفية والمذهبية والعنصرية….
لم نكن في ذلك غافلين عن وجود العديد من الاسباب والعوامل الذاتية والموضوعية وراء هذه الصراع، ولكننا نعتقد ان كل القيادات التاريخية الواعية والحريصة على مصالح شعوبها هي القادرة على التمييز بين ما هو رئيسي ومركزي من التناقضات وبين ما هو ثانوي وجانبي منها، رغم ادراكنا ان الصراعات بيننا قد تبلغ من القسوة ما يدفع بالبعض إلى اعتماد ردود فعل عنيفة تجعله يغلب التناقض الثانوي الذي يعاني منه على التناقض مع العدو الرئيسي للأمة.
ألم تتحالف الرأسمالية العالمية مع الشيوعية العالمية ضد خطر النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية، ألم يمد ستالين قائد الاتحاد السوفياتي يده إلى الكنيسة الارثوذكسية، عدوه الاكبر داخل بلاده، حين اقتربت جيوش هتلر من حدودها، ألم يلتقي ماو تسي تونع الشيوعي قائد الثورة الصينية مع عدوه التاريخي شان كاي تشك لمواجهة الغزو الياباني… والأمثلة في ذلك لا تنتهي.
فأي صراع اكبر من صراعنا مع العدو الصهيوني الذي يلعب دوراً كبيراً عبر حلفائه الاستعماريين في تدمير مجتمعاتنا واشعال النار في اوطاننا، بل في تشجيع حلفائه الامريكيين والاطلسيين وبعض شركائه في المنطقة على احتلال العراق وتدمير سوريا وليبيا واليمن…
ان توتر اللحظة الراهنة، مهما كان قاسيا، لا يجوز ان يغيّب عن انظارنا مسار التاريخ من حولنا، ففلسطين هي البوصلة والمعيار الذي نقيس في ضوئه كل موقف أو سلوك أو صراع، والمقاومة هي طريقنا وخيارنا وثقافتنا وعلينا ألا نقع أبداً في ازدواجية المعايير تجاهها فنتحمس لمقاومة هنا ونهمل مقاومة هناك أو نعاديها، فازدواجية المعايير أسقطت معسكرات عالمية ودولاً واحزاباً وقيادات..
المجد للشهداء والشفاء للجرحى والحرية للاسرى، والنصر لفلسطين والامة من المحيط إلى الخليج.