نص كلمة عبد المجيد الرافعي
في احتفالية الذكرى التاسعة لاستشهاد الالدكتور رئيس صدام حسين – بيروت في 6/1/2016
الأخوة والرفاق قادة وممثلو القوى الوطنية اللبنانية
الأخوة والرفاق ممثلو فصائل الثورة الفلسطينية
أيها الرفاق، أيها الأخوة والأصدقاء
الحضور الكريم
تمر علينا السنون، وتطوى صفحاتها، لكن ما كُتب عليها لا يُمحي، ولا يمكن إسقاط عناوينها وتجاهل مضامينها وهي تؤرخ لأحداث مفصلية في تاريخ أمتنا العربية.
نلتقي معكم اليوم، لأحياء مناسبة تعددت عناوينها وهي متمحورة حول قضية واحدة، قضية الأمة في الدفاع عن حقها في الحرية والعيش الكريم. وهذه المناسبة المتعددة العناوين إذ تفرض نفسها محطة يتم التوقف عندها حكماً، فلأنها باتت دائمة الحضور في العقل الجمعي للأمة، ودائمة الاستحضار في الذاكرة الشعبية العربية.
في العنوان الأول، من منا، لا يستحضر مشهدية استشهاد قائد العراق العظيم، شهيد الحج الأكبر، الأمين العام لحزبنا، حزب البعث العربي الاشتراكي، والذي رسم جدارية على المجسَّم العربي لم توازها سوى تلك التي رسمها القائد العربي عمر المختار. هذه الصورة ستبقى محفورةً في الوجدان العربي، وكيف لا، وألوانها طُرِزَّت بألوان العلم العربي، علم فلسطين الذي سيبقى مرفوعاً على ناصية العروبة وممهوراً بإمضاء شهيدها وهو يستحضر فلسطين قبل النطق بالشهادتين.
إن مشهدية استشهاد القائد صدام حسين، وبما انطوت عليه من دلالات وأبعاد، مدَّت المقاومة التي فجر فعالياتها بزخم نضالي، أنتج مشهدية أخرى، تمثلت باندحار قوات الاحتلال الأميركي، التي انسحبت متجلببة برداء الظلام كي تبقى بعيداً عن مرمى نيران المقاومين الأبطال الذين أسقطوا ادعاء بوش بالنصر، وجعلوه يتجرع كأس الهزيمة، كما تجرع قبله آخرون كأس السم عندما منُّوا النفس بغزو العراق، فإذ بهم يذوقون طعم الهزيمة في القادسية الثانية.
إن هذا العنوان الثاني للمناسبة التي انطوت عليها خمس سنوات ما يزال يتصدر اختلاجات الوضع في العراق، في إبراز صفحة جديدة من المقاومة ضد الاحتلال الإيراني بكل تعبيراته، وفي الاستعادة الأميركية تحت حجة مواجهة الإرهاب، ومواجهة قوى الترهيب السياسي والديني على تعدد تشكيلاتها ومصادر تمويلها وإرضاعها.
وإذا كانت تحل الذكرى التاسعة لاستشهاد قائد العراق والخامسة لانتصار المقاومة الوطنية العراقية على المحتل الأميركي وردائفه، فإن حلول الذكرى الواحدة والخمسين لانطلاقة الثورة الفلسطينية يشكل عنواناً بارزاً في صفحات الكتاب العربي، والذي سيبقى مفتوحاً طالما بقي الصراع قائماً بين الأمة العربية وأعدائها المتعددي المشارب والمواقع وفي الطليعة منهم العدو الصهيوني.
إن الثورة الفلسطينية التي انطلقت في منتصف الستينيات، قال كثيرون عنها أنها عمل مغامر غير محسوب، فإذ بهذا العمل الذي اعتبره البعض مغامرة، يجسِّد الإفصاح الحقيقي عن المخزون النضالي في هذه الأمة التي تستمر ثورة مختلجة في ذات جماهير فلسطين، وتعبِّر عنها بأشكال نضالية مختلفة، ومشهده الحالي الانتفاضة الشعبية التي تواجه المحتل بالممكن والمتاح من الإمكانات.
وتحت عنوان هذه القضية، قضية فلسطين، تفتَّح الوعي العربي على الارتباط بها وانخرط أبناء هذه الأمة في الفعاليات النضالية وكل أشكال الكفاح الشعبي، وفيها سُطِّرَت ملاحم بطولية، كانت ملحمة الطيبة واحدة من تعبيراتها، يوم امتشق مناضلو البعث بنادقهم وصوبوها إلى فلسطين التي كانت تحت مرمى بصرهم وكانت دليل بصيرتهم.
إن هذه الملحمة التي استشهد فيها الأب والابنين، علي وعبد الله وفلاح شرف الدين، ستبقى شعلة مضيئة في تاريخ العمل المقاوم للاحتلال، وحيث أنهم مع رفاق لهم سلكوا درب المقاومة والاستشهاد ونموذجهم الشهيد البطل أبو علي حلاوي وآخرين أمنُّوا الأرضية الصلبة لاستمرارية المقاومة التي أثمرت تحريراً.
إننا ونحن نلتقي بكم أحياءاً لهذه المناسبة بكل عناوينها الوطنية والقومية والإنسانية، نتوقف عند عنوان مناسبة وطنية في منشأها، قومية في أبعادها، إنها ذكرى تأسيس الجيش العراقي التي تطوي هذه الأيام عامها الخامس والتسعون والتي تزامنت مع تأسيس الدولة الوطنية العراقية. هذا الجيش الذي كان دائم الحضور في معارك الأمة وحامي ثغورها وخاصة الشرقية منها، كان حَلَّهُ، من بين الأهداف الأساسية لسلطة الاحتلال، لإدراك منها بأن تدمير بنية الدولة الوطنية العراقية ما كان ممكناً بدون تدمير أهم وأقوى مؤسساتها الارتكازية. وبهذا كان قرار حل الجيش العراقي أول قرار اتخذته سلطة الاحتلال، ومعه قرار اجتثاث حزب البعث وحظره تحت أي مسمى.
أيها الرفاق، أيها الأخوة والأصدقاء
إن هذه المناسبة التي نحي عناوينها المتعددة سنبقى على عهدنا في أحيائها ما بقي نبض الحياة فينا، وهذا الأحياء بقدر ما فيه استحضار للدلالات والأبعاد، فيه التأكيد والتذكير دائماً بأن هذه الأمة التي تغطي سماءها الغيوم السوداء وتُمطر عليها قوى الاحتلال والعدوان والاستبداد والتخريب المجتمعي، الصواريخ والبراميل المتفجرة، فيها من العلامات المضيئة ما يجعل التفاؤل قائماً بمستقبل هذه الأمة رغم هذه السوداوية التي تلف العديد من جوانب الحياة فيها. ولهذا فإننا، ونحن نعيش مرحلة مصيرية في خضم هذا الصراع الدائر في الأمة العربية وعليها من مشاريع الاحتلال والاستيطان، والترهيب السياسي، والتكفير الديني والمذهبي، والتغيير في التركيب الديموغرافي، نرى بأن العنوان المرحلي الذي يجب أن يتصدر واجهة العمل العربي، هو حماية الهوية القومية للأمة العربية وتوفير أرضية لمواجهة مشاريع النزول بالواقع العربي الحالي في الدولة الوطنية والمكونات المجتمعية إلى تحت ما هو قائم حالياً.
وعلى هذا الأساس، نرى بأن مشاريع الحلول السياسية التي تنتج تسويات داخلية تحمي المقومات الأساسية للدولة الوطنية، بوحدة أرضها وشعبها ومؤسساتها، هي التي تضع حداًَ لحالات الانكشاف الوطني، وتفتح الكُوَّة في جدار الانسداد السياسي، وتمهد لولوج طريق التغيير السياسي الذي يعيد هيكلة المجتمعات على قواعد المواطنة والديموقراطية والتعددية السياسية.
إننا إذ نؤكد على إنتاج هذه التسويات وحيثما هناك صراع متفجر وأزمات سياسية، فلأن عكس ذلك سيزيد من مساحة الانكشاف الوطني وسيرفع فاتورة التكلفة البشرية والاقتصادية وكله على حساب أمن المواطن والأمن الوطني.
إننا مع التسويات الوطنية لإدخال البلاد التي تَفَجَّرَ الصراع فيها، مرحلة انتقالية من البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهذا مردَّه أن هذه الأزمات يجب مقاربتها من خلال معطياتها السياسية وليس من خلال سياقات الأعمال الحربية والعسكرية، والتي إذا ما استمرت، فإنها تجعل من يدير الحروب والعمليات العسكرية هو من سيتحكم في ترسيم الحلول السياسية، وبالتالي لن تكون إلا في مصلحة من يموِّل ويذخّر ويتحكم بإدارة الصراع.
هذه الحلول التسووية، نحن معها في لبنان بدءاً بملء الشغور الرئاسي وإعادة تفعيل عمل المؤسسات الدستورية، كما نحن مع استمرار الحراك الشعبي كرقيب وحسيب على الأداء السلطوي ولأجل قانون انتخابي يعيد تكوين السلطة على قاعدة المواطنة وبعيداً عن المحاصصة الطائفية والمذهبية.
والتسويات التي ننشدها للأزمات البنيوية في الوطن العربي، هي التسويات الوطنية التي تحمي وحدة الأرض والشعب والمؤسسات، وأن تكون محمولة على رافعات وطنية وتضع مصلحة الشعب فوق المصالح الفئوية الضيقة. وقد كشفت سياقات الأحداث إن الدم يستسقي الدم، والعدوان من الغرب السياسي الدولي يستدرج عدواناً أخراً من الشرق الدولي، والتدخل الإقليمي احتلالاً وتخريباً، يستدرج تدخلاً إقليمياً أخراً، والتكفير الديني والمذهبي يستدرج تكفيراً دينياً ومذهبياً أخراً، والتغيير في التركيب الديموغرافي لأغراض مشبوهة تحت حجة توفير الملاذات الأمنة، يستدرج تغييراً أخراً في بيئات مجتمعية أخرى، وكله يصب في مصلحة قوى الاحتلال والعدوان والتخريب واياً كانت مسمياتها، لأن المُستهدَف هو الأمن القومي العربي كهدف استراتيجي، والأمن الوطني للمكونات الوطنية العربية كهدف مرحلي.
من هنا، فإننا نقول، بأن مقاومة الاحتلال الاجنبي لا تتم عبر الاستقواء بقوى أجنبية أخرى، ومقاومة الاحتلال من أحد دول الإقليم لا تكون باستقواء بدولة أخرى، ومقاومة قوى التكفير الديني والمذهبي لا تُواجه بقوى تكفيرية أخرى، بل كل هؤلاء يُواجَهون بالمشروع القومي والذي لن تستقيم الحياة له إلا بإعادة الاعتبار للمركز القومي العربي الجاذب، الذي يحقق الامتلاء السياسي على مستوى المكوِّن القومي ويوفر الإسناد للمكونات الوطنية التي تتعرض لمخاطر التقسيم والتفتيت.
أيها الرفاق، أيها الأخوة والأصدقاء
إننا في هذه المناسبة التي نحي فيها ذكرى استشهاد الرفيق القائد صدام حسين، وذكرى انتصار المقاومة الوطنية العراقية على الاحتلال الأميركي، وانطلاقة الثورة الفلسطينية، غير ناسين ملحمة الطيبة وتأسيس الجيش العراقي، نقول ونشدد بأن ما تتعرض له الأمة من عدوان خارجي وتخريب داخلي لا يُواجَه إلا عبر دور عربي تحكمه ضوابط المشروع السياسي ذي المضامين الوحدوية وفيه دعوة إلى مصر، مصر العروبة، مصر عبد الناصر وعرابي، أن تعود وتبادر لتلعب دورها كرافعة للعمل العربي المشترك وأن تخرج عن انكفائيتها، ان تخرج إلى سوريا والى العراق، والى اليمن وليبيا، وبشكل خاص إلى فلسطين، لكن ليس بمنظور العلاقات الأمنية وبوابات العبور، بل من البوابة النضالية التي حدد معالمها القائد عبد الناصر وحتى تشعر جماهير فلسطين المنتفضة، بأن جماهير مصر كما جماهير العراق وسوريا ولبنان وكل أقطار الوطن العربي هي حضن دافئ لفلسطين وقضيتها. وكما كان يقول الشهيد صدام حسين، أن فلسطين بحاجة للحضن القومي الدافئ أكثر من حاجتها للمال والسلاح.
في هذه المناسبة التي تتعدد عناوينها، نوجه التحية لشهيد الحج الأكبر شهيد العراق شهيد الأمة شهيد البعث والمقاومة، القائد صدام حسين، والى كل الشهداء الذين سقطوا وهم يواجهون الاحتلال الأميركي والتغول الإيراني وقوى التكفير والترهيب الديني والمذهبي، كما نوجه التحية إلى الرفيق المناضل القائد عزة إبراهيم الأمين العام للحزب والقائد الأعلى لجبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني والى شعب العراق العظيم الذي انتفض ضد الاحتلال وهو ينتفض ضد إفرازاته ومنظومة الفساد المتسلطة على حياته.
نوجه التحية إلى ثورة فلسطين ومقاوميها وشهدائها وبالأخص القائد الشهيد أبو عمار.
نوجه التحية إلى شهداء ملحمة الطيبة وكل الشهداء الذين سقطوا على درب مقاومة الاحتلال الصهيوني، وتحية للجيش العراقي البطل في ذكرى تأسيسه، وتحية لكل شهداء الأمة وكل من يقاوم الاحتلال والتجزئة والتخلف، وعلى العهد باقون واياكم لتحقيق أهداف امتنا في الوحدة والحرية والاشتراكية.
د. عبد المجيد الرافعي، نائب الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي
رئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي
بيروت في 6/1/2016