صدام حسين استشهد… مسكوناً بفلسطين وقضيتها
افتتاحية طليعة لبنان الواحد لشهر كانون الاول 2015
تسع سنوات مرت على استشهاد قائد العراق، وأمين عام حزب البعث العربي الاشتراكي، وأربع سنوات مرت على اندحار قوات الاحتلال الأميركي. وبالرجوع إلى التاريخ الأبعد، تاريخ انطلاق الثورة الفلسطينية يسجل التأريخ الزمني واحد وستون عاماً على إطلاق الرصاصة الأولى والتي اعتبرت تأسيسياً لتحديد ميلاد الثورة الفلسطينية المسلحة.
هذه المحطات الثلاث يتم التوقف عندها في كل عام بالنظر إلى الدلالات التي تنطوي عليها في سياق الصراع المفتوح مع أعداء الأمة العربية المتعددي المشارب والمواقع.
ففي الدلالات لاستشهاد قائد العراق صدام حسين، أن استهدافه بكل الرمزية النضالية والسياسية التي تنطوي عليها شخصيته، يندرج ضمن الاستهداف العام للعراق، مكوناً وطنياً، وقاعدة ارتكازية للأمن القومي العربي، ورافعة للنضال العربي في مواجهة قوى التخريب الداخلي وقوى العدوان الخارجي الدولي منها والإقليمي.
وصدام حسين تلك الشخصية التي تميزت بكل المواصفات القيادية على مستوى السلوك الشخصي والأداء النضالي وإدارة شؤون البلاد، ما كان ليتبوأ هذا الموقع المتميز في الذات الوطنية العراقية، والذات القومية العربية، لو لم تكن شخصيته، تختزن في ذاتها الحقيقة الوطنية العراقية المشبعة بالمنظومة القيمية التي ينطوي عليها شعب العراق المشدود دائماً إلى تاريخه الوطني والذي لم يكن في يوم من الأيام منفصلاً عن تاريخ الأمة التي ينتمي إليها وكان لها شرف الريادة والقيادة يوم كانت تعيش عصرها الذهبي وبغدادها قبلة العالم الفكرية والسياسية والاقتصادية.
وصدام حسين تلك الشخيصة التي تميزت بكل مواصفات القيادة الجاذبة، لم يكن ليحتل موقعاً مميزاً في نفوس جماهير العراق وجماهير الأمة لو لم يكن خرَّيج مدرسة نضالية، تفتح وعيه السياسي على مبادئها وأهدافها وعشقها عشق الحبيب المتيم.
هذه المدرسة النضالية التي بلورت الشخصية النضالية للقائد البعثي صدام حسين، لم يكن في صفوفها متلقياً لإرثها الفكري والسياسي وحسب، بل ساهم من خلال مسيرته النضالية في أغناء هذه المدرسة بالإبداع الفكري والتنظير السياسي والممارسة النضالية في كل مفردات الحياة.
إن صدام حسين، كان قوياً بقوة الحزب الذي ينتمي إليه، وكان قوياً بقوة الشعب الذي لم يبخل يوماً بتضحية دفاعاً عن أرضه وسيادته وحريته وعروبته، ولو لم يكن حزب صدام حسين على درجة من القوة ليس بمعناها المادي وحسب ولكن أيضاً بمعناها المعنوي، ولو لم يكن الشعب في العراق كريم حتى الشهادة في عطاءاته لما استمرت المسيرة النضالية التي كان للقائد الشهيد دوراً بارزاً في رسم معالمها وتحديد اتجاهاتها وأهدافها. وهذا ما جعل الثورة في العراق تنطلق بعد الاحتلال مقاومة، وتستمر بعد الاستشهاد بنفس الزخم والفعالية وحيث أثمرت نتاجاً وطنياً وقومياً تجلى بدحر الاحتلال الأميركي وكل مع عمل تحت مظلته. وأن يكون يوم استشهاده يوم انتصار المقاومة ففيه وفاء للشهيد وإدراك حقيقة الطينة المجبولة فيها شخصية المناضلين الذين تصدروا صفوف المقاومة وقادوها إلى حيث استطاعت ـن تهزم أعتى قوة عسكرية في العالم وتجعلها تنسحب تحت جنح الظلام وأين منها الصخب الإعلامي الذي أطلت من خلاله يوم غزت القوات المعادية العراق.
لقد انتصرت المقاومة الوطنية العراقية في ثورتها التحررية ضد الاحتلال الأميركي ومن لف لفه. وهذا الانتصار ما كان ليتحقق لو لم تتوفر الأداة النضالية للفعل المقاوم ولو لم تتوفر الحاضنة الشعبية. وإذ تحل الذكرى التاسعة للاستشهاد، فإنما تحل معها الذكرى الرابعة لانتصار المقاومة.
هذا الانتصار الذي تحقق عبر تقديم تضحيات جسيمة وهي غالية جداً، تهون عندما تكون دفاعاً عن قضية وطنية سامية وقضية قومية أسمى.
والقضية الوطنية إذا كانت تتلخص بعناوين المسألة الوطنية العراقية في استعادة العراق لحريته الوطنية وحرية شعبه في تحديد خياراته السياسية وحقه في العيش الكريم وتمتعه بثروات بلاده، فإن القضية القومية تتلخص بعناوين الوحدة العربية وبناء المجتمع العربي الاشتراكي الديموقراطي وتحريره من الاستلاب الاجتماعي والقومي، وتحت عنوان الاستلاب القومي تحتل قضية اغتصاب فلسطين موقعاً مركزياً في مسار النضال العربي.
ففلسطين التي اغتصبت أرضها وأقيم كيان غاصب فيها لثمانية وستين سنة خلت، تحل هذه الأيام الذكرى الواحدة والستين لانطلاق ثورتها. هذه الثورة التي عبرت مساراً طويلاً وكانت لها اخفاقاتها وإنجازاتها، لم تخبت جذوتها النضالية المتأججة في نفوس جماهير فلسطين. وفي كل مرة يظن العدو وكل المتواطئين والمتآمرين والداعمين للكيان الصهيوني، بأن ثورة فلسطين قد طويت صفحتها، تأتي المفاجأة من جماهير فلسطين بفتح صفحة جديدة، ترسم عليها لوحة نضالية تقرأوها الأجيال بوضوح ودون تعقيدات، لأن من يرسمها هو الجمع الفلسطيني بشيوخه وشبابه وأطفاله ونسائه وفتيانه. وأن تتوالى الانتفاضات في الأرض المحتلة وفي كل مرة بأدوات نضالية تبتكرها عقلية الإبداع الشعبي، فهذا دليل حسي، بأن القضية التي يختزنها الشعب في وجدانه ولا يرى ذاته متحققة إلا من خلال الذات الوطنية، إنما هي قضية حية تستمد عناصر قوتها من ذاتها. وهذه الجماهير عندما ترى أن قائداً عربياً من مستوى صدام حسين و في أقسى اللحظات حراجة في الحياة الإنسانية لا ينسى فلسطين، ويرتقي بإيمانه بفلسطين إلى مستوى الإيمان الرسالي، فلا عجب أن ترتقي جماهير فلسطين في انتفاضتها إلى تجاوز الذات لأجل القضية. فجماهير فلسطين هي المرآة التي تنعكس فيها حقيقة الصورة الشعبية العربية، والتي لم تمنح حباً لقائد عربي كما منحته لصدام حسين. ومن يعرف حقيقة موقف الشعب العربي من صدام حسين وما يمثل، عليه أن يقرأ في صفحة الكتاب الفلسطيني. وبهذه القراءة تتحدد اتجاهات الموقف الأصيل من قضية فلسطين. فالفرق واسع بين أن تكون مع فلسطين باعتبارها قضيتك حتى ولم تكن كذلك بانتماء الهوية الوطنية وهذا حال العرب وبين أن ترفع شعاراً فلسطينياً لأغراض الكسب السياسي الرخيص واستغلال موقع القضية في الوجدان الشعبي العربي، لاختراق البنية المجتمعية العربية، والعمل بها تخريباً وتفتيتاً.
ان الحريص على تحرير فلسطين، لا يعمل على أضعاف الموقع العربي ومن يريد تحرير فلسطين، لا يستثير الغرائزية الطائفية والمذهبية على حساب الوحدة الوطنية، لأن فلسطين لا تحرر بمشروع طائفي، ولا تحرر بغير فعل قومي عربي، كون الصراع العربي – الصهيوني هو صراع قومي بامتياز،ولهذا قال القائد المؤسس للبعث، أن الوحدة العربية هي طريق فلسطين وفلسطين طريق الوحدة وبقدر ما يتوحد العرب بقدر ما يقتربون من تحرير فلسطين. وعليه فإن من يعمل على تقسيم المقسم في الوطن العربي لا يمكن أن يكون مع تحرير فلسطين ومن يعمل ليقسم العراق نموذجاً لن يكون مع تحرير فلسطين لا بل أكثر من ذلك فإن هؤلاء بفعلهم إنما يشكلون رديفاً موضوعياً للعدو المغتصب لفلسطين.
من هنا، فإن العراق عندما استهدف بالاحتلال الأميركي أولاً، وبالاحتلال الإيراني ثانياً، لم يكن مستهدفاً لذاته، بل استهدف لكونه أصبح قاعدة ارتكازية للأمن القومي العربي في ضوء النتائج التي أفرزتها القادسية الثانية واشتد التركيز والعدوان عليه، لأن القضية الفلسطينية كانت القضية التي لم يُدخلها يوماً في حسابات المساومات السياسية.
إن تتقاطع المناسبات الثلاث في محطة زمانية واحدة، فإن تقاطعها ما كان ليحصل لو لم تكن واحدة في جوهرها، و صدام حسين إذ سقط شهيداً فلأنه حمل عبء القضية العراقية وحضن القضية الفلسطينية وجعل من العراق حضناً دافئاً لها. ولهذا فإن انتصار ثورة العراق المقاومة هي دحر لأميركا الحاضنة للكيان الصهيوني. وثورة فلسطين المتجددة شخصيتها النضالية عبر انتفاضتها فيها إعادة التأكيد بأن فلسطين لن تموت قضيتها، طالما وجد في هذه الأمة مناضلون من أمثال صدام حسين ورفاقه وطالما بقيت هذه الأمة تفرز ظواهر نضالية ثورية وأنموذجها ثورة العراق والمقاومة، وطالما بقيت روح الانتفاضة والثورة تختلج في ذات الشخصية الوطنية الفلسطينية.
ذكرى الاستشهاد ودحر الاحتلال وانطلاقة الثورة، مناسبات تنطوي على رسالة توجه لكل من يريد العبث بالأمن القومي للأمة والأمن المجتمعي لجماهيرها، مفادها بأن من استمرت مقاومته بعد استشهاد قائدها، ومن استمرت مقاومته لمن حل بديلاً محتلاً عن الأميركي، ومن استمر منتفضاً في الأرض المحتلة متجاوزاً إطارات العمل المؤسساتي السلطوي والإداري، لن يمّكن القوى المعادية من دولية وإقليمية من تمرير مشاريعها ضد العراق وفلسطين وأي قطر عري يتعرض لعدوانية خارجية.
فالعراق الذي هزم المحتل الأميركي سيهزم المحتل الآخر، إيرانياً كان أم غير ذلك ومعه كل من يمارس الترهيب الديني والسياسي، وجماهير فلسطين ستهزم الاحتلال، لأن الصراع سيبقى مفتوحاً إلى أن تنتصر إرادة الأمة وتصبح سيدة نفسها في تقرير مصيرها.