الدكتور غالب الفريجات
لن نكسب وحدتنا الوطنية في ظل غياب العدل واشاعة الظلم في حق المواطنين، ولا في ازدياد مساحات الفقر والجوع في صفوف الأسر، ولا في ازدياد نسبة البطالة وعدم قدرة الشباب في الحصول على فرصة عمل، وزيادة نسبة الفساد في أجهزة الدولة، وتغول السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، فالقضاء الذي يلجأ إليه المواطنون بات قضاءاً يحكم عن طريق تعليمات الأجهزة الأمنية، خاصة تلك القضايا التي تخص حق المواطنين ضد الاجراءات الحكومية، فالوزير قراراته محصنة، ولا يحكم القضاء ضد اجراءات تعسفية لوزير، يستخدم صلاحياته بعقلية مزاجية ضد المواطنين، وخاصة الذين يتفوقون عليه في العلم والثقافة والوعي.
الظلم عاقبته وخيمة، وكثيراً ما تدفع المظلوم إلى اللجوء لاستخدام وسائل وطرق مرفوضة لا يقبلها عقل ولا دين، ولكنه الظلم الذي يعمي البصر والبصيرة، فتدفع بصاحبه أن يكون ديدنه الإنتقام ليس من الظالم فحسب، بل قد يتجاوز هذا الظالم إلى المجتمع ككل، لأنه يصل إلى حالة اللاوعي واللاعقل في التعامل مع القضايا التي تخصه، بسبب الظلم الذي وقع عليه ليبرر فعلته يكون شعاره عليّ وعلى أعدائي.
دعونا نشخص الحالات التي يقع فيها المواطن، وتدفعه لارتكاب الجريمة، ويقدم على فعل يهز المجتمع، فضروري جداً أن تكون هناك أسباب وراء صنيعته هذه، وهناك مبررات أقنع بها نفسه ليقوم بفعلته الاجرامية، فمن غير المعقول أن يقوم إنسان بجريمة تهز المجتمع، وقد كان صاحبها مشهود له بالسوية العقلية، فليس كل جريمة صاحبها مصاب بلوثة عقلية، خاصة إذا مرت حياة هذا المواطن في اختبارات عديدة، أكدت سويته العقلية ومستوى أخلاقه وسلوكه.
ابحثوا عن الظلم والفساد وراء الأفعال الإجرامية، فالظلم دافع قوي لارتكاب الجريمة، ومؤسساتنا فيها من الظلم الكثير، فكيف لا والقضاء الذي يلجأ إليه المواطنون ضد ما يقع عليهم من ظلم يمارس دوراً لا أخلاقياً، والسلطة التنفيذية تتغول ليس على السلطتين فحسب، بل وعلى المواطنين وحقوقهم المشروعة.
المواطن الذي يشعر بفقدان حقوقه في وطنه لن يكون في خندق الوحدة الوطنية، فالوحدة الوطنية هي في شعور جميع المواطنين أن لهم دور فاعل في الوطن من خلال الفرص المتاحة لهم في البذل والعطاء، وعدم اقصائهم وحرمانهم من حقوقهم المشروعة، فالوطن ليس بقرة حلوب لنفر محدود من الأفراد، لابل هو لجميع المواطنين بالتساوي، والمواطن ليس لدفع الضريبة وتحمل المغارم، بل له الحق في المغانم أيضاً ككل المواطنين المنتفعين.
لا يمكن تماسك الجبهة الوطنية مع غياب العدل واشاعة الظلم والفساد، فهذه مصادر تدفع بعدم الاكتراث بكل الجمل الإنشائية من خطب اعلامية رنانة ومواعظ دينية في المساجد والكنائس، فاالقول لابد وأن يكون مرافقاً للعمل، أما قول يفترق عن العمل لابل يضرب به عرض الحائط، فيزيد من حقنة الاحباط لدى المظلومين، وكذلك تجنيد جيوش من المرتزقة الذين يدافعون عن كل فعل غير أخلاقي سواء في السياسة أو الاقتصاد أو في ممارسات الأجهزة وأحكام القضاء، فهذا امر لايخدم وطناً، ولا يتمكن أن يغطي الشمس بغربال، وفرسانه من جيوش المعتوهين الذين يظنون واهمين أن الناس في مرحلة الطفولة يسهل خداعها.
ابحثوا عن مصادر الفساد والظلم وجففوا هذا المصادر، فالعدل هو أساس الحكم، والأجهزة التي ترعى الفساد يجب تصفيتها وردعها بقوة، لأنها عدو للوطن والمواطنين، حتى النظام السياسي الذي تدعي أنها تدافع عنه هي وبال عليه، وكثيرة هي الأنظمة السياسية التي يكون مرتزقتها سبباً في عزلة الحاكم عن المحكومين، وعند اكتشافها يكون قد فات الأوان، ولا ينفع قول زين العابدين "الآن عرفتكم " فأين كنت منذ أربعين عاماً.
لن تكون هناك وحدة وطنية في ظل غياب الحاكم عن هموم المحكومين، وفي ظل ممارسة الأجهزة بما يحلو لها في حق المواطنين، فلترفع الأجهزة أيديها عن رقاب الناس، فقطع الأرزاق أشد قسوة من قطع الأعناق، والأجهزة والسلطة التنفيذية ومعها القضاء الفاسد ضروري تجفيفها من الفساد أولاً، ثم بناء سلطة وأجهزة وقضاء في خدمة الوطن والمواطنين ثانياً، إلى جانب تربية حقيقية تغرس قيم في نفوس الأطفال على مقاعد الدراسة أفضل من تعليم القراءة والكتابة نفسها.
عند ما تكون خياراتنا مبنية على مصلحة الوطن نملك الوحدة الوطنية، ولا تستطيع أية جهة في الدنيا من اختراق جبهتنا الداخلية، لأن شيوع العدل وعدم التغول على حقوق المواطن من قبل السلطة التنفيذية والأجهزة، مع قضاء عادل وتربية موسومة بالقيم تعمل على تجفيف كل منابع ما يمس الوطن والمواطن، يتحقق بناء الوحدة الوطنية، فلا يجوز التغني بالوحدة الوطنية، وسيوف الظلم مصلتة على رقاب المواطنين، فقد تساقطت دول بسبب الظلم، وإنهارت امبراطوريات بسبب الفساد، وغابت عن دنيا السياسة حكام وحكومات بسبب الفجوة فيما بينها وبين المواطنين، فهل نملك القدرة على أن نتعلم الدروس؟، أم أننا سادرون في غينا، ونستمر في أن نغط رؤوسنا في الرمال، والوحدة الوطنية ليست شعارات نرفعها ونتغنى بها، فهي سلوك يمارس على أرض الواقع، يلمسه كل مواطن على أرض الوطن.