الدكتور غالب الفريجات
هم أبناء فلسطين وحدهم لا غيرهم ، الذين عودونا على تجاوزكل الصعاب ، وتحدوا كل العقبات ، وواجهوا كل الملمات ، فلم يهدأ لهم بال منذ فكرت بريطانيا بإعطاء اليهود فلسطين كوطن قومي لهم ، فواجهوا العدوان بصدورهم ، ومع قيام دولة الكيان الصهيوني ، وما يلاقي هذا الكيان من دعم ومساندة من قبل كل أعداء الحق والحرية في هذا العالم إلا أن نضالاتهم ما فترت ، وتضحياتهم ما توقفت ، فصمدوا في وجه الرياح العاتية التي أرادت أن تقتلع جذورهم ، ومع التشريد ما نسوا وطناً تم اغتصابه في وضح النهار ، فكانت ثوراتهم التي عمت كل اراضي فلسطين .
وبعد النكبة جاءت النكسة ، فاطبق اليهود على كامل فلسطين ، وتعلم الفلسطينيون أن البقاء في الأرض والتجذر فيها عنوان المقاومة ، لأن الكيان الصهيوني يريد أرضاً بلا شعب ، فكانت جرائمه في النكبة من قتل وتشريد وتدمير ، ومسح لكل ما يمت إلى الحياة الفلسطينية ، وغاب عن ذهنه أن فلسطين تعيش في سويداء قلب كل عربي وطني شريف ، فهي قضية أمة وما الفلسطينيون إلا رأس رمح لتحرير فلسطين ، ومازالوا يمارسون دورهم بكل تضحية واباء وشرف ، رغم كل المؤامرات من العملاء والخونة والساسة العرب المجرمين .
وبعد أن جاءت اوسلو وفرسانها ، وما تركته من جرح عميق في النضال الوطني الفلسطيني ، فقد شرعنت الحق لليهود في الوجود وهم المغتصبون ، وكسرت البندقية المناضلة والمقاومة ، لتلهث وراء الحلول الاستسلامية دون وعي لمكر اليهود والحركة الصهيونية ، وهاهي تراوح مكانها على طاولة المفاوضات منذ ما يقرب من ربع قرن ، فاذا كان وعد بلفور أعطى حق من يملك لمن لا يملك ، فقد جاءت أوسلو لتعطي الحق من صاحب الحق لمن لا يملك ، فكانت جريمة أوسلو وفرسانها ، ولا يتشدقن أحد من فرسان أوسلو على أحد من العرب ، لأن جريمتهم أكبر بكثير مما يقترفه العملاء والخونة في النظام العربي الرسمي .
ومع ظروف الحياة القاسية والصعبة التي تحيط بالفلسطينيين من سلطة اوسلو التي تنفذ تعليمات سلطة الاحتلال ، وقهر الاحتلال ومحاصرته ونهبه الأرض واستغلاله ، إلا أن أبناء فلسطين الذين علموا الدنيا المقاومة والصمود في أحلك الظروف ، فقد كانوا أبطال انتفاضة الحجارة الأولى والثانية ، وقد تجاوزوا كل القيادات باستثناء القلة القليلة منهم كالشهيد أبوجهاد الذي كان مهندس الإنتفاضة الأولى ، ولكن أين كل هؤلاء وأولئك من عقلية أبو جهاد النضالية ، وهاهم اليوم رغم سلطة أوسلو التي تصر على عدم المواجهة ، فقد إنطلق شباب وشابات فلسطين لمواجهة الصهاينة بالسكين في مواجهة البندقية الصهيونية ، ليقدموا الشهيد تلوى الشهيد ، فالفلسطينيون يموتون على أرضهم شهداء حتى وإن لم يقاتلوا ، فالصمود في الأرض والتخندق فيها هو الجهاد بعينه ، فالعدو يريد فلسطين أرضاً بلا شعب ، ليحقق طموحاته ، وينجز أهدافه في أن فلسطين أرض بلا شعب لتعطى لشعب بلا أرض .
شعب فلسطين يعلن اليوم وعلى الملأ أن فلسطين مازالت عربية ، وأن شعبها لم يستسلم ، فللقيادات السياسية حساباتها وله حساباته ، وهيهات بين الحسابتين ، وهاهم الأطفال يقودون المواجهة في الحجر والمقلاع والسكين في مواجهة جيش مدجج بالسلاح ، ليؤكدوا ما ضاع حق وراءه مطالب ، وأن ما فرط به على طاولة مفاوضات أوسلو لايعنيهم .
تجاوز هؤلاء الفتية كل العقبات والمصاعب والقيادات ، وآمنوا بالله وبالوطن المقدس وبأمتهم ، رغم ما تعاني من تكالب امبريالي صهيوني فارسي تنهش في جسدها من كل جانب ، ولكن خاب أملهم ، وما علموا أن تاريخ هذه الأمة يؤكد أن فلسطين قد تعرضت للعديد من المؤامرات ، ولكنها في النهاية عادت عربية الوجه واليد واللسان ، فسيقيض الله لهذه الأمة من يلم شملها ، ويوحد ارادتها ، وتتمكن من إعادة كرامتها المهدورة ، وحقها الضائع في كل مكان ، وفي المقدمة من هذا الحق فلسطين المغتصبة ، فحيا الله أطفالها ونساءها وشيوخها ، وكل من هو صامد على أرضها ، فقد حباها الله بقدسيته عندما صعد نبي هذه الأمة منها إلى السموات السبع ليلاقي ربه بعد أن صلى فيها بكل أنبياء الله .