د. محمد صالح الهرماسي
في ذكرى حرب تشرين التحريرية التي كانت دليلا قاطعا على أن العرب قادرون على الحاق الهزيمة بأعدائهم، وتحقيق أهدافهم الوطنية والقومية إذا خلصت نواياهم، وتوافرت إرادتهم السياسية، وتراصت صفوفهم، في هذه الذكرى يظهر، للأسف، أن العرب هم اليوم أبعد ما يكونون عن هذه الشروط التي كادت أن تقودهم يوم 1973.10.6 إلى الانتصار على العدو الصهيوني وتحرير الأراضي العربية المغتصبة وفي مقدمتها فلسطين، لولا خيانة الرئيس المصري آنذاك أنور السادات الذي أجهض الانتصار التشريني، وذهب إلى توقيع اتفاقية كامب دافيد الاستسلامية التي دشنت انهيار قضيّة فلسطين خصوصا، والقضية العربية بشكل عام.
اليوم وبعد 42 عاما من قيام الحرب المجيدة التي كان هدفها فلسطين، تتعرّض القدس بل الضفة بكاملها لهجمة صهيونية وحشية تُستخدم فيها كل أنواع جرائم الحرب الذي اعتاد العدوّ على ارتكابها بحق الفلسطينيين، من قتل، وهدم، وحصار، واقتحام، وحرق وغيرها وذلك على خلفية وقوف المقدسيين في وجه تنفيذ الاحتلال مشروعه التهويدي في المسجد الأقصى، واستبسالهم في الدفاع عن هذا الأثر الإسلامي المقدس.
ومن الواضح ان كيان العدوّ يستغلّ حالة الانهيار العربي لاستكمال تنفيذ مشروعه الاستيطاني التهويدي في فلسطين، بعد أن نجح في اختراق الصف العربي، وإقامة تحالف مع الرجعية العربيّة معادٍ للمقاومة ومُوجّه لتصفية القضيّة الفلسطينية، والقضاء على كل نفس عروبي وطني في الأمّة.
ومن الواضح أيضاً أن قراءة العدوّ للوضع العربي الرسمي صحيحة، فالحكام العرب، يدور معظمهم اليوم، في فلكه وفلك أمريكا راعيته وحاميته، وينخرطون في تنفيذ أخطر مؤامرة امبريالية-صهيونية-رجعية على الأمّة، لكن قراءة الوضع العربي الشعبي لا تبدو كذلك، وما تباشير الانتفاضة الثالثة التي تلوح اليوم في سماء فلسطين، إلاّ برهان قاطع على أن الشعب العربي لم يفقد، رغم كل الأوضاع الشاذة التي فُرضت عليه، ايمانه بقضيته المركزية، وانه مستعد لبذل ما يجب من التضحيات في سبيل تحرير فلسطين واسترجاع الأقصى.
الانتفاضة المباركة الجديدة بدأت من الحجر الفلسطيني الذي أثبت أنه قادر على فعل المعجزات، ولن ينجو كيان العنصرية والإرهاب هذه المرّة، ولن يستطيع ايقاف ثورة فلسطين كما استطاع في الماضي.