اسماعيل أبو البندورة
لم يخرج حزب البعث العربي الاشتراكي من العراق يوما حتى يعود (كما تناولت ذلك بعض الكتابات عن عودة البعث للحكم في العراق)، وإنما هي الانبثاقات الجديدة والنوعية للبعث في مواجهة الإبادة والاجتثاث والتهميش، وهو الثبات التاريخي المبدأي على المرجعية القومية وعروبة العراق ووحدة وحرية الأمة، وهو النضال الملحمي المستأنف بوعي وأصالة وتضحية الذي يجدد حضور الحزب في العراق والوطن العربي وهو الأمر الذي لم يدرك جيدا في المجال السياسي والفكري العربي وتم تجاهله في الكثير من المواضع والتحليلات.
كان البعث ولا يزال مكونا فكريا وسياسيا وعقائديا أساسيا في الحياة السياسية العراقية، وكان نبتة فكرية – نضالية – نهضوية طاهرة نقية تم استنباتها في فترة تاريخية انعطافية لتكون شجرة من شجر الوعي والدفاع عن الحرية والوحدة والتقدم، وكان البعث بهذه المثابة تكوينا أصيلا داخل نسيج هذا الوطن الحضاري الشامخ وأحد سماته التي استأنف من خلالها حضاراته القديمة وواصلت الكتابة بنفس اليد التي قيل عنها اليد الأولى الكاتبة في تاريخ الحضارات التي سطرت وكتبت وأنشأت بدء الكتابة والحضارة.
ونقول الآن بالفم الملآن وبعد فوات أكثر من عقد على الغزو البربري الهمجي عام 2003 أن كل من لم يدرك هذه الحقيقة التاريخية – السياسية الفاقعة عن البعث والعراق وقع في سوء الفهم والضلال وفقر وقصور الادراك والتأويل، وجرّ عليه فساد التفسير والتأويل السطحي الفقير ويلات الوقوع في الخطيئة والخيانة بحق الوطن العراقي وويلات الانحسار والاندحار على الصعيد العملياتي، لا بل ان هذه الأغلوطات هي ما أبقى العراق في هذا الدمار المزمن وأدخله في ضلالات الملالي وخزعبلاتهم وأخرجه من دائرة العلم والتحضر وأبقى له اللطم والتحسر والتأخر والماضوية المقيتة.
كان بريمر وزمرته الطائفية من عملاء ايران يدركون بعضا من هذه الحقيقة ويتجنبون الحديث عنها بشكل مباشر، وكانوا يعرفون أن اقتلاع البعث من تربة العراق هو من أعمال المستحيل ولكنهم استكبروا واستمهلوا الوقائع الميدانية لكي تنتج لهم حقائق مغايرة تؤكد أوهامهم، وكان أن بهت الذي كفر وخاب فألهم، فإذا بالحزب يعيد بناء حضوره ومؤسساته وأطروحاته الجديدة وينتج وقائعة الفاقعة في المقاومة النوعية الباسلة وينازلهم في الميدان على الصعيدين العسكري والسياسي ويحبط مساعيهم في تثبيت الاحتلال والخراب والطائفية والدمار.
وحاولوا (أتباع أمريكا وايران) في سلسلة محاولاتهم استمالة بعض المتساقطين لمخاطبة واستقطاب وإختلاق بعث موهوم من أجل بناء حالة نقيضة ومزيفة للبعث في عمليتهم السياسية الخائبة، لكن البعث استطاع أن يطوق ويحبط الكثير من مثل هذه المحاولات سواء في زمن بريمر وهذاءاته أو في زمن المالكي وزمرته العميلة ومؤامراته، وبقي في سياقاته ومساراته الأصيلة، وبقيت قيادته جبلا لا يتأثر بأية رياح وبقي برنامجه النضالي عنوانا بارزا في حياة العراق واستحق هذا البرنامج التفاف جميع القوى الوطنية العراقية حوله وتحول بهذه المثابة الى المشروع الوطني العراقي البديل الواقعي والمنتصر.
وعليه فإن البعث الذي يتحدثون عن عودته لا يزال يتجذر في أرض العراق وتتجدد حيويته وتتعمق مفاهيمه ويتعمم برنامجه، ولا يزال يتولد في العقل الوطني العراقي، ولا يزال في الميدان ضميرا لهذا العراق العربي الشامخ وعنوانا من عناوينه الرئيسة وإذا شبه لبريمر أو من سار على خطاه بأن هذا البعث قد خرج ولم يعد فإن علية أن يرى حضور البعث الدائم والفاعل والمستمر في العراق وعليه أن يعيد قراءة هذه السيرة- الأمثولة الوطنية المكللة بالفخار والتضحية لكي يتوقف ويحجم عن الوهم والهذيان، والبعث في العراق لمن لا يعرف مثل هذا النخيل ومثل الرافدين درّار وخصيب ومثل الشهيد المجيد راية شامخة في الذرى..