بسم الله الرحمن الرحيم
حزب البعث العربي الاشتراكي
قيادة قطر السودان
قرأة في قرار مجلس السِّلم والأمن الأفريقي رقم 456
الخاص بتمكين الآلية الافريقية من إدارة الحوار بخصوص أزمة الحكم و السلام في السودان
منذ إعلان رئيس النظام الحاكم، في خطابه في يناير 2014، بعزمه في إقامة "حوار وطني" مع القوى السياسية و العسكرية المعارضة، وفق مؤشرات خطابه الذي أطلق عليه الاعلام الرسمي "نداء ألوثبة ظل حزب البعث العربي الاشتراكي، ينادي بضرورة تفعيل الحالة النضالية لشعبنا، و عدم الالتفات لنداء الحكومة الساعية لإيجاد وسائل لتمديد حالة الطغيان لأطول مدة زمنية، لصالح هيمنة القوى الرأسمالية الطفيلية، و لإفقار جماهير شعبنا الكادحة.
و لم تخذل سياسات الهيمنة و الطاغوت تحليلات حزب البعث، بل برهنتها و أكدت صواب نتائجها من خلال السياسات اللاحقة التي انتهجتها بغرض فرض هيمنة رأس النظام على كل مفاصل السلطات. إلا إن حالة من الارتباك قد اعترت حركة النضال الوطني، و ظهرت العديد من الاصوات التبريرية من بعض قوى المعارضة، و تمكن النظام الديكتاتوري في ظل ذلك من اتخاذ العديد من السياسات الاقصائية، دونما اي فعل نضالي من قوى المعارضة يتطافأ معها ليكبح النزوع السلطوي التسلطي و الذي ظل على الدوام ينفي الرغبة السياسية لدى النظام في تأسيس مخرج سلمي لأزمة الديكتاتورية القائمة. و لما كانت تحليلات حزب البعث قائمة على اساس منطقي وواقعي، و مستندة ايضاً على تحليل الحزب لبنية النظام الديكتاتوري، و برنامجه و أهدافه المعلنة، فإنه يتقدم برؤيته بخصوص القرار 456 الصادر من مجلس السلم و الامن الافريقي، و الذي يؤسس إطاراً قانونياً و سياسياً لآليات الحوار بين السلطة و القوي السياسية و العسكرية المعارضة، و يقدم رؤيته تلك حتى تكون هادياً لأعضائه، و جماهيره و شركائه السياسيين، و حتى تفك الالتباس الذي قد أصاب رؤية العديد من الكتاب و الصحفيين و قادة الرأي و السياسيين. و يتقدم الحزب بهذه الرؤية التحليلية ضمن إطار حملته الداعية لفضح مخططات النظام الديكتاتوري، و ضمن اطار تصعيد النضال الشعبي من أجل إسقاط البدائل المتعجلة و الزائفة، و من أجل ضمان وحدة البلاد و مستقبلها.
قرار مجلس السِّلم والأمن الأفريقي رقم 456 :
1. هُو البيان الصَّادر عن اجتماع مجلس السلم و الأمن الإفريقي رقم 456، بتاريخ 12 سبتمبر 2014، وهو القرار الذي حظي بمناقشات من زوايا متباينة، فمنهم من عارضه بشدة، و منهم من أنساق خلفه، و عملوا على دعمه، و ذلك مثل ما صدر عن مقرَّرات لقاء قُوى "نداء السُّودان" في برلين في 27 فبراير 2015.
2. اعتمد البيان عدداً من الخُطُوات لتُمكِّن الآليَّة الأفريقيَّة رفيع لمُستوى، بقيادة الرئيس ثابو امبيكي، بغرض تمكين الآلية الافريقية من إدارة ملف أزمة الحكم و السلام في السودان مع ضمان وضع كل ملفات الأزمة السودانية تحت تصرف الآلية رفيعة المستوى.
3. و يهتم هذا القرار، بشكل أساسي، في تحديد آلية تفاوض بين الفرقاء السودانيين، للتفاوض حول وقف العَدَائِيَّات، مِمَّا يُفضِي مُباشرة إلى ترتيباتٍ أمنيَّة شاملة، بين النظام الحاكم والحركة الشعبيَّة- قطاع الشمال، والحركات الدارفُورِيَّة المُسلَّحة، على أن تتمَّ بدمج المسارين، دارفور والمنطقتين، في عمليَّة واحدة تحت قيادة ثامبو أمبيكي.
4. يستند المجلس في إطلاقه هذا القرار، على ما أسماه (رغبة السودانيين)، بالإشارة إلى حديث رئيس الجمهورية الذي دعا الى الحوار الوطني من خلال خطابه الشهير (نداء الوثبة)، بالإضافة إلى بعض النداءات المتكررة لبناء حوار مع النظام الحاكم، بدلاً عن إسقاطه، و هي نداءات كانت قد صدرت من قِبَل بعض القوى المعارضة. و بالتالي يعمل القرار وفق فرضية مفادها أن قرار رئيس الجمهورية يُحظي بقبول و رضا وسط المعارضين السياسيين في الخرطوم (لذا إستخدم عبارة رغبة السودانيين)، و بالتالي يريد أن يُدمج الحركات الدرافورية المسلح و الجبهة الثورية في ذلك الحوار الوطني.
5. تم تصميم قرار 456 ليكون تلبية لنداء البشير في نداء الوثبة، و حرص بأن تكون لغته مستساغة من قبل النظام الحاكم و إستلزم القيام بإجراءات تمهيدية، متمثلة في عقد إجتماع تحضيري لأصحاب المصلحة في مقر الاتحاد الافريقي، و وقف الحرب في دارفور و المنطقتين (بعض الاطراف تستخدم عبارة وقف الاعمال العدائية).
6. من القراءات السياسية و رصد تحركات السيد ثامبو أمبيكي، يبدو ان مشروع الحوار الوطني (نداء الوثبة) الذي كان قد طرحه رئيس الجمهورية في يناير 2014 اتاح له الفرصة لكي يحقق طموحه بالسيطرة على الملف السوداني بكامله في اطار مفهوم(المعالجة الشاملة) للازمة في السودان بدلاً من تجزئة القضايا.
7. إن معالجة قضايا السودان بشكل شامل، و غير مجتزأ، ظل على الدوام جنداً حاضراً لا سيما لدى إجتماعات المعارضة السودانية، و تصاعد هذا المطلب بعد توقيع إتفاق نيفاشا، الذي بالفعل يعد إنتكاسة في مسار النضال الوطني السوداني من أجل الوحدة الوطنية و الديمقراطية و النمو، و ظل المطلب حاضراً بكثافة، عندما أصرت القوى الدولية و النظام الحاكم، على عزل ملف الحرب في دارفور من سياقه الوطني و جعله منفصلاً عن قضايا الحكم و الديمقراطية و حقوق الانسان في السودان. هذا الإتجاه في جمع القضايا السودانية كافة، و العمل من أجل مستقبل السودان، لم يجد مساندة لا من الاتحاد الافريقي ولا من الامم المتحدة او الاتحاد الاوروبي او الولايات المتحدة الأمريكية انذاك و آثروا الركون إلى الحلول الجزئية بقصد تحقيق أجندات مرحلية لتلك الدول و المؤسسات، و التي كانت لا ترغب في إجراء تغييرات جوهرات في بنية الحكم في السودان.
8. تحرك امبيكي اولا لتحييد ممثلي الامم المتحدة والاتحاد الافريقي الاخرين في السودان وذلك بخلق آلية مشتركة معهم للتحاور وبذلك تفادى مشكلة تعدد مراكز صنع القرار الاممي او الافريقي وأصبح التحرك متناغما تحت قيادته.
التدابير الإستباقية:
القرار طالب بضرورة القيام بعدد من التدابير الاستباقية اللازمة التي حددها القرار 456 . من بين تلك التدابير الواجبة ما يجب على النظام الحاكم القيام به، و كذلك ما يجب على المجتمع الدولي القيام به، و ذلك كما يلي:
أولاَ: على الحكومة تسريع جهودها نحو تنفيذ تدابير بناء الثقة:
و جهود تسريع بناء الثقة، تتطلب القيام بعدد من التدابير السياسية و القانونية و الامنية، و هي بحسب طبيعتها ليست جديدة، بقدر ما هي مطالب قديمة ظلت ترددها القوى السياسية المناضلة، كما ظلت على الدوام فصل ثابت في التقارير الدولية الخاصة بأوضاع حقوق الانسان في السودان، و ذلك كما يلي من تفصيل:
1. الإفراج عن جميع المعتقلين والسجناء السياسيين؛
2. اعتماد وتنفيذ جميع الخطوات اللازمة لضمان الحريات السياسية والضمان الكامل لحرية التعبير والنشر، بما في ذلك سن التشريعات اللازمة لإتاحة هذه الحريات.
3. ضمان أن القضاء سوف يكون المؤسسة الوحيدة للفصل في المسائل المتعلقة بممارسة حرية التعبير والنشر، دون اللجوء إلى إجراءات استثنائية.
4. وتوفير الضمانات اللازمة للجماعات المسلحة للمشاركة بحرية في الحوار الوطني، وذلك لدى إبرام اتفاقيات وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية الشاملة، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية لجميع السكان في المناطق المتأثرة بالحرب.
كذلك يحث القرار جميع أصحاب الشأن السودانيين (المشاركين في الحوار الوطني) على الامتناع عن خطاب الكراهية وعن شن الحملات الإعلامية السلبية ضد بعضهم. و هي خطوة قد تلاحظ لأحقا بأن بعض قوى المعارضة أخذت في تبنيها بصور متباينة، فعلى سبيل المثال، تصاعد موقف حزب الامة القومي من عدم المطالبة بإسقاط النظام وصولاً، لرفض الدعوة للقبض على الرئيس البشير و تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية.
بينما شجِّع القرار النظام الحاكم على تبني تدابير خاصة ببناء الثقة ، إلا أن القرار لم يحدد الإجراءات المقابلة في حالة عجز النظام عن الوفاء بهذا الشرط، و يكتسب هذا القول أهمية، حين ندرك بأن حكومة (المؤتمر الوطني) غير جدير بتنفيذ أي تعهدات متصلة ببناء الثقة، و بالتالي يُعيد السؤال نفسه، هل سيكون الحِوار قائماً، حتى و لو لم يفِ النظام الحاكم بشروط بناء الثقة؟ و هل من الممكن أن يتعرض المُشاركون في الحوار للاعتقال او المنع من السفر من قبل النظام الحاكم؟ . الإجابة على هذا السؤال ليست صعبة، فقد تفضل السيد أمبيكي للرد على هذا السؤال في خطاب وجهه إلى القيادات المُوقعة على وثيقة أديس أبابا المؤرخة في 4 ديسمبر 2014، ذكر في أحد فقراته: «إن قرار مجلس السِّلم والأمن الأفريقي، في 12 سبتمبر 2014، (يقصد القرار 456)، لم يستلزم أن تكون إجراءات بناء الثقة، المذكورة في الفقرة (15)، شروطاً مُسبَقة لعقد الحوار الوطني.
و كان رئيس الجمهورية، و عقب إطلاقه لنداء الوثبة في يناير 2014 الداعي للحوار الشفاف، و في اعقاب اللقاء التشاوري الذي دعا اليه رئيس الجمهورية للتفاكر حول مبادرة الحوار الوطني أعلن عن صدور قرارات تتعلق بإطلاق حرية النشاط السياسي لكل الاحزاب السياسية إضافة لضمان حرية الصحافة، وعقب اللقاء مباشرة أصدر رئيس الجمهورية الأمر الجمهوري رقم 158 لعام 2014، باسم تنظيم الأنشطة الحزبية. و بالطبع كان ذلك الاعلان ذو طابع إعلامي و دبلوماسي مقصود به من هم في المنظمات الدولية و المؤسسات المتصلة بمستقبل السودان، و لم يكن القصد منه فعلا إطلاق الحريات السياسية لتمهيد الواقع من أجل حوار شفاف، لذا تم اعتقال العديد القيادات السياسية المعارضة و من بينهم من أُعتقل و حُوكم بسبب الحوار في أديس أبابا.
و من السهل جداً، مُراقبة التزامنات بين خطوات ثامبو أمبيكي و قرار النظام الحاكم في اطلاق نداء الحوار الوطني و تبعاته. فمن الواضح أنها كانت خطوات تمهيدية ليتم الاعلان عن القرار 456 بالتنسيق مع حكومة الخرطوم و بعض القوى السياسية المعارضة الداعية للحوار بدلاً من إسقاط النظام الديكتاتوري. و قد تضمن القرار 456 بالفعل إشادة كبيرة بخطوة الرئيس في الاعلان عن الحوار الوطني و إطلاق الحريات.
ثانياً: على المجتمع الدولي العمل من أجل المساهمة بإيجابية نحو خلق الظروف المواتية لنجاح الحوار الوطني:
ويحث القرار 456 المجتمع الدولي، لا سيما المؤسسات التمويلية الدولية، و التي يدين لها السودان بمعظم ديونه الخارجية، وخاصة البنك الإفريقي للتنمية، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والشركاء الثنائيين، على النظر في بعض التدابير و الاجراءات دعماً لشعب السودان في مسعاه نحو السلام و الديمقراطية و التنمية ، و من أجل المساهمة بإيجابية نحو خلق الظروف المواتية لنجاح الحوار الوطني. و من بين تلك الاجراءات المطلوبة بصورة عاجلة:
1. تقديم حزمة دعم اقتصادي للسودان،
2. تسريع تخفيف عبء الديون،
3. تقديم قروض ميسرة،
4. ويناشد المجلس جميع الدول التي فرضت عقوبات على قطاع الخدمات المالية بأن ترفعها.
هذه تعتبر مجرد تمنيات من مجلس السلم و الامن الافريقي، فتلك المؤسسات المالية الدولية، ليست جزءاً من هياكل منظمة الوحدة الافريقية، و لا يملك المجلس أي صلة مباشرة تجعله أن يستسهل إطلاق مثل تلك الامنيات و التي تظهر كأنها (محفزات) للشعب السوداني للولوج في تدابير الحوار مع النظام الحاكم من أجل حل كافة المشكلات، بما فيها الديون الدولية. و هذا أمر في غاية الغرابة، أن يتضمن القرار شروط إستباقية لنجاح التفاوض من أجل السلام في السودان، و الطرف المعني بتنفيذ شروط نجاح ذلك التفاوض هو ليس جزءاً في عملية التفاوض، و لا ينتمي مؤسسياً للجهة المنظمة أو الراعية للتفاوض/ الحوار.
تحديد أجندة الحوار:
للذين لديهم علاقة بعمليات الحوار من أجل السلام، يُدركون بأن الوسيط الدولي هو من يقدم المقترحات، لا سيما تقديم الموضوعات و تأخير بعضها، بحسب ما تتطلبه الشروط السياسية القائمة، و تؤثر في ذلك تأثيرات عديدة، من بينها عناصر القوة و السيطرة السياسية على ارض الواقع عند الاطراف المشاركة في الحوار.
في حالة الحوار الذي يقوده السيد امبيكي بوصفة رئيس الالية الرفيعة، نرى بوضوح أن السيد أمبيكي يسبق اي اجتماع بجولة اجتماعات مع الاطراف المعنية، بما في ذلك دول الترويكا، و يكون الغرض من تلك الاجتماعات استشفاف وجهات نظر الاطراف، و خلال تلك الاجتماعات يفرض رؤيته بقوة لدى الطرف الضعيف، و يحث الطرف القوى ان يظهر بعض المرونة مقابل تنفيذ بعض شروطه، و هذه المرحلة يصح فيها إطلاق أسم مرحلة (المناورات الدبلوماسية) ، و خلالها يسعى الوسيط الى احداث الاختراق الذي يتطلع اليه. و في آخر تجربة له فشل تماماً في أقناع النظام الحاكم في الخرطوم في تأجيل الانتخابات الرئاسية بوصفها معيق لمتطلبات بناء الثقة.
إذا كانت تحديد أجندة الحوار، تخضع للعديد من التقديرات، كما أسلفنا، إلا أن القرار 456 عالج هذه المسالة بدبلوماسية عالية، إذ نص على أنه، (ينبغي أن يُعقد اجتماع للأطراف السودانية لمناقشة القضايا ذات الصلة بعملية الحوار ، من أجل تمهيد الطريق للحوار الوطني، وذلك في مقر الاتحاد الافريقي وبتيسير الآلية الافريقية رفيعة المستوى، بناء على طلب أصحاب الشأن السودانيين، لتأكيد أن إجراءات بناء الثقة الضرورية قد اتخذت، وأن الخطوات الأساسية لعملية الحوار الوطني مُتفق عليها تماماً، وأن العملية عادلة وسوف تنتج عنها أهداف متفق عليها تبادلياً).
ما يجب الالتفات إليه، هو أن مسيرة الإجراءات التي تمت صياغتها بواسطة مجلس الامن و السلم في القرار 456 تتطلب إبتداءاً إدارة حوار من أجل وقف العدائيات في دارفور و المنطقتين، و بعدها التوصل الى صيغة بخصوص وقف إطلاق النار، أو ما يصطلح عليه أحياناً بالترتيبات الامنية. بناء على تلك المعطيات و ما ينتج منها تنخرط المجموعات المسلحة في طاولة الحوار الوطني مع البقيَّة مِن أصحاب المصلحة والقوى السياسيَّة، و حسب خطة رئيس النظام الحاكم، يجب أن تتم وفق آلية 7+7 في الخرطوم.
من هذا، نخلص إلى نقطة أساسية في مسار الحوار الذي أعده القرار 456، هو أن مناقشة موضوع الترتيبات الامنية سابق لمناقشة موضوعات الحكم و الديمقراطية و الحريات الاساسية. و من ذلك من الممكن أن نتخيل الدور الذي ستقوم به أحزاب المعارضة السياسية، في سياق نقاش الترتيبات الامنية، مجرد مُنتظر أو مُتابع.
و الغريب في الأمر أن أغلبية القوى المعارضة قد استنكفت المشاركة في جلسات 7+7 ، بينما تكبدت بعض تلك القوى المشاق من أجل اللحاق بالاجتماع التحضيري في مقر الاتحاد الافريقي.
هل يصلح القرار لأن يكون أرضية للنقاش و نتائجه ملزمة للأطراف:
1. إن جاز اعتمادنا الآلية للدولية لحل أزمة السودان، فإن في اعتماد الآلية الرفيعة المستوى التابعة لمجلس السلم و الأمن الأفريقي، كوسيط و قائد و منظم للحوار، أمر فيه مخاطرة جسيمة. و سنشرح هذا الأمر بالمزيد من التوضيح. بالنظر إلى صلاحيات مجلس الامن التابع للأمم المتحدة، نجده يتمتع بسلطة أجبار (الدول الأعضاء) تحت البند السابع من ميثاق الامم المتحدة، و بالتالي في سبيل تحقيق السلم و الأمن الدوليين، يجوز لمجلس الأمن اتخاذ ما يراه مناسباً من تدابير، بدون تحديد لطبيعة تلك التدابير. و لكن، ما الذي يملكه مجلس الأمن و السلم الإفريقي من سلطات ليجعل حكومة السودان ملتزمة بقراراتها، فالمجلس لا يمتلك أي سلطة تجاه الدول الاعضاء في الاتحاد الافريقي، مثل تلك التي يستخدمها مجلس الامن الدولي تجاه عضويته.
2. مجلس الأمن و السلم الافريقي، و اللجنة الإفريقية الرفيعة المستوى، ليس بمقدورهما اتخاذ قرارات بخصوص الشأن السوداني، دون موافقة حكومة السودان، فالسودان عضو في منظمة الاتحاد الافريقي و كذلك عضو في مجلس السلم و الأمن الافريقي. و بالتالي لا يمكن أن تتعامل الآلية الرفيعة المستوى مع أطراف الحوار بالتساوي، و لا يمكنها أن تحتفظ بمسافات متساوية بينها و بين الاطراف المنخرطة في الحوار، فالسودان دولة عضو في مجلس السلم و الامن الافريقي، و لكن المجموعات المسلحة و الاحزاب السياسية المعارضة، لا يحق لها حتى أن تحضر اجتماعات المجلس كمراقب. نصت الفقرة 9 من المادة 8 من برتوكول إنشاء مجلس السلم و الامن الافريقي (2002) (للدول العضو الحق في أن تحضر جلسات المجلس حين يكون موضوع الاجتماع مناقشة موضوعات السلم و الامن في تلك الدولة، و للدولة الحق في استعراض وجهة نظرها و شرح الموضوعات ذات الصلة). و لا تتمتع الحركات المسلحة و الاحزاب السياسية بمثل هذا الحق في برتكوا انشاء المجلس.
3. الأدهى، إن حُكومة السُّودان و بوصفها عُضوٌ كامِل في المجلس، تسهم في تعيين أعضاء الإلية الأفريقية رفيعة المستوى، و كذلك بمقدورها عزل رئيس الآلية أو أحد أعضائها، كما للسودان، بصفته تلك، أن يسحب ملف السلام و الحرب من الآلية رفيعة المستوى. هذا الوضع يجعل رئيس أعضاء الآلية رفيعة المستوى خاضعين على الدوام لابتزاز النظام الحاكم، و لضغوطاتها. و لربما حين نتناول جانب من تاريخ رئيس الآلية الرفيعة، قد نُدرك أكثر مخاطر إحالة ملف السودان الى هذه اللجنة الإفريقية.
4. و بالنتيجة، لا يمكن أن يتوقع المنخرطون في الحوار الوطني، (بموجب آلية 7+7 او من خلال ترتيبات القرار 456)، أن تُفضي العملية إلى تغيير النظام أو إستبدال الحاكم بشخصية قومية توافقية.
مستقبل القرار:
إن مجلس السلم و الأمن الإفريقي، هو وحده صاحب الصلاحية أن يصدر أي تعديلات، بالإضافة أو الحذف، في هذا القرار، و قد يصدر قرارات أخرى تعمل على تنفيذ جانب من جوانب القرار456.
للنظام الحاكم في السودان، سلطة التدخل الدبلوماسي من أجل فرض تغييرات أو تعديلات أو حذف، في مضمون القرار 456 و ذلك باعتبار السودان دولة عضو في الاتحاد الافريقي و في مجلس السلم و الامن الافريقي. هذه الميزة غير متاحة للحركات المسلحة أو الأحزاب المنخرطة في عملية الحوار. تكتسب هذه النقطة جدواها، حين نعلم أن بعض زملاؤنا في القوى السياسية المعارضة، التي ارتضت الانخراط في الحوار بناء على القرار 456 ، تبرر مشاركتها ضمن هذه الآلية المعطوبة، بأنها ستعمل من أجل إجراء تحسينات في القرار 456.
و لما كان من الأرجح أن تقوم تطورات العملية السياسية، بفرض واقع مغاير، يستدعي بموجبه المجلس أن يتقدم بقرار جديد خاص بذات الموضوعات التي ناقشها القرار 456 ، فان المجلس ختم قراره بالعبارة الشهيرة : "ويُقرر أن يُبقي المَسألة قَيد نظرهِ الفِعلي"، مما يعني أن المجلس وحده هو المعني بتقييم هذا القرار من وقت لآخر.
الوسيط أمبيكي:
فيما يلي نتعرض لبعض النقاط من سيرة الرئيس ثامبو أمبيكي، في الحدود ذات الصلة، أو المؤثرة، في مسار القرار 456:
– تقلّد أمبيكي منصب رئيس جنوب أفريقيا في عام 1999 خلفاً للرئيس المناضل نيلسون مانديلا،
– انتهت ولايته الاولى عام 2004 واعيد انتخابه لولاية ثانية واخيرة تمتد من العام 2004 الى العام 2009
– أتهم أمبيكي بالفساد المالي، و ساءت سُمعت الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني الجنوب أفريقي) فنشب خلاف كبير داخل الحزب و بالتالي تعالت الاصوات باقالة أمبيكي أو استقالته عن المنصب،
– استقال من رئاسة المؤتمر الوطني الافريقي ومن رئاسة الجمهورية فى سبتمبر عام 2008
– بعد استقالته بقليل تمت اختياره من قبل الاتحاد الافريقي في العام 2008 رئيسا للجنة الحكماء الافارقة ومن ثم اصبح رئيسا للجنة الاتحاد الافريقي رفيعة المستوى المسئولة عن المساعدة في السودان،
– بوصفه رئيسا للجنة الاتحاد الافريقي رفيعة المستوى المسئولة تم إسناد الوساطة إليه، للمساعدة في حل مشاكل السودان في ما يتصل (1) بتنفيذ اتفاقية السلام الشامل (2) وإعداد الدولتين لمرحلة ما بعد استفتاء جنوب السودان على حق تقرير المصير (3) تنفيذ اتفاقيات العلاقات الشمالية الجنوبية (4) الحرب الدائرة في إقليم دارفور (5) المساعدة في ترسيم الحدود الشمالية و الجنوبية (6) مستقبل منطقة أبيي (7) وأخيراً، الحوار الوطني و مسائل الحكم و بناء السلام.
– فور فوزه في انتخابات جنوب إفريقيا في عام 2009، كان الرئيس جاكوب زوما قد أعلن أنه سيعمل على مساعدة المحكمة الجنائية الدولية في دارفور و أن الرئيس البشير غير مرحب به في دولة جنوب إفريقيا. قامت حكومة السودان بالضغط على الرئيس زوما في أكثر من مناسبة، و في واحدة من تلك المناسبات حين حرضت الحكومة مجموعات مسلحة في دارفور باختطاف أشخاص من دولة جنوب أفريقيا و تظاهر النظام الحاكم بقبول طلب السيد ثامبو أمبيكي في المساعدة في إطلاق سراح الرهائن، الأمر الذي هيأ لثامبو أمبيكي أن يرتب زيارة مفاجئة للرئيس زوما للخرطوم، و استقبلت الخرطوم رئيس جنوب أفريقيا، في 31 يناير 2015، في زيارة وديَّة استغرقت يومين، للمرَّة الأولى منذ توليه منصبه. و أخيراً قبول زوما بحضور البشير للاجتماعات القمة الافريقية في جنوب افريقيا، و تحديه قرار المحكمة الجنائية الدولية.
و بالتالي، و في ظل الظروف التي تعكس تفشي الفساد في مؤسسات الاتحاد الافريقي، و في ظل عدم حيادية مؤسسات الاتحاد الافريقي حين يتصل الامر بنضال الشعوب الافريقية ضد حكامها من أجل الديمقراطية و الحرية، و لما كان الرئيس ثامبو أمبيكي، لا يحمل في تجربته السياسية و الدبلوماسية ما يؤهله لتقديم نموذج نزيه و مستقل في الوساطة من أجل السلام و الديمقراطية. فإن لجنة الآلية الافريقية رفيعة المستوى، برئاسة الرئيس ثامبو أمبيكي ليست سواء تازيم للمشكلة الوطنية السودانية من خلال إعطاء النظام الحاكم في السودان اليد الطولي في تقرير مصير الحوار الوطني و تحديد آلياته.
أن النضال السلمي، في مواجهة الديكتاتورية، و في النضال من أجل استعادة الديمقراطية، كان و مازال منهاج عمل حزب البعث العربي الاشتراكي منذ أول بيان صدر عنه في مواجهة ديكتاتورية الثلاثين من يونيو الاسود في عام 1989. و ظل هذا منهجه، مع سعيه المتواصل في خلق صلات و حوارات ديمقراطية مع الحركات المسلحة من زاوية الإيمان بعدالة مطالبها و إن أختلف معهم في الوسيلة النضالية و المنهج. لقد جاء في بيان حزب البعث العربي الاشتراكي في سبتمبر 2014 "ان جعل الحوار الوطني بيد القوى المنتفذه اقليمياً ودولياً ، إنما يستهدف إحداث تسوية سياسية من منطلق الوصاية على الشعب، والتقرير في حاضره ومستقبله، و يهيئ لأن يستغل النظام علاقاته المشبوهة بحيث يضمن توسيع قاعدة المشاركه الفوقية في النظام لإطالة امده، هذه الآلية لا تقدم حلا لقضايا بلادنا لعجزها عن ملامسة جذور الازمة، والتي يشكل النظام القائم مصدرا اساسيا لها " .
إن حزب البعث العربي الاشتراكي، إذ يطرح رؤيته تلك، حول آليات الحوار المقترحة في القرار 456، إنما بهدف السهام الجدي في صيانة بيئة النضال الوطني، و سعياً منه في درء مخاطر الانخراط في مساعي غير مسنودة شعبية، و تهدر المسيرة النضالية الطويلة من أجل اجتثاث الديكتاتورية و بناء سودان الديمقراطية و الحريات و التنمية و السلام الدائم و الوحدة الوطنية.
الخرطوم في السابع من يوليو 2015