مريم الشروقي
نستغرب من وزارة التربية والتعليم في تطوّرها العكسي إلى الخلف، فإلى متى المواطن البحريني الأصيل يجني القهر والظلم والضيم، في وزارة كان أهل الخليج يضرب بها المثل، ويقتدي بمعاييرها في التربية والتعليم منذ أربعينات القرن الماضي!
كان جلّ هم الوزارة في الستّينات والسبعينات هو المعلّم والمواطن البحريني الأصيل، من خلال التربية والتعليم، والتوزيع العادل والشفّاف للبعثات لمختلف طبقات المجتمع البحريني، وكان الجميع يسعد عندما تظهر نتائج البعثات في الصحف بالنسب والأسماء، وكان الرضا المجتمعي، وان لم يحصل أحدهم على البعثة، في أوجه.
لكن شاء القدر أن يختل الميزان في هذه الوزارة، ويشقى المواطن في وطنه من خلال البعثات، ويصبح هو الغريب والغريب هو القريب، والغريب في الوزارةهو الغاء نشر أسماء الحاصلين على البعثات بنسبهم وتخصّصهم، والمضحك في الأمر استخدام التقنية ليعلم الطالب حصوله على البعثة من عدمه، ونعتقد أنّ استخدام التقنيّة ضيّع الحسبة، وظلم الكثير من المواطنين الأصيلين في شفافية المعلومات!
الظلم الذي نتكلّم عنه هنا ليس في التقنية والشفافية فقط، بل نتكلّم عن الظلم في المقابلات المزاجية لمسئولي الوزارة، وفي تحديد مقصلة المجتهدين وإبعادهم عن رغباتهم الأولى، أو عن البعثة نهائيّاً، لتصبح منحة أو خالية من المنحة والبعثة! أو يحصل على مكرمة من سمو رئيس الوزراء، لتعطّلها الوزارة بأية حجّة، سنة أو سنتين أو مدى الحياة!
هل لدى المواطن من حيلة الا الرضوخ لأوامر هذه الوزارة في إدارة البعثات (الشفّافة)؟! وإن كان ليس له حيلة فأين الملجأ؟! الملجأ والملاذ أصبح في النهاية مواقع التواصل الاجتماعي، فـ (تويتر) لم يهدأ منذ إطلاق «مجزرة البعثات»، اذ وصل عدد المغرّدين الى ما يفوق 15 ألفاً، وأكثرهم يشكون الظلم من وزارة التربية والتعليم في محاصصة البعثات وغيرها من المشكلات.
كادر المعلّم والتأخير في الدرجات والحوافز الا الرّاضون عنهم، تأخير التقاعد وكثرة طلب التقاعد من قبل المعلّمين دون وصول صوتهم، الانحدار الواضح في مستوى التعليم على رغم النسب التي تنشرها الوزارة، فطالب السّادس لا يعرف يقرأ ونتكلّم عن التميّز! أمّا التربية فحدّث بلا حرج، اذ انّه تمّ الغاؤها نهائيا من أجندات هذه الوزارة الاّ على الورق، أما المواطنة التي يتم تدريسها للطلبة (أنا بحريني) فهي أيضا على الورق؛ لأنّ البعثات تثبت عكس هذا الشعار، فمن حصّل بعد جهد جهيد وسنوات من الدراسة والمثابرة نسبة عالية، تُقدّم بعثته الى من لا يستحقّها! واذا كان كلامنا خاطئاً وافتراءً وكذباً على الوزارة، فلتنشر الوزارة أسماء المبتعثين بنسبهم وتخصّصهم في الصحف الرسمية، كما كانت الآلية في العهود الذهبية السابقة. فيا وزارة التربية والتعليم «لا تبوق لا تخاف»!
آه من وزارة يشقى فيها الموظّف والمواطن الأصيل، بسبب سياسة التخبّط، هذا الشعب المسكين لا يستطيع ردع هذه الوزارة كما لم يستطع أعضاء مجلس النوّاب المنتخبين ردعها! أليس كذلك؟!
ومادام صوت الشعب لم يستطع على هذا الوزارة، فإنّنا نذكّر الشعب الأصيل بشكوى قديمة وجليلة قبل 1400 عام، كانت للمصطفى (ص)، بعد ما لاقى من أهل الطائف من الحجارة والسباب، وجد حائطًا (حديقة) فأسرع إليها يحتمي بها، دخل رسول الله (ص) إلى الحائط، وهو مثقل بالهموم والأحزان والجروح، فأسرع إلى ظل شجرة وجلس تحتها وأسند ظهره إلى الشجرة ومد يده إلى السماء، وانهمرت عبراته وهو يدعو بدعاء ما دعا به قبل ذلك، وما دعا به بعد ذلك، دعاء يعبر عن مدى الألم والحزن والهم والغم الذي شمل كل كيان رسول الله (ص)، وقد أغلقت أمامه كل الأبواب إلا هذا الباب الذي لا يغلق أبدًا، باب الرحمن، قال رسول الله (ص):
«اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، إلى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي؟ أَمْ إلى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَلَيَّ فَلاَ أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ».
لكل مواطن يشكو ضعف قوّته وقلّة حيلته، ومثقّل قلبه بالهموم والأحزان والجروح والآلام، فليدعو ربّه دعاء محمّد ابن عبدالله (ص) عندما خرج وقلبه اعتصره الهم من أهل الطائف، وأنتم اعتصركم الهم من الوزير ومن معه في الوزارة، فليس لكم الاّ الله فهو قريب، يُجيب دعوة الداعي إذا دعاه.