هاني الفردان
تصريح سعادة وزير العدل والشئون الإسلامية الأخير يوم الأربعاء (1 يوليو/ تموز 2015) لا يحمل أي جديد يمكن أن يغيّر من واقع ما نعيشه في هذا البلد من حقيقة التحريض على الكراهية والطائفية التي استمرت لسنوات طويلة تحت سمع ونظر السلطة، وبل في بعض الأوقات بترخيص ضمني منها عندما سمحت بذلك عبر منابر الجمعة وغيرها دون حساب أو كتاب.
وزير العدل والشئون الإسلامية أكد «اتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من يتورّط في التحريض على الكراهية ويشق الصف الوطني والإسلامي أو مخالفة ضوابط الخطاب الديني». نعم، فنحن الآن عرضة لتهديد حقيقي، ومجتمعنا البحريني أو حتى الخليجي أصبح «متخوفاً» من تكرار مشاهد تفجير المساجد وقتل المصلين الأبرياء فيها، كما حدث في السعودية والكويت، وتلك المشاهد كانت مقدماتها واضحة وعلامتها موجودة، إلا أن غض البصر عنها وعن عناصرها من جانب حكومات الخليج، فتح لها الباب على مصراعيه لـ«غزو» مجتمعاتنا وقتل أبنائنا.
البحرين وشعبها ليسوا بحاجةٍ إلى كل هذه الإجراءات سواء الأمنية أو الاحترازية، مع ضرورة «الحذر»، فالقضية أساساً تكمن في التغاضي عن دعاة الفتنة و«التكفيريين» الذين يبعثون الرسائل النصية وينشرون التغريدات ويخطبون علناً ويكفّرون المسلمين من أبناء هذا الشعب، حتى استخدم بعضهم وصف الناس بـ «الكلاب»، و«الكفرة». بل ذهب مؤخراً، وبعد التفجير الإرهابي في الدمام، للكتابة أيضاً: «اليوم الجمعة ساعة إجابة… اللهم أهلك الرافضة المجوس، وأعوانهم من اليهود والنصارى… اللهم آمين».
كلمة «الروافض»، هي ذاتها الكلمة التي يستخدمها تنظيم «داعش» في بياناته بعد أي هجوم إرهابي على مسجد للمسلمين الشيعة، لتبرير قتل المصلين الآمنين فيها، وهي كلمة يعرفها الجميع ويعرف مقاصدها، ولا يمكن للجهات الرسمية تجاهلها. ومع ذلك تسمع الجهات الرسمية تلك الخطب التحريضية المليئة بالشتائم والقذف، وتغضّ البصر عنها وتتجاهلها!
أحد أعضاء جهة معروفة نشر تغريدة سابقة له تعود إلى العام 2013 كانت رداً على مغرد آخر بشأن الجهاد في «حلب»، فكتب: «ومن لكم إذا ذهبنا لحلب؟ الجهاد قائم وقريب جداً في البحرين»، وهي تغريدةٌ لم تتحرّك من أجلها أية جهة رسمية معنية بتتبع مثل هذه التهديدات، وهي تعد خطيرةً جداً، ومع ذلك عين ذلك الشخص في جهة حقوقية من قبل السلطة وكأنها تكرمه على ما قاله، وتقول له هل من مزيد!
الحديث عن وجود «تكفيريين» في البحرين وعن «داعشيين» ليس فخاً كما يروّج لهم المتملقون في مجتمعنا، وليس غريباً ولا مستغرباً، بل هو واقع موجود، نعيشه يومياً عبر أفكار وأخبار وشعارات، وإعلام وكتابات وتغريدات وخطب وحتى مقالات لكتّاب هدّدوا بالفم الملآن، باستدعاء «القاعدة» إذا فرضت الديمقراطية في البحرين، وطالبت تلك الكاتبة وزارة الداخلية بعدم «الوقوع في فخ» الترويج لوجود «داعش في البحرين»!
ولذا، وقبل كل تلك الاحترازات الأمنية، يجب أن يُجاب على سؤال واحد طرحناه كثيراً، وهو لماذا لاتزال الجهات المعنية في البحرين، تغض الطرف عن المحرّضين العلنيين والناشطين المتفاخرين بما تقوم به التنظيمات الإرهابية؟
الحديث عن الإجراءات والقانون، هو حديث قديم تخرج السلطة به كلما جدّ جديد، لذر الرماد في العيون فقط لا غير، ولتقول إنها ستطبق القانون، الذي لا يطبق على أحدٍ من المحسوبين عليها ومن ذوي الفكر التكفيري المعلن.
في أغسطس/ آب 2012 وجهت خطاباً لوزير العدل وللنائب العام، بعد قراءتي لتغريدة عبر «تويتر» بقلم (ش.د) الملقب بالوجيه، والذي جاء فيها «لكل رافضي ينوي دخول ملة الإسلام – عقيدة أهل السنة – بنية صادقة وبأن ينطق الشهادة بحق، له منا تعديل أوضاعه وتصفية ديونه بالكامل ولوجه الله». وسألت وقتها، في ظل هذا التهجم السافر على مكوّن وطني مهم وأصيل من مكونات الوطن، والذي وصف بأنه خارج الإسلام في إشارة واضحة لتكفيره: ماذا أنتم فاعلون؟
لم يفعلوا شيئاً لذلك ولغيره الكثيرين، ولكن في ذلك الوقت نفسه، كانت هناك حادثة أخرى وبالتحديد في (11 يونيو/ حزيران 2012) عندما صدر تصريح رسمي بشأن القبض على شاب بتهمة القذف عبر «تويتر» وحكم عليه بالحبس لمدة عامين، بعد أن وصف في تصريح رسمي بأنه «من منحرفي الفكر وفاسدي العقيدة، وأن تغريداته، بلغت حدّاً من القذارة الخُلقية والانحطاط يعف اللسان عن ذكرها (…)»، نتيجة لذلك وأنه صدرت الأوامر بسرعة بذل كافة الجهود الممكنة وتكثيف أعمال البحث والتحري لسرعة الوصول للمتهم الحقيقي كاتب تلك العبارات.
إلا أننا منذ سنوات طويلة لم نسمع أن الأوامر صدرت للقبض على مغرّد «وجيه»، أو خطيب على منبر وصف طائفةً كبرى بـ«الروافض» الكفرة والمجوس، ويدعونهم لدخول الإسلام، إذ أن الحق العام لا يطالهم أبداً، فلماذا؟
إلى من يعنيه الأمر، إن رفع لواء المصالحة، وحفظ نسيج المجتمع وعدم الإساءة للمكوّنات الاجتماعية والدعوة لإثارة الفتن الطائفية، ماذا فعلتم طوال السنوات الماضية للحد من ذلك الخطاب الذي يتفاقم يوماً بعد يوم؟
لماذا نجد الملاحقات القضائية لا تطال سوى – وأكره قولها – أطرافاً محسوبة على فئة معينة؟ ولماذا يحاكم مغرّدون ويُترك آخرون؟
نحتاج إلى أن نتلمس على أرض الواقع حيادية العدالة بعيداً عما هو مكتوب على أوراق القانون وإطلاق التصريحات، وأن يكون لميزان العدالة كفتان متساويتان.