منصور الجمري
بعد أُسبوع من تفجيرِ انتحاريّ نفسه وقتل 21 مصليّاً في مسجد بالقديح في القطيف (شرق السعوديَّة)، قام انتحاري آخر بالهجوم أمس على المصلين في مسجد في حيّ العنود بالدمام. الإرهابيُّ كان قد لبس لِبْس النساء، وحاول دخول المكان المخصص للنساء، لكن أفراد اللجنة الأهليَّة التي تتولى حماية المصلين، اكتشفوا ذلك، ولاحقوه، إلا أنَّه قام بتفجير نفسه، ونتج عن ذلك مقتل ثلاثة من أولئك الشباب.
بعد فترة وجيزة من ذلك، أعلن تنظيم «داعش» الإرهابيُّ مسئوليته عن الهجوم، فيما تصدّر هاشتاغ تفجير_العنود قائمة التغريدات عالميّاً عقب وقوع التفجير.
ليس صعباً معرفة السبب في حدوث مثل هذه الأعمال، فبعد أربع ساعات من تفجير أمسِ، تسلمتُ على «واتس آب» رسالة جماعيّة «برودكاست» أرسلها أحد الأشخاص في البحرين باسمه الصريح، ومن دون خشية أو مواربة، يقول فيها: «اليوم الجمعة ساعة إجابة… اللهم أهلك الرافضة المجوس، وأعوانهم من اليهود والنصارى… اللهم آمين».
الترويج لهذه المقولات مستمرٌّ منذ فترة طويلة، ومروجوها يردّدونها بفخر واعتزاز، وينشرونها علانية في جميع وسائل الاتصال الاجتماعي، ومن خلال الخطب على المنابر وعبر التصريحات التي تنقلها فضائيّات متخصّصة في نشر الخطاب الطائفي التحريضي.
الترويج حاليّاً أَصبح على عدَّة مستويات، وهناك تسويق لجهات إرهابيّة تحت عناوين مختلفة، من بينها الانتصار للطائفة، مع استخدام للفتاوى الدينيّة بهدف تكفير الفئات المستهدفة بالقتل. إن اعتماد خطاب الكراهيّة ينعش روَّاد الطائفيَّة، وهدفه أصبح واضحاً، وهو تفتيت النسيج الاجتماعي وحرق الأوطان.
إِنَّ رواد الطائفيَّة يغرّرون بشباب مجتمعاتنا ليقتلوا أنفسهم، ويقتلوا الآخرين، على أَمل الحصول على رضا الله سبحانه وتعالى ودخول الجنة في الآخرة. ونشاهد حاليّاً كيف أن إذكاء الطائفيَّة أدى إلى انتشار وباء الطاعون السياسي في المنطقة، وهذا الوباء أصبح يهزُّ استقرار الدول بعد إضافة عامل الإرهاب إليه. الإرهابيون يسعون إلى بثّ الرعب والخوف، ومن ثم تفكيك البلدان الواحد تلو الآخر.
إنَّ قتل المصلين في المساجد يعكس الصورة غير الإنسانيَّة لثقافة دينيَّة خاطئة، تنتهج القتل والإرهاب، وهذه الثقافة البائسة تقف على الطرف النقيض لمبادئ التعايش السلمي. إنها ثقافة عدميَّة تستهدف الآخرين على الهويَّة، وتدمّر النسيج الاجتماعي، وتقضي على الاستقرار السياسي، وتنسف الأوطان في نهاية المطاف، وهو ما لا يمكن القبول به والخضوع اليه.