هاني الفردان
لم يكن قرار مجلس الوزراء يوم الاثنين (18 مايو/ أيار 2015) بتنفيذ آلية جديدة لدعم اللحوم تحول دون تسرب الدعم الحكومي الموجّه للحوم وتضمن وصوله للمواطنين فقط – على حد ما جاء في البيان الرسمي- مفاجئاً، بل كان متوقعاً ومنتظراً رغم تأكيدات الحكومة بعدم المساس بحقوق المواطنين، وذلك كنتيجة منطقية للأزمة المالية التي تعيشها البلاد.
وافق مجلس الوزراء على أن يكون دعم اللحوم من خلال تعويضات نقدية مباشرة يحصل عليها كل مواطن بحريني بدلاً من طرح اللحوم بأسعار مدعومة يستفيد منها المواطن وغيره، وسيتم حصول المواطنين على التعويضات النقدية عن اللحوم المدعومة من خلال نظام إلكتروني للتحويلات النقدية يتم إعداده لهذا الغرض من خلال وزارة التنمية الاجتماعية بالتعاون والتنسيق مع الجهاز المركزي للمعلومات وهيئة الحكومة الإلكترونية، علماً بأن التعويض سيكون لكل أسرة بحرينية محسوباً وفق الفئة العمرية لأفرادها، على أن يبدأ تطبيق ذلك في 1 أغسطس/ آب 2015.
عدة مشاكل وهواجس تنتاب المواطن البحريني من مثل هذه القرارات، أولها قيمة الدعم الذي سيخصص للمواطن، فكم سيكون المبلغ الذي سيتم إضافته لحساب المواطنين كتعويض عن إزالة الدعم المباشر للحوم الحمراء والبيضاء (الدجاج)، وهل سيكون ذلك وفق دراسات منطقية مبنية على أسس سليمة تحقق العدالة بين المواطنين، في ظل تفاوت الأعداد والقدرات المالية.
صحف محلية تحدثت يوم الثلثاء عن أن القيمة ستكون بمقدار 300 دينار للأسر المتوسطة، أي 25 ديناراً شهرياً، وأن يكون نصيب الفرد البالغ 5 دنانير شهرياً، مقابل 2.5 دينار شهرياً لمن هم دون سن البلوغ، وهي أرقام قد لا تكون مؤكدة وليست دقيقة، إلا أن المتوقع أن التعويض لن يزيد عن ذلك بكثير.
المشكلة الأخرى والأكثر تعقيداً ومخاوف، هي إسناد المهمة إلى وزارة التنمية الاجتماعية والتي برأينا ونتيجة متابعات سابقة، فشلت كثيراً في اختبار الدعم المالي أو «علاوة الغلاء»، فكلنا شهد تلك الطوابير الطويلة للمواطنين من أجل إدخال المعلومات وتأكيدها بحجة وذريعة التأكد من استحقاق المواطن لها وما واكب ذلك من مشاكل كثيرة شكّلت بحد ذاتها «إهانة» للمواطن البحريني، حتى بلغ بعضها مراحل التقاضي بين الأفراد!
رغم وجود الحكومة الالكترونية والجهاز المركزي للمعلومات، كلنا شهد حجم المراكز التي افتتحت وطوابير المواطنين التي اصطفت للتسجيل من أجل الحصول على تلك العلاوة، وكذلك حجم القوائم ولجان المراجعة والتظلمات وقوائم التصحيح والإلغاء وغيرها من القضايا التي ضجّت بها الصحف المحلية في تلك الفترة، ما شكل «فضيحة» في التعاطي مع مواطن وامتهان كرامته.
الكل يعلم أنه في حال رفع الدعم عن اللحوم الحمراء و البيضاء، فإن ذلك سيؤدي بشكل مباشر لارتفاع أسعار المطاعم بشكل مباشر، ما سيؤدي إلى خلق أزمة جديدة لن تستطيع التعويضات الحكومية المرصودة للمواطنين تغطيتها. كما سيترتب على ذلك ارتفاع أسعار أمور كثيرة قد تكون مرتبطة باللحوم بشكل مباشر أو غير مباشر، حتى تكاليف الزواج وغيرها من الأمور الاجتماعية التي يعتاد عليها المواطن ستتأثر بذلك أيضاً.
قد تخرج الجهات الرسمية للحديث عن فرض رقابة، ومنع ارتفاع الأسعار بشكل كبير، إلا أن ذلك لن يكون مجدياً، فالسلطة لم تستطع من قبل الحدّ من ارتفاع الأسعار، إذا ما عرفنا أن نسبة تغير الأسعار بشأن المطاعم في الوضع المستقر والاعتيادي كان 0.7 في المئة خلال شهر مارس/ آذار 2015.
يقول الجهاز المركزي للمعلومات إن من أهم أسباب ارتفاع نسبة «التضخم» في البحرين خلال شهر مارس الماضي، هو ارتفاع أسعار «المطاعم» بنسبة 1.3 في المئة، مساهمةً بذلك بنسبة 24.5 في المئة في الارتفاع الحاصل بالنسبة لمؤشر أسعار المستهلك.
كما قلنا من قبل، فإن الموازنة العامة التي قدّمتها الحكومة للسلطة التشريعية «مفصخة» بحد تعبير أحد النواب، وإن السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية سيظهران بمظهر «المختلفين» إعلامياً، ولكنهما سيكونان متفقين على تمريرها تحت عنوان «المصلحة»، ليتم تلبيسها الشعب، الذي سيُحرم من خيرات بلاده لعامين مقبلين، وذلك نتيجة سياسة سابقة لم تكن تراعي المرحلة المقبلة.
الواضح لدى الجميع أن الآلية الجديدة لدعم اللحوم ستكون فقط البداية، وسيلحقها الكثير من الآليات الجديدة المتعلقة بالوقود، والكهرباء والماء، والدقيق، وحتى التعليم والصحة، والله يستر على النهاية التي قد يضطر فيها المواطن لملاحقة السلطتين التشريعية قبل التنفيذية ليثبت كما شهدنا في «علاوة الغلاء» أنه يستحق كمواطن خليجي الحفاظ على مكاسبه، بدلاً من ملاحقة تلك التعويضات المتعلقة بـ«اللحوم»، والوقود والدقيق والكهرباء والماء وغيرها».