هاني الفردان
لم أستغرب كثيراً دعم عدد كبير من أعضاء مجلس النواب سياسة الحكومة في استمرار توظيف وعمل المدرسين الأجانب في وزارة التربية والتعليم، على رغم أن نائباً قدّم طلبات 376 لمعلمين بحرينيين عاطلين في 35 تخصصاً أكاديمياً، لازالوا ينتظرون حقّهم الطبيعي والدستوري في الحصول على وظيفة لائقة.
لم أستغرب أبداً كل المبررات التي ساقها وزير التربية والتعليم بشأن عدم الاعتماد على توظيف البحرينيين من الخريجين في سلك التعليم، ومن بين تلك المبررات أن ديوان الخدمة المدنية هو الجهة المسئولة عن التوظيف في البحرين، مع وجود نقص في التخصصات، وأنه ليس كل من حمل مؤهلاً جامعياً يستطيع أن يكون معلّماً، ولكن بالمقابل، يمكن لكل متطوّع يحمل الثانوية العامة أن يكون معلماً بحسب «معايير» الجهات الرسمية لتقييم المؤهلين للسلك التعليمي في البحرين!
وزارة التربية والتعليم استقدمت في مارس/ آذار 2014، 16 مدرساً للتربية الرياضية، ووزّعتهم على عدد من المدارس لممارسة مهنة التدريس، وعندما أثار الموضوع ضجة محلية كبيرة، نتيجة وجود أعداد كبيرة من البحرينيين الجامعيين من خريجي التربية الرياضية عاطلين عن العمل، قالت إنهم «خبراء من حملة شهادات الدكتوراه، وجيء بهم لتطوير مناهج تدريس التربية الرياضية»!
الحقيقة أن وزارة التربية والتعليم تسيطر عليها تكتلات وجمعيات تحمل حساً طائفياً، لا يهمها المصلحة الوطنية، بل جل همِّها كيف تحقق أجنداتها الخاصة، والاستفادة من الأوضاع الحالية وتحقيق المكاسب المادية المؤقتة. على سبيل المثال فإن العذر الذي ساقته وزارة التربية بعد الضجة التي خلفها خبر استقدام معلمين عرب، مع احترامنا لكل الأشقاء من كل الجنسيات، لتدريس الرياضة في البحرين كان «عذراً أقبح من ذنب»، إذ صرّحت مديرة إدارة التربية الرياضية والكشفية والمرشدات بالوزارة (2 مارس/ آذار 2014)، أن «الوزارة وفي إطار جهودها للارتقاء بمادة التربية الرياضية في مدارسها، سواء من حيث المناهج أو الألعاب المختلفة، قد استعانت بعدد من الخبراء من حملة الدكتوراه من خارج البحرين، والذين تتنوع تخصصاتهم لتشمل مختلف مجالات التربية الرياضية، إلى جانب ما يتمتعون به من خبرات عالية في هذا المجال»!
ذلك الرد من قبل الوزارة، يوجد منه الكثير مما تغص به الصحف المحلية عندما يتم التطرق لمسألة توظيف المعلمين الأجانب، وتهميش البحرينيين، إذ دائماً ما تعتقد مؤسسات الدولة، أن مثل هذه الردود ستنهي المسألة، أو أنها ستقنع الرأي العام بما تقول، والحقيقة التي لم تفهمها تلك المؤسسات بعدُ أن تراكم «عدم الشفافية» ولَّد قناعةً لدى الشارع العام بأن كل ما تقوله، يجب أن يؤخذ بعكس مدلوله.
فضيحة استقدام معلمين من الخارج لتدريس مادة الرياضة رغم وجود خريجين بحرينيين عاطلين من أصحاب التخصص نفسه، جعل من الوزارة «تكذب» بشأنهم وتصفهم بـ «الخبراء»! والمفاجأة أن الرد على الوزارة جاء على لسان وزير التربية والتعليم المصري محمود أبوالنصر الذي أعلن في (9 فبراير/ شباط 2014) قرار إعارة 24 مدرساً جديداً للمدارس البحرينية منهم 15 مدرساً للتربية الرياضية، و9 لمواد دراسية أخرى»، ولا أعرف كيف حرفت وزارة التربية والتعليم في البحرين كلمة «مدرّس» إلى «خبير»!
الوزير المصري تحدّث عن «معلمين» تمت إعارتهم لتدريس مادة التربية الرياضية، ولم يتكلم عن خبراء لـ «تطوير المنهج الدراسي والخطة الدراسية وعدد من الألعاب الأساسية»!
القضايا الكثيرة العالقة في هذا البلد، أغلبها يعود إلى الأوضاع المعيشية والخدماتية قبل أن تكون سياسية، وكلما تعقدت المشكلات الإسكانية، والبطالة والتمييز والتوظيف، ارتفعت حدة الاحتقان في الوضع، وزاد الوضع السياسي سوءاً، ليجر وراءه احتقاناً أمنياً لا يمكن صدّه أو تحاشيه. فهل يعقل أن تتجاهل الوزارة طلبات البحرينيين من خريجي الجامعات في مجال التربية، لتستقدم مدرسين عرباً؟ وهل أصبحت مخرجات جامعة البحرين في مجال التربية غير مرضيةٍ لدرجة عدم اقتناع وزارة التربية بها؟
هل أصبحت مناهج التربية، عصيةً على البحرينيين لتطويرها، حتى نستقدم «خبراء» من بلدان أخرى في العالم؟ في ظل صرف الملايين لسنوات طويلة على «مشروع إصلاح التعليم» ليتناسب ومخرجات سوق العمل، لنكتشف أننا لم ننجح في توفير حتى مدرّسي رياضة!
لا أعتقد أن كل تلك الأسئلة هي المشكلة، بل المشكلة في سياسة الوزارة والسلطة، التي تعتمد على الإقصاء والتهميش الذي بدا واضحاً ليس لمن هم في الداخل فقط، بل لدول العالم الخارجي، حتى أصدرت فيه تقارير مطولة تحدّثت عنه بكل وضوح.
حقيقة الإقصاء والتمييز في توظيف المعلمين وغيرهم من الكوادر البحرينية الجامعية، واللجوء إلى الخارج، حقيقة واضحة لم يستطع بعض النواب أن يتكتموا عليها أيضاً لينسفوا كل «تبريرات» وزارة التربية والتعليم، عندما أشاد النائب عبدالله بن حويل في جلسة الثلثاء (24 مارس 2015) «بما تقوم به الوزارة، وخصوصاً عندما امتنع البعض من الذهاب إلى المدارس، وليس من الصحيح توجيه الاتهام لوزارة التربية وإغفال دورها، في الوقت الذي كان يريد البعض تعطيل التدريس، وحرق المدارس وتخريبها. دور وزارة التربية والتعليم مشرف، وخصوصاً في أزمة البحرين 2011».
الحقيقة تكمن هناك، ليست مسألة كفاءات، ولا نقص تخصصات، ولا جلب خبراء، بل هي مسألة «ولاءات» وتبعات لواقع سياسي محتقن رسخته سياسة «الإقصاء والتمييز» التي ستجر البلاد إلى المزيد من التأزيم والاحتقان.