يعقوب سيادي
14 فبراير 2011، كانت فيه الذكرى السنوية العاشرة، للإقرار الشعبي العام، وتوافق الأطراف الوطنية على ميثاق العمل الوطني. ذاك الميثاق الذي كان الأمل الجامع لاجتياز البحرين، حكماً وحكومةً وشعباً، الى مأمول بر الأمان، فقد استقر التوافق الوطني على مفاهيم وقيم سياسية وحقوقية واقتصادية واجتماعية، كفيلة في حال تفعيلها، بتجاوز إفرازات أحداث التسعينيات، بما يحقق الربط والتجسير ما بين مرحلة الإستقلال وبنائها الدستوري والتشريعي، وأدائها السياسي والحقوقي، على الرغم من إنتكاستها السريعة التي ختمت عمرها القصير الذي لم يتجاوز الثمانية عشر شهراً، وبين المرحلة الجديدة التي بدأت بالميثاق، إلا أنه قد طال أمل الشعب عشر سنوات، بما جعل من غير المشكوك فيه، أن العزم والإرادة لم تكن هي قواعد بناء مرحلة ما بعد الميثاق.
فليس من الحصافة الإستراتيجية ولا السياسية ولا البنائية للدولة، أن تستمر ذات الاتجاهات التي أدارت مرحلة قانون أمن الدولة، لسبعة وعشرين عاماً، بما جعل سمعة البحرين تنحدر إلى أدنى درجات التصنيف الدولي، الدستوري والقانوني والحقوقي. وقد جاء الميثاق أو هكذا كان الأمل، لينتشل البحرين من ذاك المنزلق إلى رحاب الدولة المدنية الحديثة، في جوانبها السياسية والحقوقية، فكان من الأجدى إجراء التغييرات في تلك الاتجاهات، وتدريب الكفاءات بما تتطلبها مرحلة الميثاق، ليتسنى للدولة أن تنهج سريعاً في غضون ما لا يزيد عن خمس الى عشر سنوات للبدء في تغيير استراتيجيات سياساتها، لبناء الدولة التي رسم ملامحها الميثاق.
إلا أن التغييرات اللازمة لم تتبادر إلى ذهن المعنيين، فكان منطقياً أن تتوسل الدولة الوسائل الأمنية ذاتها، التي توسلتها إبان مرحلة قانون أمن الدولة، والاحتفاظ بذات الأدوات، بل وبالزيادة، فكان فبراير 2011، قد أسقط الوضع في امتحان العبور إلى مرحلة الميثاق الوطني، بما أرجع البلاد والعباد إلى الوراء عشر سنوات، لتتصل بما قبلها السبعة والعشرين. فتعود البحرين إلى ما كانت فيه من الفرقة، في مرحلة قانون أمن الدولة وبما واصلته الدولة استراتيجياً حسب التقرير الشهير، تلك الفرقة التي أرادتها بالخصوص كما بدت في 17 فبراير 2011، لتبين للعالم، بأن شعب البحرين ليس جميعه معارضاً لسياساتها، بل أن هناك فريقاً من المواطنين غيره ذاك الفريق المعارض. ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، فلم يلبث الوضع أن استحال، إلى بيان العجز عن إدارة الحوار الوطني، نتيجة عمق الخلافات التي رعت بناءها للتفريق بين المواطنين إلى الفريقين، فريق يستفيد بعطايا الدولة وحمايتها، وفريق تجري الدولة عليه العكس، مع استمرار الخيار الأمني المشدّد، بما أصاب الفريق المعارض من الويلات، على مدار السنوات الأربع الماضية، ما يجعله يستذكر ويلاته قبل الميثاق، فيفقد الأمل في الإصلاح، فلا يعود أمامه من خيار، إلا الصبر والمثابرة، فتقابل ذلك الدولة بمثله، وهكذا تتعمق الأزمة سياسياً وحقوقياً، بما يلقي اللوم على الدولة، أن أنتجت سياساتها الإستراتيجية، تطييف المواطنين إلى طائفتين، طائفة معارضة لسياساتها ومطالبة بالتغيير، إلى ما يجعل البحرين حقيقةً مملكة دستورية ديمقراطية، ينتخب الشعب فيها سلطتيه التشريعية والتنفيذية، ويحظى بقضاء نزيه وعادل، ويتساوى فيها أفراد الشعب، في دولة المؤسسات والقانون، لنيل الحقوق وأداء الواجبات؛ وإلى طائفة ترى نيل الآخرين حقوقهم بمثلها، فيه إسقاط لها وللدولة، التي ترعى تميزها.
ولتعميق الهوة أكثر وأكثر ما بين الطائفتين الوطنيتين، سعى من سعى إلى توسَيع الشقة، لتطال الطائفية المذهبية، وإيصالها بمداها الإقليمي والدولي، لمحاولة الإيهام لربط ولاء المواطنين مذهبياً بالدول التي ترعى ذات المذهب، لتعجز الدولة من جديد عن إدارة الخلاف في الحدود الوطنية الداخلية، بما يفتح المجال على مصراعيه، للتدخلات الخارجية، على غير ما تشتهي وبالضد لما تُرَوِّج أنها له كارهة، وخصوصاً أنها، أي الدولة، نحت منحى إسقاط جنسيات المواطنين، مستغلة في ذلك الحرب الدولية ضد الإرهاب، الذي تعيثه جماعات «القاعدة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، فتخلط القوائم بمعارضيها من المواطنين. وبالمقابل يفلت آخرون من المساءلة والعقاب. وهكذا تفشل الدولة في حل مشكلاتها الداخلية، بما يعمق الهوة أكثر وأكثر بين الفريقين، وليعلم الفريق الرافض لنيل الآخر حقوقه، أن الأمم المتحدة لا تعرف «زيد من إعبيد»، ولديها كلاهما متساويان، ولديها معايير حقوقية لا تمييز فيها، مدنية وسياسية.