قاسم حسين
من أغرب الردود التي وصلتنا، ردّ وزارة التربية والتعليم على مقال «هل من مبررات واهية أخرى يا وزارة التربية؟».
المقال ينتقد بوضوح تام، سياسات التوظيف الخاطئة، القائمة على التمييز والإقصاء للمكوّن البحريني لصالح توظيف الوافدين. والمقال من أوله إلى آخره، يكرّر انتقاد سياسة حرمان آلاف الخريجين الجامعيين البحرينيين وعرقلة شغلهم للوظائف التعليمية، ثم يأتي ردّ الوزارة بطريقة خطابية فاقعة: «إن الأولوية المطلقة في التوظيف تظلّ للبحريني، فهو الخيار الأول والأفضل في جميع الأحوال، إذا ما توفرت فيه شروط شغل الوظيفة واجتاز متطلباتها»! فعلام كان خلافنا معكم يا وزارة التربية إذاً؟
عشر سنوات ونحن ننتقد سياساتكم الخاطئة في توظيف الوافدين على حساب المواطنين الخريجين، وتتفننون في وضع العراقيل أمام توظيفهم، والقصة دون أن نحكيها صارت مضغة في الأفواه يضرب بها المثل. فإذا سلّمنا بإجراء الامتحان التحريري، فكيف يمكن قبول الامتحان الشفوي الذي يتحدّد فيه مصير شخص على يد لجنةٍ من شخصين أو ثلاثة، ليس في مجال التوظيف فحسب بل حتى في مجال البعثات والترقيات. أي عدل هذا؟ وأية مساواة؟… ضرباً جهاراً نهاراً بمبدأ العدالة وتكافؤ الفرص.
عشر سنوات ونحن ننتقد سياستكم الخاطئة، وأنتم تردون بهذا الرد المعلّب: «أن وزارة التربية والتعليم لا تلجأ إلى توظيف غير البحرينيين في بعض التخصصات، إلا بعد استنفاد السبل كافة لتوظيف البحرينيين ومنحهم الفرصة كاملةً»، فهل استنفدتم «السبل كافةً» حين استقدمتم مدرسين من الخارج للعمل كـ «معلمي فصل»، وهم لا يحملون هذا التخصص، بينما يقبع مئات من خريجي هذا التخصص البحرينيين منذ سنوات ينتظرون الفرصة لتوظيفهم؟ وهل منحتموهم الفرصة كاملة كما تقولون؟
وتقولون إن «التوظيف الخارجي يقتصر على التخصّصات التي ليس بها بحرينيون بعددٍ كافٍ يغطّي الاحتياج»، أفلا يوجد مئاتٌ من خريجي الحاسوب والتقانة؟ ومن خريجي العلوم والاجتماعيات؟ وحتى من خريجي المواد التجارية… فضلاً عن خريجي اللغة العربية والدين.
وتتحدثون عن «التخصصات التي لم يجتز فيها البحرينيون متطلبات التوظيف»، فهل يعقل أن كل هؤلاء الخريجين والخريجات، من جامعتنا الوطنية وجامعات خليجية وعربية أخرى، كلهم لم يجتازوا متطلبات التوظيف؟ ألم يقم أسلافهم من خريجي الجامعات نفسها بأعباء التدريس في مدارسنا على أكمل وجه طوال العقود الخمس الأخيرة؟ فما عدا مما بدا لكي يصبح الخريج البحريني فجأةً لا يجتاز متطلبات التوظيف ليتم شغلها بمعلمين وافدين رغم هذه الوفرة الوافرة من العناصر الوطنية؟
إن مثل هذا الرد أكبر إدانةٍ للنظام التعليمي الذي تتحملون مسئوليته في رقابكم، وهو إقرارٌ على أنفسكم بالفشل. فالبحرين اقتربت من تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال التعليم خليجياً، مع مطلع الثمانينيات. والمعلم البحريني ساهم في التدريس في بعض البلدان الخليجية الشقيقة منذ السبعينيات، والآن – وبعد تسعين عاماً من انطلاقة التعليم النظامي – تريدون الترويج لنظرية لا تخلو من شبهة عنصرية، بأن «البحريني لم يجتز متطلبات التوظيف»، وكأن هذه المتطلبات هي «رأس غليص»! تروجونها وأنتم لا تشعرون بأنها إقرار على أنفسكم بالفشل الذريع!
نكتب بالعربي الفصيح: «منذ عشر سنوات ونحن ننتقد سياسات التوظيف، ونكتب عن معاناة آلاف الخريجين الجامعيين ممن يقبعون في منازلهم سنوات طويلة، تنهشهم الحاجة والبطالة، وتتعطل مسيرة حياتهم، ويتعرّضون للأمراض العضوية والنفسية، بسبب تعنت وزارة التربية في توظيفهم، وحرمانهم من فرصتهم في العمل وتحقيق ذاتهم وخدمة وطنهم وأبنائه»، وتردون: «إن المزايدة على وزارة التربية لا معنى لها ولا مبرر لها، لأن الوزارة أصلاً تقوم بتوظيف جميع خريجي كلية البحرين للمعلمين حال تخرجهم»، وماذا عن خريجي بقية الجامعات الذين ينتظرون منذ عشر سنوات؟
إنها من أكثر الردود ركاكةًً وإنشائيةً وبعداً عن الحقيقة والعدالة والإنصاف. وإذا أردتم أن تعرفوا وقعها على الرأي العام، فاقرأوا ما يكتبه القراء – وأغلبهم بالمناسبة من الخريجين من ضحايا سياساتكم الخاطئة – على الموقع الإلكتروني… وكفى مغالطات ومزايدات.