قاسم حسين
نحن البحرينيين معنيون كبقية الأمم والشعوب، بالدعوة التي وجّهتها الأمم المتحدة بخصوص «اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية»، في 20 فبراير/ شباط، لتكريس أنشطة ملموسة على الصعيد الوطني، ودعم جهود المجتمع الدولي في مجال القضاء على الفقر والعمل اللائق والمساواة وتحقيق الرفاه الاجتماعي والعدالة للجميع.
هذه خطوط معيارية عامة للحياة الكريمة، التي تأمل بتحقيقها كل شعوب الأرض، فليس هناك شعبٌ يستطعم الفقر أو يقبل الظلم والتمييز والمحاباة، أو يكره المساواة والعدالة الاجتماعية للجميع.
الأمم المتحدة تعتبر العدالة الاجتماعية «مبدأً أساسياً من مبادئ التعايش السلمي داخل الأمم وفيما بينها، وتحقيق المساواة بين الجنسين وتعزيز حقوق الشعوب الأصلية والمهاجرين… وهو ما يتطلب إزالة الحواجز التي تواجهها الشعوب بسبب النوع أو السن أو العرق أو الانتماء الإثني، أو الدين أو الثقافة أو العجز». وكلها عوامل تشيع الظلم وتزيد حياة البشر معاناةً وشقاء. من هنا اعتبرت الأمم المتحدة تحقيق «العدالة الاجتماعية للجميع جوهر رسالتها العالمية»، بما يصون كرامة الإنسان، ويحقق للجميع حصة عادلة من ثمار العولمة، بتوفير فرص العمل والحماية الاجتماعية، ومن خلال الحوار الاجتماعي وإعمال المبادئ والحقوق الأساسية.
هذه ليست شعارات ولا نظريات طوباوية، وإنّما هي مبادئ تتجه دول العالم نحو الالتزام بها، بما يدل على درجة تحضرها وتطبيقها لشرعة حقوق الإنسان. كما أنها ترتبط بحياتنا كبشر أولاً، وكمواطنين ثانياً، لنا حقوق وعلينا واجبات. وقد أوجز البيان الصادر من جمعية التجمع القومي الديمقراطي، في هذه المناسبة العالمية، الكثير من الهموم والتطلعات، حيث اعتبر الاحتفال بهذا اليوم رسالة للوصول إلى «دولة المساواة ورفض التمييز ومكافحة الفقر، وحفظ حقوق العمال».
إحدى الإشكاليات الكبرى التي تواجهها الساحة السياسية في البحرين، أن هناك قوى سياسية وفكرية تكره أن تسمع كلمة «عدالة»، وترفض أي دعوة للمساواة ومناهضة التمييز. من هنا ذكّر التجمع القومي بأن «هدف العدالة الاجتماعية علاوة على كونه شرعة إسلامية وإنسانية أصيلة وسامية، فقد نصت عليه مواد دستور البحرين، والفصل الثالث (من الميثاق) الخاص بالأسس الاقتصادية للمجتمع… وبالتالي فإن تحقيق هذا الهدف حقٌ أصيلٌ للمواطن وعلى الدولة واجب الالتزام به وتنفيذه». بينما على أرض الواقع يتجسد غياب أو ضعف مظاهر العدالة الاجتماعية في الكثير من المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها «غياب المشاركة الفعلية للشعب في التشريع والرقابة، ومصادرة الرأي الأخر والتضييق على الحريات السياسية والإعلامية عبر الاعتقالات والملاحقات والعقوبات، وتكريس الإعلام الرسمي لبث الفرقة والطائفية والانقسام في المجتمع».
التجمع القومي يضع يده على بعض الدمامل التي تسمّم الحياة في البحرين، مثل «التمييز وعدم تكافؤ الفرص في الوظائف والخدمات وعلى نحو واسع وفاقع، حيث تحرم فئات واسعة من تقلد وظائف… أو مناصب رفيعة في الكثير من الوزارات والأجهزة الحكومية». كما يذكر الرأي العام بوجود عمليات تجنيس واسعة تتم على حساب الخدمات الإسكانية، الصحية، والتعليمية المقدمة للمواطن، بخلاف تهديدها المباشر لهوية البلاد في المستقبل.
هذا العملية تغذّي الخلل السكاني الخطير في البحرين، حيث ناهز الأجانب نحو 60 في المئة من مجموع السكان، ما يشكّل عبئاً كبيراً على موارد الدولة، بينما تستربح فئات متنفذة من ظاهرة الفري فيزا المتفشية في البلاد، مع انتشار ظاهرة الفساد والمحسوبية وضياع أملاك الدولة، ما يلحق أكبر الضرر بالاقتصاد وبتحقيق العدالة الاجتماعية.
الحديث عن العدالة الاجتماعية ليس ترفاً ولا مناكفة سياسية، ولكنه يهم قطاعات واسعة من أبناء الوطن، حيث تتسع رقعة الفقر ويتدنى مستوى المعيشة، حيث متوسط رواتب 70 في المئة من الموظفين في القطاع الخاص تقل عن مستوى الحد الأدنى لخط الفقر، كما يشير التجمع القومي. إلى جانب اتساع دائرة الفقر، مع وجود 90 ألف فرد من مجموع 700 ألف مواطن، يعتمدون على المعونات الاجتماعية. وفي موازاة ذلك ارتفاع حجم الدين العام الذي يستنزف جزءًا كبيراً من الموازنة، ويمثل أكبر خطرٍ على العدالة الاجتماعية بين الأجيال.
التجمع القومي الديمقراطي وضع النقاط المطلوبة على حروف العدالة الاجتماعية التي يبحث عنها البحرينيون منذ ثورة الغواصين قبل قرن.