المتحدثون في الندوة، من اليمين: حسن العالي، مقدم الندوة، عبدالنبي سلمان
طالب الأمين العام لجمعية التجمع القومي حسن العالي بتأسيس هيئة لمكافحة الفساد، وإعطاء دور أكبر للسلطة التشريعية في أداء دورها الرقابي، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني، لمكافحة تفشي ظاهرة الفساد، واقترح أن يتبع ديوان الرقابة المالية إلى السلطة التشريعية لمساعدتها في أداء مهامها الرقابية.
من جانبه، أكد الأمين العام لجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي عبدالنبي سلمان حاجة البحرين إلى إدارات كفوءة في أجهزة ووزارات الدولة لمكافحة الفساد وخصوصاً في ظل تضاعف المديونية العامة للدولة والعجوزات، الأمر الذي سيؤدي إلى هروب الاستثمارات الاقتصادية من البلاد.
جاء ذلك خلال ندوة نظمتها جمعية التجمع القومي مساء أمس الأول (الإثنين) بشأن تقرير ديوان الرقابة المالية وبنية الفساد في البحرين، تحدث فيها الأمين العام للتجمع القومي حسن العالي، والأمين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي عبدالنبي سلمان.
وفي بداية الندوة، استعرض سلمان ما تضمنه تقرير ديوان الرقابة المالية من مخالفات إدارية ومالية، كما تحدث عن الأرقام التي تضمنها التقرير والتي تكشف عجوزات الدولة، مشيراً إلى بعض الفروقات بين الأرقام المعتمدة في تقرير ديوان الرقابة المالية وفي الموازنة.
وقال سلمان في هذا الجانب: «إن إيرادات استثمارات الدولة تراجعت من 74.5 مليون دينار إلى 17 مليون فقط، فيما لم يسأل أحد لماذا تتراجع الاستثمارات خلال عام واحد والموازنة لعامين بهذا الرقم المخيف، ومن يبرر هذه الأرقام المتراجعة والمرتفعة أحياناً؟».
لافتاً إلى أن «مصروفات المشاريع التي اعتمدت في العام 2013 كانت 884 مليون دينار، بينما الفعلي كان 476 مليوناً».
وأضاف «يشير التقرير إلى أن الدين العام ارتفع خلال عام واحد بقدر مليار ونصف، في حين أننا عندما كنا في برلمان العام 2006 عملنا على تخفيض الدين العام من مليار ونصف إلى 856 مليون»، متسائلاً: «من الذي يستطيع أن يقنعنا في أن يصل الدين العام إلى أكثر من 5 مليارات دينار ولماذا؟».
وتابع: «نريد تفسير من الجهات المسئولة أين هي أوجه الصرف؟ ولماذا تمت الاستدانة وعلى أي شروط؟ وهل هناك مبررات فعلية لأن يصل الدين العام إلى هذا القدر الكبير؟ وخصوصاً أننا دولة صغيرة؛ وباعتراف تقرير ديوان الرقابة فإن ما نسبته 44 في المئة من الناتج الإجمالي يمثله الدين العام».
واستطرد سلمان «وزارة المالية دائماً ما تقول إن البحرين لم تتجاوز السقف العالمي المصرح به وهو بلوغ الدين العام ما نسبته 60 في المئة، فهل علينا أن ننتظر ليرتفع الدين العام لأكثر من 60 في المئة لأننا لم نتجاوز الدين العالمي؟ والسؤال لماذا نستدين ونحن نعتمد على المساعدات الخليجية؟ لماذا تقبل الحكومة ومجلس النواب والمجتمع أن نحمل الأجيال المقبلة هذه التبعات التي لن تُحل أو تشطب بجرة قلم؟ فهناك ملياران ونصف مستدانة من بنوك محلية والنصف الآخر من مؤسسات مالية خارجية».
وبحسب سلمان فإنه «تُفرض علينا سنوياً تبعات الدين العام وكلفته التي تزيد على 250 مليون يورو، وكل هذا يكون على حساب المواطن، فلماذا يبلغ حجم الاستدانة بهذا الرقم الكبير والمهول؟».
وأشار سلمان إلى أن «تقرير ديوان الرقابة المالية يفيد أنه لا يوجد قانون في البحرين ينظم الدين العام، ولا يوجد سقف قانوني للدين العام في البحرين، أو تعريف واضح لمفهوم الدين العام، وهو أمرٌ صحيح، ونظراً لهذه الأمور نجد أن الاستدانة من دون مبررات موضوعية، يؤثر على التصنيف الائتماني للدولة، وبالتالي زيادة الفوائد المترتبة على القروض، وهي أمور يتحملها المواطن عندما تتحمل الدولة».
وأوضح سلمان أن «وزارات الدولة تعجز عن تنفيذ مشاريع طالما طلبتها في الموازنة، فنجد أن ما نسبته 44 في المئة من موازنات الحكومة لم تصرف ما يعكس عدم وجود تخطيط، وعدم وجود تواريخ لتنفيذ المشاريع المطلوبة».
وقال: «إن عدم تنفيذ المشاريع ينعكس سلباً على الموازنات المقبلة، وذلك لارتفاع كلفة المشاريع في الأعوام المقبلة، ومن يتحمل الكلفة المضاعفة هو المواطن والدولة، وعليه على مجلس النواب عدم السكوت عن الأرقام التي تتكرر عاماً بعد عام ويتحمل فيها المواطن كلفة المشاريع».
مستشهداً في هذا الصدد بإنشاء جسر سترة، إذ أفاد: «لقد أقررنا مشروع جسر سترة بكلفة 74 مليون دينار، ولأن الجهة المسئولة تأخرت عن تشييده لمدة سنتين، ارتفعت الكلفة إلى 150 مليون، وبهذه الكيفية علينا أن نتصور حجم المشاريع التي يتم تأجيلها وبالتالي ارتفاع كلفتها على حساب خدمات أخرى كالسكن والتعليم والصحة والغذاء وغيرها».
ومن ضمن حديثه عن المخالفات الإدارية والمالية التي تضمنها تقرير ديوان الرقابة المالية، أشار الأمين العام لجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي عبدالنبي سلمان إلى أن «جهات الحكومية وشركة مديونة لـ «بابكو» بمبلغ 205 ملايين دينار، وهذا الرقم يتضاعف، فقد تحدثت عن مديونية شركة لبابكو بمبلغ 90 مليون دينار فقط خلال العام الماضي، وخلال هذا العام وصل المبلغ إلى 175 مليون دينار».
متسائلاً: «لماذا يتم السكوت على هذه المبالغ؟ هل نعتبر «بابكو» شركة وطنية مربحة تدرّ عوائد حقيقية على الاقتصاد أم أن هناك خسائر»، معتقداً أنه «يصعب استرجاع هذه المبالغ نظراً للوضع المالي الذي تعيشه الشركة، وعلينا أن نقر أن شركة بابكو التي تعتبر المورد الأساس للبحرين والرافد الحقيقي للاقتصاد الوطني تخسر».
وتطرق سلمان إلى ما تتضمنه ردود وزارة المالية بشأن بعض المخالفات المتمثلة في مراسلة الجهات المعنية وعدم الحصول على رد، مشيراً إلى عدم فصل حسابات شركة بابكو عن حسابات وزارة المالية رغم المطالبة بذلك منذ 10 سنوات.
واستقرأ سلمان بعض العناوين التي حواها تقرير ديوان الرقابة المالية، ومنها: «المواصلات تتباطأ في تحصيل ديونها من شركات طيران بقيمة 8.8 ملايين دينار، ومليون و920 ألف قيمة مكاتب حقوق الإنسان، وهي مكاتب لم تستغل، ووزارة الثقافة تبرم عقوداً مع مكاتب هندسية غير مرخصة وتقدم معلومات مغلوطة لمجلس المناقصات – وهذا بحسب التقرير – وهي مخالفات تتكرر عن وزارات وجهات حكومية كثيرة تتجاوز قانون المناقصات، الصحة تشهد نقصاً للكوادر الطبية والتمريضية، و14جهة حكومية لا تعترف بقانون المناقصات، وعجوزات في الأوقاف الجعفرية والسنية بالملايين، فيما نقرأ اليوم عن وجود مكافآت لأعضاء مجلس الإدارة تصل إلى 8 آلاف دينار، وألبا تلجأ للتوظيف دون الإعلان في الصحافة، بينما رد الشركة أن ذلك يحدث لتفادي ما حدث خلال العام 2011، ولوجود وظائف حساسة، وبناغاز تخسر 96 مليون دولار خسائر بسبب تطوير الغاز المصاحب».
وانتهى بالقول: «أعتقد أن الوضع يحتاج لمعالجة تتجاوز كل الكلام الإنشائي، فنحن نحتاج إلى إدارات كفوءة في أجهزة ووزارات الدولة للقدرة على مواجهة الفساد، وإلا ستتضاعف مديونية الدولة وعجوزاتها وتفشل المشاريع وتهرب الاستثمارات، وبالتالي التبعات ستتحملها الأجيال المقبلة».
بعدها تحدث الأمين العام لجمعية التجمع القومي حسن العالي، موضحاً أن للفساد أوجه عدة فمنه الفساد المالي والإداري والسياسي، مشيراً إلى ما لاحظه من «اتساع رقعة الفساد من خلال تعدد الأجهزة التي يتم اكتشاف الفساد فيها بدلاً من مقاومته؛ بل إن الفساد طال حتى المؤسسات التي أوجدت بعد المشروع الإصلاحي والتي أوجدت أساساً لمكافحة الفساد».
وتطرق العالي إلى ما أسماه الفساد السياسي، معتبراً «التوظيف دون إعلان في الصحف، ونقل 150 موظفاً من أحد المعاهد وهم من طائفة معينة إلى أماكن مختلفة يعتبر فساداً سياسياً».
وأبدى العالي استغرابه من «ارتفاع الدين العام خلال سنة إلى مليار و190 مليون لإقامة مشاريع، في حين أن بعض المشاريع لم تمول أو تنفذ».
وبشأن أملاك الدولة، قال: «إننا لا نلمس أي شيء حول أملاك الدولة وأراضيها واستثماراتها».
وأرجع العالي بعض أسباب الفساد إلى «ضعف الصلاحيات الرقابية الممنوحة إلى مجلس النواب، فالجمعيات السياسية تطالب بتطوير الوضع الديمقراطي في البحرين، وإعطاء صلاحيات رقابية للبرلمان، فأحد أسباب تفشي ظاهرة الفساد هو عدم قدرة البرلمان على مواجهته والتصدي له، وضعف بنية مقاومة الفساد هو جزء من ضعف القدرة البرلمانية للتصدي للفساد والرقابة وغيرها من ملفات».
وأضاف «كما أن ضعف البينة التشريعية له دور، فغياب قانون لمكافحة الفساد في البحرين، والحاجة إلى هيئة لمكافحة الفساد يتم عبرها عمل إبراءات الذمة»، مشيراً إلى أن «لدينا قانون إبراء الذمة منذ العام 2010، إلا أنه لم يتم تطبيقه لحد اليوم، وما سمعناه أن القضاة هم الذين بدأوا بإجراءات إبراء الذمة، وكأن القضاة هم من يمكلون الأموال. يفترض وجود هيئة لمكافحة الفساد تشرف على إبراءات الذمة، ولديها صلاحية التحريات وحجز الأموال والمقاضاة والمحاسبة».
وأردف العالي: «طالبنا سابقاً ومازلنا نطالب بأن يتبع ديوان الرقابة المالية بمجلس النواب، وأسباب المطالبة هي أن الديوان عندما يكون تحت مظلة مجلس النواب يكون تحت حماية المجلس وليس تحت حماية السلطة، وهذا الأمر يعطيه قوةً لممارسة صلاحياته، كما أن التقرير الذي يعده ديوان الرقابة من الممكن لمجلس النواب أن يعيد هيكليته وأن يسمي الأشياء بمسمياتها، إضافة إلى التغيير في منهجية التقرير وتفاصيله وتبويبه، وأمور الضبط القضائي والإحالة إلى النيابة العامة والمحاكم، كذلك صلاحية تكليف الديوان بعمل تحقيقات وتقارير غير التقرير السنوي».
وبحسب رأي العالي فإن «قانون براءة الذمة أفرغ من كثير من الصلاحيات، مطالباً بتطبيق ما هو موجود في دولة الكويت الشقيقة، وأن يكون تحت إشراف هيئة قضائية».
وانتقد العالي «عدم وجود قانون حق الوصول للمعلومات، فمؤسسات المجتمع المدني تحرم من ممارسة دورها الرقابي، وتحرم من إعطاء المعلومات، ولا يوجد قانون يكفل هذه الحماية، في حين أن وجود قانون حق الوصول للمعلومات له دورٌ كبير في تعزيز البينة التشريعية لمكافحة الفساد».
وطالب بتشريع قانون ما أسماه «حماية كاشفي الفساد»، متسائلاً: «من يضمن سلامة وحماية من يتحدث عن الفساد؟ كل هذه ثغرات في البنية التشريعية تسمح بتفشي ظاهرة الفساد، إضافة إلى صعف البنية المؤسساتية، المتمثلة في عدم وجود أي استراتيجية لمكافحة الفساد، غير وحدة مكافحة الجرائم الاقتصادية التابعة لوزارة الداخلية».
واعتبر العالي أن «التمييز في التوظيف يعتبر جزءاً من تفشي ظاهرة الفساد، عندما لا يتم التوظيف عن طريق الكفاءة أو الخبرة ويتم عن طريق الولاءات».
وأكد المتحدث أن «لمؤسسات المجتمع المدني دوراً بارزاً في الرقابة، ففي ظل غياب وإضعاف دور مؤسسات المجتمع المدني وملاحقتها، فإن ذلك حتماً سيؤدي إلى إضعاف الرقابة الشعبية ويساهم في تفشي الظاهرة بشكل أكبر».
واختتم الأمين العام للتجمع القومي حسن العالي حديثه، قائلاً: «في ظل غياب الرقابة وضعف صلاحيات التشريع تتفاقم أزمة الفساد، والحل هو تعزيز الصلاحيات التشريعية والديمقراطية والرقابية للبرلمان».
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4519 – الأربعاء 21 يناير 2015م الموافق 30 ربيع الاول 1436هـ