جمال محمد تقي
منذ انتهاء الحرب العراقية الايرانية عام 1988 وحتى الان وتعاشق المخططات الامريكية الصهيونية الايرانية العلنية والسرية للاطاحة بطائر العنقاء العراقي ، الجيش العراقي ، لم يتوقف !
كانت مسلسلات حروب الخليج الاولى والثانية والثالثة والتي توجت بحل الجيش العراقي والنيل من حاضنته الوطنية لا تستهدف اخضاع العراق وارادته والتحكم بثرواته فقط ، وانما قطع الطريق امام اي انبعاث جديد لطائر العنقاء من رماد الارض المحروقة ، لذلك نجد ان مشروع تقسيم العراق الى مكونات حاضنة لخصخصة الجيوش وبعقائد مفصلة على مقاسات التقسيم الشيعي الكردي السني ، اصبحت تميمة للمستخلفين على حكم العراق ، وهي وعلى مدى 11 عاما مضت شكلت جوهر غير معلن لكل ممارساتهم والتي من خلالها فقط يتم التعرف على حقيقة نواياهم المشبعة بروح القسمة الطائفية والاثنية !
لم يعد العراق واحدا ، ولم يعد مستقلا ، برغم كل المزاعم القائلة بعودة السيادة والعودة الكاريكاتيرية للجيش العراقي ، وبرغم كل رتوش العملية السياسية التي تدور بساقية لا تصب الا بطاحونة التقسيم المبرر بدواع الواقع المزري الذي صنعوه بانفسهم!
الجيش البريمري الذي تشكل بعد احتلال العراق عام 2003 سمح بدمج الميليشيات الطائفية الشيعية التابعة لايران فيه واصبح بعد تطعيمه بواجهات كردية وسنية خيال مآتى يغطي على الدور المنبوذ والبربري للقوات الامريكية بوجه المقاومة العراقية وكل الرافضين للاحتلال ومن جاء بهم ، هذا الدور الذي يعكس حقيقة دور الحكم في بغداد .
كانت نوات هذا الجيش فرقة الاستخباريين المدربين في معسكرات اسرائيل وقواعد الناتو في اوروبا وواشنطن واغلبهم من المرتزقة العراقيين الذين جرى ترشيحهم من قبل مايسمى باحزاب المعارضة حينها ، ومن ثم دعموا باعداد جديدة من المتعاونين داخل العراق ، من الذين باعوا عقيدتهم العسكرية الوطنية واستبدلوها بالعسكرية الامريكية معتبرين اياها المثل الاعلى في المهنية ، لتتشكل منهم فرق سوات والفرقة الخاصة الذهبية !
بعد انسحاب الجيش الامريكي من العراق عام 2011 ، اصبح تعداد القوات المسلحة النظامية من جيش وشرطة وقوات امن واستخبارات وحماية منشآة مايقارب 650 الف منهم 300 الف عسكري تابع لوزارة الدفاع مقسمين الى 17 فرقة غالبيتها تعمل تحت قيادة القوات البرية وعدد قليل منها يعمل تحت قيادة القوات البحرية والجوية ، 350 الف عنصر تابع لوزارة الداخلية والاستخبارات والامن الوطني مقسمين على اغلب المحافظات العراقية وخاصة بغداد والمناطق الساخنة !
بمقارنة بسيطة بين الجيشين الحالي والسابق نتلمس حجم الخراب الذي حل بالعراق ، كمنظومة متكاملة ، دولة ودور وحجم وعقيدة وعرف واجهزة واداء ، القوات المسلحة الحالية لا تقل عددا عن القوات المسلحة السابقة اذا لم تزد عليها ، لكنها قوات لا تتمتع باي نوعية معيارية ، فهي كميا منفوخة حد التخمة ونوعيا فقيرة فقر الدم ، القوات المسلحة السابقة كانت تمتاز بالتخصص واحيانا بالاكتفاء الذاتي لانها تصنع ما يمكن تصنيعه من معداتها فهي قوية بخبراتها وبمعداتها المصنعة وطنيا كقوة عقيدتها القتالية الوطنية ، وهيئة التصنيع العسكري شاهد على ذلك ، اما القوات الحالية فهي لا تجيد حتى استخدام السلاح الذي تحمله ، كان للقوات السابقة اكبر جهاز هندسي نوعي يشهد له الاعداء قبل الاصدقاء وحقق ملاحم بطولية تصلح لتكون مادة ينهل منها طلاب الاركان ، اما الجيش الحالي فهو لا يصلح لهندسة ساحة واحدة من ساحات المعارك الصغيرة انه لا يصلح حتى في لعب دورشرطي المرور داخل المدن المكتضة ، كانت القوات البرية والجوية والبحرية والصاروخية متكافئة بمعنى التكامل النوعي ، اما القوات الحالية فهي في اغلبها قوات للمشاة والمدرعات الغير مقاتلة والمستأسدة على المدنيين داخل المدن اما خارجها فان عناصرها يدفعون الاتاوات للانتقال الى داخل المدن او دفع نصف مرتباتهم لامريهم مقابل عدم الالتحاق بوحداتهم ، خاصة في المناطق الساخنة ، لم تكن هناك اي شبهة فساد في تسليح وتمويل الجيش السابق الذي خاض معارك كبرى وبكل انواع الاسلحة ، وكانت ميزانيته اقل بكثير من ميزانيات الجيش الحالي الذي فاحت رائحة الفساد في كل ركن من اركانه عدة وعددا ومخصصات ، اما الصفقات المشبوهة فحدث ولا حرج حيث كلفت الخزينة العراقية المليارات من الدولارات المهدورة ، ولا عجب اذا قلنا ان ربع ميزانيات العراق الجديد تذهب للصرف على جيش قلبا وقالبا هو من ، الفضائيين ، اي الوهميين ، بوهمية الدولة الجديدة التي اقامها المحتل الامريكي بمعية ايران المتطلعة لحصة الاسد في تقاسم الكعكة العراقية ، وقبل كل ذلك والاهم منه ان الجيش السابق لم يكن طائفيا ولا اثنيا ، ولم يكن الانخراط فيه طلبا للرزق ، لان التجنيد له كان اجباريا ولكل فئات الشعب ، كان جيشا يحمي الوطن وكان يرابض على الحدود وليس جندرمة تحمي مناطق الحكام كما هو حال الجيش الحالي الذي لا تحمي نخبه غير المنطقة الخضراء !
الواقع الطائفي والاثني المختلق في عراق الروم والعجم اليوم جعل من الجيش الحالي عبارة عن فصائل ميليشياوية رسمية تعمل تحت يافطة اسمها الجيش العراقي ، هناك جيش كردي مستقل تماما ويبلغ تعداده 150 الفا من العناصر التي لا عقيدة لها سوى اقامة الوطن القومي للكرد ، وهناك اكثر من عشرة ميليشيات شيعية كبيرة منظوية تحت مسمى الحشد الشيعي يقدرعدد عناصرها بحوالي 170 الف عنصر وتمول من قبل الدولة وبدعم ايراني صارخ يشهد له هادي العامري الذي يفخر بصحبة قاسم سليماني في قيادة معارك الحشد الشيعي والذي يعتبر كل سني مشروعا لولادة داعشية جديدة ، فيحمله خوفه المرضي هذا الى حملات من التطهير الطائفي لرسم حدود ربما تكون حد السكين في مشروع الدولة الشيعية القادمة ، من قم الى كربلاء ، مرورا ببعقوبة والبصرة وبغداد بحجة حماية المقدسات الشيعية من المتمردين السنة ، اما الصحوات وميليشيات العشائر السنية فهي تؤطر حاليا لتكوين جيش سني يحمي ابناء المكون ، ولهذا الغرض يدرس حاليا مشروع قانون الحرس الوطني الذي يشرعن تلك التكوينات الطائفية والاثنية المسلحة ، البيشمركة والحشد الشيعي والحشد السني باطار قانوني يغطي على الخلفية التقسيمية لهذا الواقع المسلح بكل شيء الا عقيدة حماية العراق من المتربصين به في الداخل والخارج ، ويبقى خيال الظل للجيش الحالي الذي يسمى بالجيش الاتحادي باقيا مع شيء من المقبلات ليهضم على انه جيش للدولة العراقية التي لم يبقى لها وجود حقيقي الا في المنطقة الخضراء !
جيش ينهزم امام عصابات بدائية من مثل داعش ، ويتضح ان اكثر من نصفه قد ترك مواقعه قبل بدأ المعركة لا يستحق ان يسمى بجيش عراقي ، جيش لا يصلح منه للقتال غير بضعة الاف لا يستحق حمل هذا الاسم الذي خلده جيش البطولات والملاحم جيش معارك فلسطين وحرب اكتوبر والقادسية، جيش كان شوكة بعين المتربصين من الروم والعجم ، شتان مابين جيش طائر العنقاء العراقي ، مابين جيش هو سور للوطن ، وجيش هو قناع يلبسه اعداء هذا السور!