منصور الجمري
التلوينُ الطائفي لما يجري من أحداث خطيرٌ جداً، وهو إن انتفع منه طرفٌ ما في حقبة زمنية معيّنة، وفي مساحة جغرافية محددة، فإنه غير مضمون النجاح مع تغيُّر العوامل وتداخل الظروف الزمانية والمكانية. مثلاً، نجد أن هناك خطابين منفصلين، ومتناقضين لفحوى وتفاصيل ما يجري أمامنا منذ مطلع العام 2011. وبالتالي، فإنه وحتى المتطلبات الأساسية للتفاهم تختفي؛ لأن المصطلحات والتعبيرات والمعاني والمفردات مختلفة، وتلك التي تتشابه لها مدلولات مختلفة، ومتباعدة، أو حتى متناقضة.
فلو أخذنا مصطلحَيّ الشارع، والشعب، وغيرهما، فإن الحديث المتشابه عن مطالب الشارع أو الشعب لا يعني شيئاً، إذا علمنا أن كلَّ خطاب ينفي وجود الآخر. وحتى الضحايا، فإن التطرق إلى أعدادها مختلف؛ لأن كلَّ خطاب يتحدث عن أمر مختلف، ولا يترحم على الآخر ولا يشمله في حديثه. هذا التلوين المباشر وغير المباشر قد ينفع في تحقيق أهداف آنية، ولربما يُشبع – لفترة زمنية – مطالب جانب على حساب الآخر، ولكننا نعيش في عالم متداخل، وعدم لمِّ الشمل على مستوى الداخل يفتح المجال واسعاً لما يجري في الساحات الأخرى، حيث تلعب التجاذبات السياسية دورها في الحروب والأزمات المشتعلة من حولنا.
ليس هناك طريق مختصر لمعالجة قضايانا إلا من خلال الاعتراف بالقيمة السياسية المتساوية لجميع من يعيشون في بلد واحد، والابتعاد عن الصيغ التي تجعل هذا الطرف أو ذاك يشعر وكأن الأمر لا يعنيه في شيء، أو كأنه مستهدف في أمنه الحياتي ومستقبله في بلاده. إننا بحاجة إلى أن نعيَ جميعنا بأن الخطابات الطائفية تنتج مسارات تزرع الأحقاد وتفتت المجتمعات ولا تحفظ لأيِّ وطن أمناً أو استقراراً، مهما كانت الإجراءات المتبعة للحد من ذلك.
لكل مشكلة جذور، وأيُّ حَلٍّ يُغفل الجذور إنما يدور في حلقة مفرغة من دون نتيجة، والتأصيل لأيِّ خطاب يستثني «الآخر» من حساباته يجد نفسه مضطراً للاعتماد على الأقاويل غير الثابتة وعلى الخرافات والمغالطات، واختزال الأوضاع في سياقات لا تنتهي بخير لأحد. إن ما رأيناه من تلوين طائفي مباشر أو غير مباشر، قد ينفع هذا الطرف أو ذاك في جانب بصورة مؤقتة، ولكنه يضر بوحدة الأوطان وتجانس المجتمعات على المدى البعيد.