هاني الفردان
مر على صدور تقرير ديوان الرقابة المالية أكثر من عشر سنوات، ويأتي تقرير هذا العام (تقرير 2013) في نسخته الحادية عشرة (من العام 2003 وحتى الآن) ونحن نشهد كل عام جملة من «المفاسد» المالية والإدارية في مختلف المؤسسات الرسمية.
يأتي تقرير هذا العام بمستوى منخفض قليلاً عن الأعوام الماضية، في كمِّ «الفضائح» والتلاعبات المالية، والتجاوزات الإدارية، إلا أنه لا يمكن التقليل منها أبداً، ولا يمكن التجاوز عنها، أو إغفالها وغضّ البصر عنها. فالفساد فساد، كبر شأنه أم صغر، سواءً كانت بسرقة دينار واحد من أموال أمة أو بهدر ملايين منها.
يأتي التقرير الجديد ليضيف لخزينة الانتقادات العامة ملفاً جديداً، يؤكد استمرار جهات رسمية على النهج ذاته من الأداء والتقصير والتخبط والضعف الحكومي، وفي أحيان ليست قليلة بل كثيرة تلاعب وفساد (عيني عينك)، ودون استحياء أو خجل أو حتى خوف من تقرير رقابي قد يكشف ذلك! فليس خافياً على أحد تكرار المشاهد ذاتها، والتجاوزات والملاحظات ذاتها في التقارير المتعاقبة ومن الجهات ذاتها، ولسان حالهم يقول: «قل ما تريد وسنفعل ما نشاء»!
أجمعت الصحف المحلية الصادرة يوم أمس على موقف واحد بعد نشرها تفاصيل «تقرير الرقابة المالية والإدارية»، وهي هدر السلطة «ملايين الدنانير وتحايل واسع من قبل جهات حكومية على القوانين»!، كما ذهبت صحف للحديث عن «تبديد المال العام مع تمدد الدين العام»، وجاء عنوان آخر «الهدر المالي والفساد الإداري يتواصلان».
ومع كل ذلك فإن الحكومة، وكعادتها القديمة في كل عام بعد صدور التقرير، تنحو للحديث عن المحاسبة، وإحالة المقصرين إلى لجان تحقيق ونيابة عامة، وتصحيح «مكامن الخلل والقصور»!
منذ أحد عشر عاماً، وحتى يومنا هذا لم يقدّم وزير واحد إلى محاكمة، ولم يحاسب مسئول رفيع، عن مجمل الفساد المالي والإداري التي لا تتوقف كل عام، فلماذا يخاف أي مسئول أو وزير من تقرير ديوان الرقابة المالية؟ وهو متأكد بأن هذا التقرير لن يكون شيئاً يذكر سوى ليوم واحد سينشر عبر الصحف، ومع كمٍّ كبير جداً من الفضائح والتجاوزات في مختلف المؤسسات من شأنها أن تضيع بعضها البعض.
لماذا سيخاف مسئول من التقرير؟ إذا ما جزمنا أنه طوال السنوات الإحدى عشرة الماضية لم يُحاسب أي مسئول أو وزير على أي فساد في مؤسسته أو وزارته، مع عجز المجلس النيابي عن البحث في غمار هذه القضايا سوى في حالات بسيطة وعلى استحياء، مع تهديدات فارغة وصراخ أجوف ووعيد للاستهلاك الإعلامي اليومي غير منقطع النظير، بينما من وراء الكواليس «سمعاً وطاعة»!
إذاً، لماذا يخاف المسئول أو الوزير؟ ولماذا يتوقف أو حتى يصلح من أداء مؤسسته أو وزارته؟ إذا أيقن بأن هذا التقرير كتب فقط ليضم للتقارير السابقة في مكتبة الدولة ليكون علامة بارزة على نهج الشفافية والرقابة الإدارية والمالية، وليوزع بغلافه المخملي، وطبعته الراقية في المناسبات الوطنية والمحافل الدولية!
تقرير هذا العام لم يُشِر لشيء يثير قلق الحكومة يستوجب منها المحاسبة الحقيقية، ولم يأتِ بجديد لم تذكره تقارير الرقابة السابقة، وكما هي العادة فإن المؤسسات الرسمية في الدولة تتعامل وفق سياسة «البخل» في تنفيذ المشاريع التي من شأنها أن تعسر على المواطنين، فقد أضاعت الحكومة 372 مليون دينار كانت مخصّصة للمشاريع في 2013! وهو «بخل» يستوجب الوزير الشكر عليه!
ماذا يعني أن تعين مؤسسات رسمية أشخاصاً غير مؤهلين، وأن ترسي وزارة مناقصةً ضخمةً بلا مناقصة (14 جهة حكومية مستمرة في عدم الاعتراف بقانون المناقصات)! فيما زادت هيئة حكومية رواتب مسئوليها بقرارات غير مدروسة. وماذا يعني أن ديوان الرقابة يؤكد على أنه منذ عشر سنوات يوصي بفصل حسابات «بابكو» عن وزارة المالية، ولم تنفّذ الحكومة بعد هذه التوصيات، رغم تصريحاتها المتكررة كل عام بالتزامها بالتنفيذ!
وماذا يعني أن مدير «المنامة عاصمة الثقافية» يرسي المشروع على شركته الخاصة؟ وماذا يعني أن تصرف مكافآت من قبل «الأوقاف الجعفرية» لمؤذّنين موتى! وماذا يعني؟ وماذا يعني…
قائمة الفساد والتلاعب المالي والإداري طويلة جداً، لم تتسع لها صفحات تقرير ديوان الرقابة المالية، وبعض هذه التجاوزات أصبحت شبه متكررة في كل التقارير كل عام، بلا تغيير، وبلا خوف. وكما هو معتاد في كل عام، ستوجّه الحكومة الوزارات والمؤسسات في بيان رسمي «مكرّر ورتيب»، إلى «تنفيذ التوصيات الواردة في التقرير، وإعداد تقرير مفصل بشأنها يرفع إلى المجلس»، وكان الله غفوراً رحيماً، لتسدل الستار على التقرير كما يحدث كل عام!
لا أحد معنيٌ بقضايا الفساد المالي والإداري في البحرين، ولا مسئولين يمكن محاسبتهم، ولم ولن يتم إقالة أو تغيير وزير بسبب ذلك الفساد، كون الفساد الموجود في مؤسسات الدولة الرسمية والشركات والهيئات التابعة لها يسقط من السماء.