منصور الجمري
شهدت قمة مجلس التعاون الخليجي في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2014 إصدار الإعلان الخليجي لحقوق الإنسان، والذي تألف من 47 مادة. وكما أشار أستاذ العلوم السياسية الكويتي غانم النجار، فإن الإعلان تضمن إشارات مهمة، البعض منها إيجابي ومُرحَّب به؛ لأنه حسم «قضايا خلافية ومثيرة للجدل في علاقة شد وجذب بين المنظومة الخليجية وبين المنظومة الحقوقية العالمية لمصلحة الأخيرة، حيث أكدت الديباجة التزامها بما ورد في ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والميثاق العربي لحقوق الإنسان، وإعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام، والمواثيق والاتفاقيات الدولية والإقليمية ذات الصلة».
غير أن الإعلان الخليجي اشترط أن تكون هذه الحقوق وفق القانون أو النظام المعمول به في دول الخليج، وبمعنى آخر فإنه متناقض. فمن جانب يؤكد هذا الإعلان على التزامه بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة في 1948، ولكنه في الوقت ذاته يشترط ربطه بالقانون أو النظام، وهذه الشروط غير محددة ومطاطة، ويمكنها أن تسحب الحقوق وتحولها إلى لا شيء في نهاية المطاف.
هذه الإشكالية جوهرية، إذ إن هناك من يطرح بأن تطبيق القانون هو الأساس، بغضّ النظر فيما إذا كان القانون ملتزماً بالحقوق الجوهرية للإنسان أم لا. أمّا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فينطلق من مبدأ أن الحقوق تسبق القانون وأن على القانون الالتزام بالحقوق، وليس العكس. الإعلان العالمي يؤمن، مثلاً، بأن جميع الأشخاص، بغضّ النظر عن انتماءاتهم وأصلهم ولونهم ونوعهم، جميعهم لهم حقوق متساوية، وأن الحكومات مسئولة عن حماية هذه الحقوق والعمل بها كواقع ملموس، وأن تلتزم جميع القوانين بهذه الحقوق نصّاً وجوهراً والتزاماً فعلياً. الإعلان العالمي يعتبر، مثلاً أن المساواة أمام القانون وفي الفرص المتاحة وعدم تعرض أي شخص للإهانة والتعذيب ومختلف أنواع الانتهاكات، وغيرها، وإفساح المجال للمشاركة في صنع القرار الوطني، إلخ، جميعها حقوق متأصلة في طبيعة الإنسان نفسه، وهي غير قابلة للتنازل عنها أو التعدي عليها تحت أي مبرر كان.
وبمعنى آخر، فإن الحكومات ليس لها حق التصرف بهذه الحقوق وفقاً للقانون أو النظام، وإنما يجب تغيير القوانين وضبط الأنظمة والتشريعات لضمان العمل بهذه الحقوق على أرض الواقع، وأنه لا يمكن المساس بأيٍّ من الحقوق الأساسية أو تجاوزها تحت أيِّ عذر كان.
ورغم أن الإعلان الخليجي يُعتبَر خطوة إلى الأمام، فإن الفكر الحقوقي العالمي يُعتبر غريباً على أفكار تنتشر في منطقتنا تؤمن بالغلبة وتكسير الرؤوس أو قطعها وحسم الخلاف مع الآخرين عبر إسقاط حقوقهم الإنسانية والتصرف بمجمل الحقوق عبر ممارسات لا تمُتُّ للعصر الذي نعيشه حالياً بصلة. إن ثقافة حقوق الإنسان تتطلب نقلة نوعية في طبيعة التفكير نحو التعايش مع الآخر واحترام الإنسان، كل الإنسان، بغضّ النظر عن أيّة اعتبارات لا تستقيم مع الضمير الإنساني.