عبدالنبي العكري
فوجئ الرأي العام الخليجي بإصدار مجلس التعاون الخليجي في قمة الدوحة الأخيرة، 9 ديسمبر/ كانون الأول 2014، الإعلان الخليجي لحقوق الإنسان.
ومصدر المفاجأة هو أن المجلس كان غارقاً في خلافات بين محاوره المختلفة، ما هدّد بإلغاء القمة أصلاً، والسبب الثاني هو أن اهتمام المجلس على امتداد العام هو تصديق الأعضاء على الاتفاقية الأمنية الموحّدة لمكافحة «الإرهاب»، حيث تعثرت في الكويت بسبب معارضة مجلس الأمة. أما السبب الثالث فيعود إلى أن المجالس التشريعية بمختلف تلاوينها، ومنظمات المجتمع المدني وخصوصاً جمعيات حقوق الإنسان على ندرتها، وجمعيات المحامين، لم تكن على علمٍ بها ولم تستشر أبدا في صياغتها.
تكمن المفارقة في أن مجلس التعاون الخليجي أصدر «الإعلان الخليجي الحقوق الإنسان» بشكل مباغت، في الوقت الذي كانت تفعل فيه الاتفاقية الأمنية الموحدة، إلى جانب تشديد التشريعات العقابية لممارسة الحقوق والحريات، المعترف بها في دساتير هذه الدول والاتفاقيات والعهود الدولية لحقوق الإنسان.
كما أن هذا العام شهد أوسع الحملات والهجمات على هذه الحريات والحقوق، بما في ذلك القتل والتعذيب حتى الموت والاقتحامات عند الفجر، وإصدار الأحكام المشددة، وأخيراً نزع الجنسية عن المواطنين المعارضين والمحكومين فيما يُدعى «قضايا الإرهاب»، إلى جانب التعاون الأمني المحموم بين دول المجلس، بما في ذلك ملاحقة مواطنين خليجيين في بلدان خليجية أخرى، وتفعيل قوائم الممنوعين من دخول دول المجلس وتسليم المطلوبين من قبل دول المجلس فيما بينها، وكل ذلك يتم في تجاوز فاضح حتى لدساتير وقوانين هذه الدول، وبالطبع الشرعة الدولية والاتفاقيات والعهود الدولية التي انضمت إليها دول مجلس التعاون الخليجي.
الإعلان الخليجي في ظاهره جيدٌ نسبياً، ويتكون من ديباجة و47 مادة، وهو يدمج ما بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأمم المتحدة، لكنه يربط ممارسة جميع هذه الحقوق بعبارة «وفقاً للنظام (القانون)»، في حين أن معظم قوانين وأنظمة دول مجلس التعاون الخليجي تحرم أو تمنع أو تحد من هذه الحقوق والحريات وممارستها على صعيد الواقع. ومن ذلك على سبيل المثال حرية المعتقد، وحرية تشكيل الأحزاب والجمعيات، وحرية التعبير بمختلف وسائلها، وإصدار الصحف، وإنشاء الفضائيات، والتظاهر والتجمع والإضراب والعمل السياسي، والمشاركة في الحكم، والمساواة بغض النظر عن الأصل أو الجنس أو الديانة أو المذهب أو المعتقد أو الوضع الاجتماعي. بل إن سكان الخليج ممن يطلق عليهم مواطنون هم يعاملون في الحقيقة كرعايا، بدرجات متفاوتة، قاصرين عن ممارسة حقوقهم.
إصدار الإعلان الخليجي لحقوق الإنسان في 9 ديسمبر 2014، عشية اليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر، تزامن مع اعتقالات لنشطاء حقوقيين في عدد من دول المجلس، وإلى جانب هذه التجاوزات، شهدت المملكة العربية السعودية الشقيقة، هجمة دموية لتنظيم القاعدة، وحملات كراهية وتكفير وتسقيط من قبل التنظيمات الإسلاموية المتطرفة والطائفية.
مرةً أخرى، تبدو دول مجلس التعاون الخليجي، غير جادة في معالجة الانتهاكات لحقوق الإنسان، والانطلاق الفعلي لخلق بيئة مناسبة بما في ذلك مشروع إصلاحي حقيقي للانتقال إلى أنظمة دستورية ديمقراطية قائمة على مبادئ المواطنة المتساوية واحترام حقوق الإنسان، وكرامته، والمشاركة الشعبية الحقيقية.
إن من الثابت أن انتهاكات حقوق الإنسان تتفاقم في ظل الأنظمة الاستبدادية، وأن حقوق الإنسان تُصان وتزدهر في ظل الأنظمة الديمقراطية. ولذا فالجمع ما بين الإعلانات مثل الإعلان الخليجي لحقوق الإنسان، والميثاق العربي لحقوق الإنسان، والمؤسسات مثل المحكمة العربية لحقوق الإنسان واللجنة العربية لحقوق الإنسان، هي مجرد مبادرات علاقات عامة ولن يترتب عليها تغيير في نهج وسياسات الأنظمة أو مجلس التعاون أو الجامعة العربية، ولن يترتب عليها شيء إيجابي ذو أثر عميق وواسع، وسيطويها الزمن كما طوى غيرها من إعلانات رسمية في ذات السياق.
لكن ذلك لا يجعلنا متفرجين، فحتى استناداً لهذا الإعلان المقيّد، يمكننا محاججة الحكومات الخليجية ومجلس التعاون ذاته، مما يتطلب تكاتف المنظمات السياسية والمجتمعية والحقوقية والشخصيات الخليجية المعتبرة، لتشكل تحالفاً لرصد مدى تنفيذ بنود هذا الإعلان، ومراجعته دورياً.