د. غازي حسين
قضية القدس جزء لا يتجزأ من قضية فلسطين ولا تنفصل عن مشكلة الأراضي العربية المحتلة. ولكن للقدس أهمية خاصة نظراً لوجود أهم الأماكن الدينية المقدسة للمسيحية والإسلام في المدينة.
عالجت الأمم المتحدة قضية القدس بشكل مستقل عن قضية فلسطين، وذلك تحقيقاً لرغبة الفاتيكان والدول الكاثوليكية التي طالبت بالتدويل وللأطماع اليهودية في المدينة العربية وللضعف العربي.
وينطبق على قضية القدس ما ينطبق على قضية فلسطين من حيث عدم جواز اكتساب الأراضي بالغزو العسكري وحق تقرير المصير والانسحاب الشامل وحق العودة والتعويض، وعدم الاعتراف بالتغييرات الديموغرافية والجغرافية التي كرّسها الاحتلال.
إن القانون الدولي لا يقرّ ولا يعترف باستخدام القوة، والقيام بعدوان عسكري، والاستيلاء على الأراضي عن طريق الغزو العسكري، ونزع طابعها العربي، وتهويدها بقوة الاحتلال، وبتأييد الولايات المتحدة.
فالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة يحرّم استخدام الحروب كوسيلة للتوسع و الهيمنة وتسوية المنازعات الدولية، ويحرم ميثاق الأمم المتحدة التهديد بالقوة أو استخدامها في غير الصالح العام.
وينظم القانون الدولي واتفاقيات جنيف لعام 1949 صلاحيات سلطات الاحتلال إلى أن يزول الاحتلال وتعود السيادة العربية على القدس العربية، ويلزمها بعدم استغلال حالة الاحتلال غير الطبيعية أو إساءة استخدام سلطاتها. فالطبيعة المؤقتة للاحتلال تلزم المحتل بعدم القيام بإجراءات تغير المعالم الجغرافية أو الديمغرافية للإقليم المحتل، أو الشؤون الاقتصادية والقانونية والتعليمية والاجتماعية للإقليم، وتتنافى مع القيام بضم الإقليم المحتل ونقل السيادة عليه لدولة الاحتلال.
إن ضم القدس العربية، ونقل السيادة العربية إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي يتنافى وأحكام القانون الدولي العام و المواثيق الدولية التي تمنع الحروب، وتحرمها، وتعاقب عليها، وتلزم المعتدي الإسرائيلي بدفع التعويضات عن الخسائر التي ألحقها بالأرض، والمواطنين، والثروات خلال فترة الاحتلال.
وينظم ميثاق الأمم المتحدة في المادة الثانية والفصل السادس اللجوء إلى الوسائل السلمية لفضّ المنازعات الدولية. فضم القدس إجراء باطل وما بني على باطل فهو باطل، كما لا يجوز إطلاقاً تبرير الضم لأسباب ومزاعم وخرافات دينية توراتية وتلمودية، ولا يجوز إطلاقاً تبرير الضم نتيجة لحرب حزيران العدوانية التي أشعلها العدو الإسرائيلي خلافاً لمبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، وانتهاك فاضح لحق تقرير المصير لسكان القدس العرب.
أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار 2253 تاريخ 4/7/1967 ضم القدس والإجراءات التي من شانها تغيير وضع القدس.
واعتبرت أن جميع الإجراءات التي اتخذتها "إسرائيل" للاستيطان في الأراضي المحتلة بما في ذلك القدس المحتلة لاغية وباطلة.
وطالبت "إسرائيل" بالانسحاب الكامل من كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس وبدون شروط مع وجوب عدم المساس بالممتلكات، والمرافق، والالتزام بكافة قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالطابع التاريخي للمدينة.
القدس ومجلس الأمن الدولي
ينص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 تاريخ 22/11/1967 عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب، والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة. ويشمل القرار ضمناً مدينة القدس العربية.. واتخذ مجلس الأمن الدولي القرار 252 في 21/6/1967 الذي اعتبر أن جميع الإجراءات الإدارية و التشريعية وجميع الأعمال التي قامت بها "إسرائيل" بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك التي من شأنها أن تؤدّي إلى تغيير الوضع القانوني للقدس هي إجراءات باطلة ولا يمكن أن تغير وضع المدينة.ودعا القرار "إسرائيل" أن تلغي هذه الإجراءات وأن تمتنع فوراً عن القيام بأي عمل آخر من شأنه تغيير وضع القدس.
واتخذ المجلس القرار 267 في 3/7/1969، وأكد على ما جاء في قراره السابق رقم 252.وعلى اثر إحراق "إسرائيل" للمسجد الأقصى في 21/8/1969،اتخذ مجلس الأمن القرار رقم 271 في 15/9/1969 عبّر فيه عن الحزن لما لحق المسجد الأقصى، والخسارة التي لحقت بالثقافة الإنسانية. وأكد القرار على جميع قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن السابقة، وعلى مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالغزو العسكري، وطالب "إسرائيل" بالامتناع عن خرق القرارات السابقة، وإبطال جميع الإجراءات والأعمال التي اتخذتها لتغيير وضع القدس واعتبرها لاغيةً ولا تستند إلى شرعية قانونية. ودعا "إسرائيل" إلى إلغائها، وعدم اتخاذ أي خطوات أخرى في القدس المحتلة.
ووافق مجلس الأمن الدولي في 22/3/1979 على القرار 446 الذي اعتبر الاستيطان في الأراضي المحتلة عقبة في وجه السلام. وتضمن قرار مجلس الأمن الدولي 452 في 2/7/1979، الطلب من "إسرائيل" وقف النشاطات الاستيطانية في الأراضي المحتلة بما فيها القدس.
وأعلن مجلس الأمن في القرارين 465، 467 لعام 1980 بطلان الإجراءات التي اتخذتها "إسرائيل" لتغيير طابع القدس.
أكدت قرارات الشرعية الدولية على مبدأ عدم شرعية الاستيلاء على الأراضي بالقوة المسلحة، وعدم الاعتراف باحتلال "إسرائيل" للقدس العربية، و المطالبة بعدم تغيير الطابع التاريخي و الديموغرافي و الجغرافي للمدينة المقدسة. وصدر القراران 476 في 30/6/1980 و 478 في 20/8/1980 وأكدا بطلان وعدم شرعية تغيير وضع القدس العربية، وعدم الاعتراف بقانون ضم "إسرائيل" للقدس.
وصدر قرار مجلس الأمن رقم 672 في 12/10/1990 أي بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف التي وقعت في 8/10/1990 وأدان فيه أعمال العنف التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية ودعاها إلى التقيد حرفياً بالتزاماتها ومسؤولياتها التي توجبها اتفاقيات جنيف لعام 1949.
وشجبت الجمعية العامة في قرار اتخذته في 15/12/1994 قيام بعض الدول بنقل بعثاتها الدبلوماسية إلى القدس، وأكدت أن الإجراءات الإسرائيلية لتغيير وضع القدس باطلة وغير قانونية.
وأقرت الجمعية العامة في الرابع من كانون الأول 1995 أن كافة الإجراءات التشريعية والإدارية والتصرفات الصادرة عن "إسرائيل" وقوات الاحتلال والمؤدية إلى طمس أو تغيير هوية ونظام المدينة المقدسة وبصفة خاصة تلك المسماة بالقانون الأساس للقدس أو إعلان القدس عاصمة لإسرائيل هي إجراءات باطلة خالية من أية قيمة.
تتضمن قرارات الشرعية الدولية حول القدس ما يلي:
– وجوب الانسحاب من الأراضي التي احتلت عام 1967 بما فيها القدس الشرقية.
– إدانة إجراءات "إسرائيل" في القدس، وإلغاء جميع الإجراءات الإدارية والقانونية التي تمت وأثّرت على الوضع التاريخي للمدينة بما في ذلك مصادرة الأراضي والعقارات وترحيل المواطنين.
– إلغاء كل الإجراءات التي اتخذت لتغيير الوضع الجغرافي والديموغرافي والقانوني للقدس.
– تفكيك جميع المستعمرات اليهودية في القدس.
– السماح للنازحين العرب الفلسطينيين الذين نزحوا عام 1967 بالعودة إلى القدس.
بالرغم من قرارات مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة أعلنت "إسرائيل" ضمها للقدس في 30/7/1980، وأعلنت القدس الغربية التي احتلتها عام 1948 والقدس الشرقية التي احتلتها عام 1967 عاصمتها الموحدة والأبدية، وذلك بعد أن أكملت السيطرة على الأرض، وتهويدها، وإضعاف الوجود العربي الإسلامي والمسيحي فيها، وتفريغها من سكانها العرب، وتشجيع الاستيطان اليهودي فيها، وبالتالي قامت بعملية تطهير عرقي، وحسمت الوضع الديموغرافي للمدينة، ونجحت في استبعاد أي دور للأمم المتحدة في المدينة المقدسة. واستفردت بالقيادة والسلطة الفلسطينية لفرض الأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة.
إن قرارات الأمم المتحدة المستندة إلى الميثاق والعهود الدولية والقانون الدولي واضحة تمام الوضوح بخصوص القدس، وهي تعتبر أن القدس الشرقية جزءٌ لا يتجزأ من الأراضي العربية المحتلة في حرب حزيران العدوانية عام 1967. وتؤكد عدم شرعية الإجراءات الإسرائيلية التي غيرت الوضع الجغرافي والديموغرافي للمدينة العربية واعتبرتها لاغية وباطلة، كما اعتبرت تطبيق القوانين الإسرائيلية على القدس يمثّل انتهاكاً لاتفاقيات جنيف لعام 1949، وطالبت بإلغائها وتفكيك المستعمرات اليهودية.
وأكدت جميع قرارات مجلس الأمن أن القدس الشرقية محتلة وعدم جواز احتلال أراض بالقوة، وبطلان ضم القدس لإسرائيل، وعدم إجراء تغييرات على معالم المدينة، واعتبار الإجراءات التي نفّذتها أعمال عدوانية تعرض السلام للخطر.
ويعمل دهاقنة الاستعمار الاستيطاني اليهودي على ابتكار تسميات لتلطيف استعمارهم الوحشي مثل: تبادل الأراضي،تعديلات طفيفة على الحدود حفاظاً على أمن دولة اليهود، ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة، إلى أن طلع علينا نتنياهو مؤخراً وأعلن أن الضفة الغربية بما فيها القدس هي أرض الآباء والأجداد وليست محتلة.
إن التاريخ سيسجل تخاذل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وقادة الدول العربية الذين يقيمون العلاقات الدبلوماسية مع العدو الإسرائيلي ويعملون على تسويق مخططاته وتسويغ مواقفه، ويستقبلون قادته على موائدهم في شهر رمضان المبارك.
اثبت التاريخ البشري أن مصير الاستعمار والاستعمار الاستيطاني والنظم والأيديولوجيات العنصرية إلى الزوال.
زالت النازية من ألمانيا، والفاشية من إيطاليا، ونظام الاستعمار الاستيطاني الفرنسي من الجزائر، والنظام العنصري من روديسيا والبرتغال، ونظام الأبارتايد من جنوب إفريقيا.
وسيكون مصير كيان الاستعمار الاستيطاني اليهودي العنصري والإرهابي إلى الزوال.