يعقوب سيادي
البدء في أزمة البحرين، لم يكن في الانقسام الطائفي، كما يروّجه الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، بالحضّ على التشطير المجتمعي والفرقة المذهبية، من خلال تحريك عناصر وأفراد الموالاة، العلنية والسرية، وخصوصاً أولئك الذين أمرضتهم بفيروس الطائفية، والدينيين منهم خصوصاً، بالسماح لهم، والتغاضي عن سوءاتهم، بحجب القانون عن محاسبتهم وإفلاتهم من العقاب، في ممارساتهم الطائفية والتطاول على الآخر، طالما لم يخرج عن السيطرة، بما هو معهود عن شعب البحرين، وبجهوده ومآثره، من تآلف وتعايش بالتكامل، على الرغم من الانتماء المذهبي الاختياري، لأفراده ما بين سنة وشيعة. بل كانت أزمة البحرين في التمييز السياسي، ما بين موالٍ ومعارض، مدموجاً في العزلة والتمييز الطائفي المقصود، والمحاصصة فيه، ليفقد الفريقين قرار الاستقلال عن السلطات، بما يرعاه هاجس عدم الثقة التاريخي النفسي، لدى الطرف الرسمي قبالة الشعب بطوائفه.
وقد تم ذلك بالممارسة والتحريض والتشجيع، من خلال استغلال وسوء استخدام المقدرات والثروات والأجهزة العامة، والاستفراد بالقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والهيمنة على المؤسسات التشريعية والقضائية، وكذلك العقابية والحقوقية والقانونية، وإدارات البنى التحتية والخدمات.
وهكذا لم تُترك أية ناحية إلا وسُخّرت مواردها وأدواتها وأجهزتها المادية والبشرية، لممارسة التمييز، ولو أمكن لجعلت في البحرين، أسوار من الأسلاك الشائكة المكهربة، لترجمة سياسات التمييز، وما القرارات الصادرة على صعيد منع تملك أفراد طائفة، للعقارات في مناطق بعينها، إلا دليلاً لا يحتاج الجهد في إثباته وإثبات مقاصده، في منع التداخل والتواصل الوطني، بالألفة فيما بين المواطنين، بما يُسَهِّل الفرز بين المواطنين، لتحقيق التمييز الطائفي، بمثل التمييز ما بين القرية والمدينة.
بهكذا ممارسة رسمية، هي تُلبِس الانقسام السياسي الأساسي، مع المكونات الشعبية، بينها ومواليها من جهة ومعارضيها من جهة أخرى، تُلبِسِه كسوة التمييز السياسي والطائفي، لتوهم العامة والخاصة، غير الآبهين إلا بالعطايا، أنها الحافظة للتوازن الطائفي، فيما تَتّبعه من محاصصة طائفية، على المستوي السياسي والحقوقي وكذلك الخدمات، لتستخدمهم في تطبيق تلك السياسات، عبر إحلالهم في المراكز والوظائف اللازمة، من أعلاها إلى أدناها رتبة كعطايا، فيتوهم متوهمو التمييز بالغالبية، أنهم من دون رعاية وحماية السلطات لهم، فسيأكلهم الآخرون.
لذا تجد أن ممارسة، مثل الانتخابات النيابية، المبنية على المحاصصة الطائفية، بدءًا من تقسيم الدوائر الانتخابية، المبنية على نتيجة مسبقة، لأكثرية بعينها لا تتعدى 22 عضواً في المجلس، فتظن نفسها بذلك مميزة، فتمتن وترد المعروف للسلطات بالانصياع لرغباتها، بِرهن الإشارة (جماعات الريموت كونترول) ، في حين أنها بما تظن نفسها غالبية، هي في الحقيقة لا تملك سلطة القرار، ولا تعدو كونها عصا منصاعة لمن يحركها، مسلّطَةً على الآخر، في أقليته في المجلس، التي هي في أحسن الأحوال 18 عضواً، ولهذه المحاصصة المفروضة جبراً من قبل السلطات، مقصد أساسي هو سحب سلطة القرار من المجلس النيابي، لتتحكّم فيه السلطات، فمن يفقه في السياسة وفي علم الحساب، يستطيع أن يكتشف أن أغلبية 22 عضواً لطرف، وأقلية 18 عضواً للطرف الآخر، هي معادلة حسابية سياسية دقيقة، لاستحالة اتخاذ القرارات التي تحتاج نسبة الثلثين في المجلس النيابي، من قِبل أي طرف منفرداً، وصعوبتها البالغة لاتخاذها باتفاق الطرفين.
فنسبة الثلثين في مجلس النواب، تتحقق بعدد 27 عضواً، (40÷3×2= 7ر26 أي 27)، والنتيجة أن الطرف صاحب أغلبية 22، يحتاج إلى 5 من الطرف الآخر، والطرف صاحب أقلية 18، يحتاج 9، وفي كلا الحالتين، وفي باقي نسب اتخاذ القرارات، من أغلبية الأعضاء أو أغلبية الحضور، فهناك بوابة الأمان الحكومي، أعضاء مجلس الشورى، فلا يقول لي أحدٌ أن أعضاء أي من المجلسين يملكون استقلال القرار، فالجميع من أغلبية وأقلية، بحسب نظام اتخاذ القرارات في المجلسين، هم فاقدو سلطة القرار المستقل عن السلطات.
ولا أدري لماذا يتلبس الوهم، أي فرد أو جماعة، أنهم الغالبية في المجلس النيابي، وأصحاب قرار، فيطلقون الوعود البراقة للناخبين، س، س، س، على طريقة مسرحية غوار، ويفرحون بأعداد ناخبيهم، في حال نالوا كامل أصوات الكتلة الانتخابية لدائرتهم، وكذلك يفعلون، في حال انتخبهم عدد أحادي (أقل من عشرة)، فالمهم لدى هؤلاء، هو كرسي المجلس وما يَدرُّهُ من استتباعات.
فلا غرابة إذاً، من بذل السلطات، كل جهودها، لكي تتحقق المحاصصة الطائفية الواردة عاليه، أو الغلبة لمواليها، ففيها وضعها الآمن، فتجدها تقرّر مسبقاً من يرأس مجلس النواب، على رغم أنه يفترض أن يتقرّر بالانتخاب داخل المجلس، ورأينا بعض مقربيها يروّجون بأن ختم المشاركة في الانتخابات في جواز السفر، هو بوابة الحصول على خدمات الدولة، وعدمه يجعلك خارج حسبان الدولة، ولا مانع لديها من اختيارك للنائب أياً يكون، ما دام القيد في معصمه، ومفتاحه لديها، والبعض يرقص في حشر مع الناس عيد، ولو كان العيد ديمقراطية هشة.