هاني الفردان
وافق مجلس النواب في جلسته الثلثاء (3 يونيو/ حزيران 2014) على تقرير لجنة المرافق العامة والبيئة بشأن مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون البلديات، ويقضي المشروع بإلغاء مجلس بلدي العاصمة وإنشاء الأمانة العامة للعاصمة، كما يتم بمقتضاه تشكيل مجلس أمانة العاصمة يتكون من عدد لا يقل عن عشرة أعضاء يتم تعيينهم بأمر ملكي بمن فيهم الرئيس ونائب الرئيس من بين الأعضاء المنتخبين من قبل مؤسسات المجتمع المدني للمدة ذاتها المقررة للمجالس البلدية.
القرار في ظاهره نابع من «إرداة نيابية مستقلة»، ولكن هناك من يرى بأنه أدير وحرك عن طريق «ريموت كنترول» بيد السلطة، هذا القرار الذي صدر من مجلس النواب «الأمين على مصالح الشعب وحقوقه» جاء من أجل المصلحة العليا للوطن ومنسجماً مع الديمقراطية المختلفة التي نعيشها وحدنا هنا في البحرين خلافاً لديمقراطيات العالم.
هيئة المستشارين القانونيين في مجلس النواب رأت عدم دستورية الاقتراح بقانون بتعديل قانون البلديات الصادر بالمرسوم بقانون رقم (35) لسنة 2001 والذي يهدف إلى إلغاء المجلس البلدي لمنطقة العاصمة واستبداله بأمانة عامّة معيّنة بأمر ملكي من بين الأعضاء المنتخبين من قبل مؤسسات المجتمع المدني.
ونقول لهذه الهيئة «إشفهمكم!» فكأنكم غرباء لا تعرفون البحرين وأهلها، ولا تفهمون معنى الديمقراطية التي نعيشها، وغير قادرين على استيعابها، لأنها ديمقراطية لا مثيل لها.
سعادة المستشارين، أما سمعتم من قبل، أن الديمقراطية التي نعيشها في البحرين مختلفة جداً عن ديمقراطية الآخرين؟ أما سمعتم أن البحرين تقارع أعرق الديمقراطيات الغربية؟ أما سمعتم أن سلطتنا التشريعية هي السلطة الوحيدة في العالم التي ترفض توسيع صلاحياتها، وتعمل على تقليص دورها وتقزيم وجودها، وتحجيم مكانتها، وتفضل أن تكون «لعبة» سياسية، وليست «لاعباً» سياسياً وسلطة حقيقية.
اعذروني سعادة مستشاري مجلس النواب، فأنتم قاصرون عن فهم ديمقراطيتنا، وبرلمانا، وحريتنا، وطريقة إدارة شئون بلادنا، وأنتم قاصرون في استيعاب حتى دستورنا، وشعبنا وحياتنا، فأنتم ربما دخلاء علينا، ونصوصكم وقوانينكم وحتى فهمكم وتفسيركم لا يهمّنها.
أما سمعتم أن دستورنا «غير ملزم» لأحد بشيء، وأن مواد قوانيننا خلقت «مطاطة» لتمرير كل ما تريد السلطة بيد نواب اختيروا بعناية، ولا يفقهون ولا يعرفون شيئاً سوى الحديث عن «شيم العرب» و «إذا بليتم فاستتروا».
تتعبون أنفسكم سعادة المستشارين، وأنتم تفصلون وتشرحون عدم دستورية إلغاء مجلس بلدي العاصمة ومخالفته للمواد الدستورية، بل أقحمتم أنفسكم في دائرة «العمالة» و «الخيانة» والانتماء إلى الحركة «الصفوية» العالمية بحديثكم عن أن مقترح النيابي الذي استحسنته السلطة وأيّدته بمنع أهالي العاصمة من حقهم الدستوري في الانتخاب والترشح للمجلس البلدي، لا ينسجم مع «فلسلفة» ميثاق العمل الوطني والدستور في تقرير مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين.
سعادة مستشاري النواب، ألا تعلمون أن كلمة «فلسفة» كلمة ذات أصول فارسية، وامتداداتها طائفية، والنطق بها جريمة يعاقب عليها قانون الإرهاب، وأن النواب لا يفهمونها، وسيطلبون من السلطة تفسيرها وشرحها لهم!
المجلس سيد نفسه، وقراراته تنبع عن إرادته، هذا هو الدستور الذي يعمل به، وهو القانون الذي يحكم فيه، ولا توجد مواد، وقوانين تشرحونها، وتبينون مكامن الخلل فيها، فَجُلُّ النواب لا يفقهون ما فيها، ولا يعرفون أساسياتها، ولا نصوصها، ولا يوجد لدينا ما هو دستوري أو غيره.
سعادة المستشارين، مصلحة الوطن أهم من كل المخالفات والقوانين والمصطلحات «الفلسفية» التي ذكرتموها، الوطن أهم من دستوره، والوطن أهم من شعبه، والسلطة أهم من الجميع، وما تريده تمرره، فلا تتحدثوا عن «مشرِّع» أو «حقوق وحريات عامة» ولا عن «سلطات» و «حاكميات» فنوابنا لا يفهمون ولا يعرفونها، ويؤمنون فقط بما تريده السلطة.
نسجل استغرابنا من موقف سعادة مستشارين النواب الرافض لإلغاء مجلس بلدي العاصمة، فقط لأن الإلغاء لا يحقق مبدأ المساواة بين الشعب في محافظاته الخمس! فمن قال لكم هناك مساواة، فدائرة في المحافظة الجنوبية يعادل صوت واحد فيها 20 صوتاً في دائرة بالمحافظة الشمالية. أي أن مواطن الجنوبية يقدر وزنه بوزن 20 مواطناً في الشمالية، فأين المشكلة لو حُقَّ الانتخاب لأهالي الجنوبية والمحرق، وفُرض التعيين في العاصمة، ومن ثم الشمالية، وبعد ذلك الوسطى؟
ألا تعلمون أن لا مكانة للديمقراطية قبل الاستقرار وفرض الأمن، وأنه لا أمن مع وجود «الخونة» في مراكز يمكن أن يكون بيدها شيء بسيط من القرار.
سعادة المستشارين، إنها مصلحة الوطن العليا التي لا تدرس في قوانين ومواد، ودساتير، لا يفقهها إلا «الموالون» لسلطة فقط، فهم وحدهم من يفهم ويعي معنى «المصلحة» والبقية عليهم السمع والطاعة.
ما لم تفهموه من إصرار السلطة والنواب على التعيين من مؤسسات المجتمع المدني، هو أيضاً للحيلولة دون وصول أي أحد غير «موالٍ» حتى بالتعيين، إذ لا توجد مؤسسات مجتمع مدني حالياً «معارضة» فَجُلُّها إما «منحل» أو مرفوض تقييده، أو قياداتها ملاحقة.
باختصار سعادة مستشاري مجلس النواب، لا تتعبوا أنفسكم في تفصيل وشرح القوانين، فديمقراطيتنا المختلفة عن الآخرين، لا تؤمن بها، ولا تعرفها، وأوجدتها للتزيين والبهرجة، ووضعها في أغلفة مخملية، تُقدَّم هدايا في المناسبات.
سعادة مستشاري مجلس النواب، أنتم مطالبون بالاعتذار لقصور فهمكم واستيعابكم لديمقراطيِّنا وحقيقة مجلس نوابنا، فهو «لعبة» وليس «لاعب».