عقيل ميرزا
أمانة عامة معينة في محافظة العاصمة، بدلاً من مجلس بلدي منتخب، واشتراط موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب على جدية استجواب الوزراء، بدلاً من موافقة غالبية الأعضاء، هذه آخر صيحات التطوير، والتحديث، وآخر صيحات التقدم التدريجي نحو الديمقراطية.
اقتراح «تشميع» مجلس بلدي العاصمة وإلغائه، كان في بادئ الأمر اقتراحا بقانون، رفعه مجلس النواب إلى الحكومة، وقامت الأخيرة بإحالته إلى هيئة التشريع، وأرجعته إلى مجلس النواب مرة أخرى على شكل مشروع بقانون، ووافق غالبية مجلس النواب المنتخب، على إلغاء مجلس بلدي منتخب أيضا، لتحل مكانه أمانة عامة معينة.
هيئة المستشارين القانونيين في مجلس النواب، رأت أن الاقتراح غير دستوري، وفيه إخلال بمبدأ المساواة أمام القانون، ولكن الحكومة على لسان وزير شئون مجلسي الشورى والنواب رأت أن «الاقتراح دستوري»، ولم تكن الحكومة تحتاج إلى بذل أدنى جهد لاقناع النواب بالتصويت على المشروع، لأنه مشروع نيابي قبل أن يكون مشروعا حكوميا.
يا سلام على النواب المنتخبين انتخابا حرا مباشرا، على الفكرة الجهنمية لتسريع إلحاق البحرين بالديمقراطيات العريقة، وليت نوابنا يكملون جميلهم ويقترحون أيضا إلغاء مجلس النواب المنتخب، وإحلال مجلس نواب معيَّن مكانه، حتى يكتمل عقد الديمقراطية، وتكتمل معالمها الجميلة الخلابة، ويبحث النواب لهم عن «حته تانيه» فلاتزال بعض المحلات في السوق الشعبي، معروضة للإيجار، وليتركوا مقاعدهم لنواب معينين حتى يكتمل التطوير المنشود.
أما الانجاز الآخر الذي سيسجله التاريخ لمجلس النواب بأحرف من ذهب، فهو إقرار تعديل اللائحة الداخلية، الذي ينص على اشتراط موافقة ثلثي (27 نائبا) أعضاء المجلس على جدية استجواب أي وزير، بدلا من موافقة غالبية أعضاء المجلس (21 نائبا).
يمكننا بعد هذا التعديل أن نزف أسمى وأحلى، وأجمل، وأكمل، وأرق وأعذب التهاني، والتبريكات، إلى أصحاب السعادة الوزراء، فبعد أن كان استجوابهم صعبا، ورفع الثقة منهم مستحيلا، أصبح الآن مجرد دخولهم غرفة الاستجواب مستحيلا، هذا فضلا عن سحب الثقة عنهم، وبهذا التعديل ترتفع درجات حصانة الوزراء إلى أعلى مستوى في تاريخ البرلمانات منذ أن تأسس أول برلمان على وجه الأرض في مملكة ليون في العام 1118م.
أنا لا أقول إن لدينا وزراء فاسدين فأنعم وأكرم بهم جميعا، ولكن أقول بعد تعديل السادة النواب، يمكن لأي من أصحاب السعادة الوزراء إذا سال لعابه على شيء من المال العام، أو إذا رغب يوما في تجاوز قانون، أو إذا اشتهى ليلة وجبة فساد دسمة، يمكنه أن يفعل ما يرغب وما يشتهي، ولا يحتاج لفعل ذلك من تحت الطاولة، أو خلف العباءة أو البشت، فالسادة النواب أحكموا غلق باب الاستجواب والمحاسبة، ورموا بالمفاتيح في قاع ما تبقى من البحر!