منصور الجمري
واحدة من الظواهر الخطيرة التي انتشرت في السنوات الأخيرة هي «التجهيل» المتعمّد، والذي استخدم ويستخدم لتبرير ممارسات خارجة عن منطق العصر. فمثلاً ترى أن البعض يكتب ويتحدث عن أن في الغرب تقوم الحكومات بفعل ما تشاء بمن يعارضها، وأنها مثلاً تسحب جنسيات مواطنيها متى شاءت، وأن أحد مكوّنات المجتمع الذي تتواجد جذوره منذ أمد بعيد جداً إنما جاء أجدادهم إلى البحرين مؤخراً، ووصل الأمر إلى تكليف من يكتب كتباً عن المناطق وأهلها في محاولة لقلب الحقائق رأساً على عقب.
إن هذه المقولات تستخدم لتجهيل جمهور معيّن، وتستخدم أيضاً لتبرير وشرعنة إجراءات معادية للطبيعة الإنسانية. على أن الجهل يعود بنتائج وخيمة على أصحابه، ولنتصوّر لو أن مجموعة من الأطفال تم تلقينهم أن الشمس تشرق من الغرب، ولنتصوّر أن هؤلاء الأطفال تم تمكينهم من اتخاذ القرارات وتنفيذها على أساس هذه المقولة الجاهلة، فإن النتائج المترتبة على كل ذلك لن تكون حسنة بالنسبة إلى هؤلاء ومن يسير خلفهم.
وقد اطلعت على مؤلفات يتم نشرها من قِبل أشخاص وجهات ليست خافية أهدافها على أحد، وهي من جانب تثير الاشمئزاز، ولكنها تثير الشفقة، لأن هؤلاء ولكي ينشروا جهلهم خارج محيطهم فإن عليهم أن يحرقوا ويدمّروا كل المصادر التاريخية والحديثة المتوافرة في كل أنحاء العالم، وحتى في مكتبات دول الخليج جميعها.
ثانياً، إن كتابة التاريخ تحتاج إلى مهارات أساسية تُدرَّس في الجامعات، ولذا فإن تزوير التاريخ ليس سهلاً – ويكاد يكون مستحيلاً – مع توافر أمهات المصادر والسرد التاريخي الموثّق في أعظم الأرشيفات والمكتبات، ثم إن علم التاريخ لا تصادره نزوات وأحقاد، حتى لو توافرت لهم الإمكانات والنفوذ في فترة زمنية معينة، فلقد حاول غيرهم أن يفعل ذلك في أماكن مختلفة من العالم وفشل. إن ما هو متوافر في عالم المعرفة اليوم لا يمكن أن يخفيه كتاب التجهيل السياسي.