لماذا اخترنا البعث ( ١ ) وما هي جبهة التحرير العربية / كتـــــــــاب
ثائر حنني / بيت فوريك – فلسطين المحتلة
محتويات الكتاب :
مقدمة
البعث ضرورة تاريخية
أهداف البعث والعلاقة الجدلية بينهما
من هم البعثيون
البعث والقومية العربية
البعث والديمقراطية
البعث والاشتراكية
البعث والإسلام
النشأة والتأسيس
نضال البعث
ما هي جبهة التحرير العربية
الخاتمة
مقدمة :
إلى الشرفاء في أمتنا..إلى كل عربي حر وغيور على وطنه وأمته..إلى المجاهدين في فلسطين والعراق وبلاد الشام وكل شبر من أرضنا العربية من المحيط إلى الخليج..إلى الرجال الرجال في زمن التراجع والنكوص ..إليكم جميعا أضع بين أيديكم هذا الكتاب الصغير بحجمه والكبير بمعانيه ودلالاته, راجيا من خلال هذه السطور إنارة درب المناضلين الأوفياء المخلصين لوطنهم وأمتهم..الراسية جذورهم عميقا في الأرض العربية التي أحبوها..تلك السطور والكلمات التي من خلالها نستطيع الوصول لغايات الأمة وتطلعات جماهيرها الكادحة..أنها الخطى على طريق البعث والنهوض..طريق الجهاد والنضال والصراع الأزلي مع قوى الاستعمار والاحتلال قدر.البعثيين النشامى..طريق الكفاح الشاق في سبيل وحدة الأمة وتحررها من كل قيود التخلف والشرذمة ..ومعا وسويا على درب الشهداء الأكرم منا..درب الأجداد والإباء العظام نحو مستقبل زاهر تنعم فيه أجيالنا القادمة بوطن عزيز وأمة قادرة ومقتدرة ورائدة بين الأمم..وطن جميل اّمن ومستقر حدوده المحيط غربا والخليج شرقا..وطن تسوده قيم الحرية والكرامة والعدالة وتكافؤ الفرص ..وطن ينضح بالحضارة والرسالة والقيم الإنسانية المثلى……….
البعث ضرورة تاريخية :
تميزت أرض العرب منذ وطأتها أقدام البشرية ونشوء الخليقة بالحضارة والرقي والبحث في شتى العلوم الإنسانية ,حيث نشأت على هذه الأرض أولى الحضارات التي علمت البشرية كل شيء ( الكتابة والرياضيات وعلوم الفلك والطب والقانون والمسلة والحراثة والفلسفة وكذلك تفسير خلق الكون ) ..ثم نزلت الرسالات السماوية على الأرض التي شكلت وطن كل العرب ,الذين بدورهم حملوها لينيروا بها دروب البشرية ,وكان آخرها رسالة الإسلام الحنيف والخالدة التي نزلت على الرسول العربي محمد عليه الصلاة والسلام.
وعندما نغوص في أعماق التاريخ العربي نجد أن أمتنا عظيمة وأمة إشعاع حضاري , أمة حية لا تموت, فكلما كبت لا تلبث إن تنهض من جديد, وفي قراءة تحليلية لواقع الأمة تجد فيها الريادة والنور المشع على العالم بأسره وخصوصا بعد أن صقلت شخصية الأمة برسالة الإسلام.
قبل ظهور الإسلام بفترة وجيزة كان العرب في تلك الآونة يغرقون في ظلام دامس وجاهلية فاحشة ,حيث العصبية القبلية والانحطاط الفكري والفتن والغزوات فيما بينهم ,وكذلك الربا ووأد البنات والرق والعبيد مما غيب العرب عن موقع الريادة بين الأمم ,وشكل حافزا للأمم المجاورة لأخذ دورهم الطليعي حيث قبائل العرب منقسمة على ذاتها ومتناحرة مما جعل منهم مجرد أذيال للأمم المحيطة بهم موزعين ولاءاتهم بين الفرس والروم حتى جاء الإسلام ووحد العرب تحت راية واحدة ,ونفض عنهم غبار التخلف والضعف والعبودية والهوان والشرك بالله ,ونهض بهم مجددا ليصلوا به وتتراخى حدود دولتهم لتمتد من أوروبا غربا إلى أسوار الصين شرقا, بعد أن حطموا إمبراطوريات الشر في ذلك الحين الفرس والروم.
واستمر عطاء الأمة العربية التي صقلت شخصيتها برسالة الإسلام الخالدة مئات السنين متبوئه مواقع الريادة والإشعاع الحضاري بين الأمم إلى أن أصابها بعد ذلك الوهن والضعف بفعل تكالب أمم الشر عليها ,وتتالي الحملات المغولية والإفرنجية الاستعمارية ( الحملات الصليبية ) والتي توجت في الوقت المعاصر بالحملات الغربية الاستعمارية على الوطن العربي وتقسيم غنائمه وموارده ووضع الحدود المصطنعة بين أقطاره تنفيذا للاتفاقيات العديدة التي استهدفت وحدة الأمة وتقاسم النفوذ فيها وبالتالي إضعافها وإغراقها مجددا في مستنقع التخلف الآسن والعودة بها إلى مربع النكوص والأفول الحضاري والموت الكلانيكي السريري.
إزاء هذا الواقع المرير الذي تمر فيه امتنا العربية وخصوصا في الزمن المعاصر حيث ويلات التجزئة والنفوذ الاستعماري المهيمن على مقدرات الأمة ومواردها وكذلك الاحتلال البغيض الذي يسلب الأرض الفلسطينية وأجزاء أخرى من الوطن العربي وكذلك الاستغلال الطبقي والإقطاع والدكتاتورية والطائفية التي تنخر الجسد العربي .
إزاء كل ذلك وأمام معادلة أن الخير باق في أمتي إلى يوم الدين ,بزغ فجر البعث العربي بنوره الذي أرخى بظلاله على الحالة العربية برمتها والذي بدأت طلائعه بالقائد المؤسس ميشيل عفلق المتأمل بعمق في تاريخ الأمة وحاضرها مستلهما عبر الماضي ودروسه ومرارة الحاضر المعاش ليصيغ لنا وثلة من رفاقه المؤسسين صلاح البيطار ومنيف الرزاز وأكرم الحوراني خطوط المستقبل الزاهر الذي من خلاله تبعث الأمة من جديد برسالتها الخالدة التي لا تموت ولا تندثر حتى قيام الساعة.
لقد ارتكز البعث العربي على أضلاع ثلاثة في مجمل أهدافه والتي تشكل حافزا لنهوض الأمة وانبعاثها من جديد ,وتكون بمثابة الرد العملي والجذري لإمراض الأمة ومشاكلها المتمثلة بواقع التخلف والشرذمة والانهزامية والتبعية والذيلية للأجنبي المستعمر وكذلك الاستغلال الطبقي والإقطاع والدكتاتورية والاحتلال الاستيطاني الكولونيالي.
إن أضلاع البعث الثلاثة وثالوث أهدافه المقدسة –الوحدة –والحرية-والاشتراكية جسدت أمال وتطلعات السواد الأعظم من جماهير الأمة العربية الكادحة من عمال وفلاحين وصغار الكسبة وشكلت الرد المثالي لواقع الأمة المرير ,وفتحت أفاقا جديدة للبعث والنهوض بواقع الأمة نحو بناء الدولة العربية الاشتراكية الديمقراطية الواحدة من المحيط إلى الخليج العربي بعد القضاء من خلال العمل الدؤوب والنضال بكل الوسائل على التخلف والهيمنة الاستعمارية وتدمير الحدود المصطنعة وليدة اتفاقات سايكس بيكو وسان ريمو وغيرها الاستعمارية , واسترداد كافة الأراضي العربية السليبة وفي طليعتها قضية فلسطين قضية العرب المركزية من خلال الكفاح المسلح والحرب الشعبية طويلة الأمد وهي أيضا القضية المركزية في نضال البعث, وبعد الإجهاز على الدكتاتورية والاستغلال الطبقي والإقطاع الوراثي والنشوز الطائفي والأفول الحضاري تلك العوامل المثبطة في الحالة العربية ,وعوضاً عن ذلك إطلاق يد الحرية والعدالة والمساواة والتكافؤ والتكافل والاعتماد على فلسفة البعث التي تقوم على نظرية البحث العلمي الجدلي ومحاكاة واقع الأمة في كل مراحلها وكسر قاعدة الجمود الفكري والقوالب النظرية الجامدة والمنغلقة.
لم تكن فكرة البعث وليدة المراهقة السياسية والمناكفة الأيدولوجية وإشباعا لغريزة الجاه وحب الظهور ..بل كانت ضرورة ملحة في الحياة العربية وطوق نجاة من واقع الأمة المرير وصولا بها إلى شاطئ الأمان وبناء بيت جميل مزدهر لمستقبل أبنائنا وأحفادنا ,وخيمة استقرار وأمان تستظل بها الأجيال العربية القادمة مما يتطلب من جماهير الأمة الكادحة بذل كل غال ونفيس وعطاء غير مسبوق في سبيل أهداف الأمة ممثلة بالوحدة والحرية والاشتراكية ,حيث لم يولد الإنسان العربي ليأكل ويشرب وينام دون العمل الجاد والمضنى وتقديم التضحيات الجسام على طريق استعادة المكانة الحضارية التي تليق بأمة العرب.
أهداف البعث والعلاقة الجدلية بينهما :
الأهداف الثلاثة للبعث ملخصة بالوحدة, والحرية, والاشتراكية مترابطة جدليا بعضها ببعض حيث لا يمكن تقديم أحداها على الأخرى وتركيز الجهد والنضال باتجاه الوحدة مثلا.
ففي هذا السياق لا ننسى حقيقة وجود الكيان الصهيوني المسخ المزروع في قلب الوطن العربي بهدف تعطيل وحدته ونهوضه وهنا باتت إزالته شرطا من شروط تحقيق الوحدة العربية ,وكذلك فان إزالة هذا الكيان المدعوم من الإمبريالية العالمية بالاعتماد على النضال القطري شبه مستحيلة إذا ما رفدت بالنضال القومي بمعنى أدق إذا ما تمكن المناضلين العرب من تحقيق الوحدة بين قطرين على الأقل فقد يكون ذلك كفيلا بكنس الاحتلال الصهيوني عن الأرض الفلسطينية ,فالطريق إلى الوحدة تؤدي إلى فلسطين والطريق إلى فلسطين تؤدي إلى الوحدة العربية والى إزالة الأنظمة البرجوازية والديكتاتورية التي تتغذى مصالحها على الحالة العربية المرضية والتي تقف بالضد من الوحدة والحرية.
لذلك نستطيع القول إن تحقيق الوحدة العربية ولو جزئيا يساعد في تحرير فلسطين وإطلاق الحريات ,وكذلك تحرير الأجزاء السليبة وعلى رأسها فلسطين تؤدي بالضرورة لتوسيع دائرة الوحدة العربية لتشمل كافة الأقطار العربية وهنا يتحقق التكامل الاقتصادي العربي وتدخل التطبيقات الاشتراكية حيز التنفيذ بهدف تحقيق العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع العربي الواحد بغض النظر عن الانتماء الطائفي والمذهبي والعرقي.
من هم البعثيون :
ألبعثي هو كل من اّمن بفكرة البعث والقومية العربية والتزم بفكره ونضاله من المواطنين العرب والأقليات القومية التي عاشت بين ظهراني العرب واشتركت معهم في التاريخ والمصير والآلام والآمال والتطلعات.
إن أبواب البعث مشرعة أمام كل المناضلين العرب ( ذكر أو أنثى ) وبغض النظر عن ديانته وطائفته حيث يمكن للكردي والتركماني والشركسي والأمازيغي وغيرهم من الأقليات الانتساب والالتحاق بصفوف حزب البعث العربي الاشتراكي شريطة الإيمان بمنهجه وفكره وأساليبه ووسائله النضالية.
ومن أهم الوالمسلك, يتحلى بها ألبعثي أينما وجد هي
حسن الخلق والمسلك ,والتمسك بالأخلاق الحميدة التي
وردت فوالديمقراطية:ت السماوية وخصوصا الدين الإسلامي الحنيف,وكذلك فان مايميز ألبعثي أيضا عن غيره هي صفة الانقلابية على الواقع الفاسد وعلى التخلف والرجعية,والبعثي الحقيقي إنما هو الانقلابي على كل ما يعيق وحدة الأمة وتقدمها ونهوضها وبالتالي هو الطليعي في مجتمعه ومحيطه وأقرانه وبين أبناء شعبه,وهو الذي يحمل دستورا أساسه النضال والتضحية بكل شيءفي سبيل حرية الأمة وتحررها..دستور مقوماته الأساس تحقيق العدل والمساواة وإنصاف الجماهير الكادحة من عمال وفلاحين وكسبة وعسكريون ثوريون,ويمثل تطلعات وأهداف الأمة.
البعث والقومية العربية :
إن فكرة البعث أساسا تقوم على استنهاض القومية العربية الإنسانية البعيدة كل البعد عن التعصب الشوفيني والتقليد الأعمى ,حيث إن فكرة القومية العربية ليست دعوة للتفاخر بالأمجاد والأنساب والأنسال ,وإنما هي دعوة للملمة الأجزاء المتناثرة من أقطار الأمة ,وهي دعوة أيضا لاستئناف التكوين الحضاري الإنساني لشخصية الأمة وتحقيق مصالحها في الوحدة والاعتصام بحبل الله جميعا والمضي قدما بالرسالة الخالدة نحو رحاب الإنسانية وصولا نحو تحقيق غايات وتطلعات جماهير الأمة العربية في الرقي والتقدم والازدهار ,وطرد المستعمرين والمحتلين واستعادة كافة الأراضي العربية السليبة ,وإطلاق الحريات وتحقيق العدالة ونبذ التخلف والرجعية والاستغلال والإقطاع والدكتاتورية .
والقومية العربية ليست مجرد فكرة نظرية أو ايدلوجية
وإنما هي انتماء من الأعماق في الذات العربية , وهي مجموعة مشاعر وأحاسيس تتملك الفرد وتطغى على سلوكه وممارساته بغض النظر عن المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها حتى وأن كانت تلك المدرسة الشيوعية الأممية التي تقفز عن الانتماء القومي .
فتجد الشيوعي في ظرف من الظروف وعندما يمتحن في لحظة تاريخية يدافع عن قوميته العربية التي هي في الأساس إنسانية لأنها تحمل في طياتها الرسالة الخالدة .. رسالة الخير والتقدم والازدهار والتحرر والعدل والمساواة وكذلك قيم المؤاخاة والمحبة وعدم التفريق بين البشر على الأسس العرقية والطبقية مما أهلها لحمل الرسالة السماوية, وقد خصها خالق البشرية في كتابه العزيز بقوله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس"
البعث والديمقراطية :
لم يكن مصطلح الديمقراطية بالنسبة للبعث العربي مجرد كلمة مستوحاة من معاجم اللغة والأدب ,وليست فكرة منقولة على عواهنها من المدارس الفكرية الغربية ,بل كانت منهجاً متأصلاً في عقل رواده الأوائل المتولدين من رحم المعاناة لنهج الاستبداد والشمولية والاستغلال والدكتاتورية والتواقين للحرية بمختلف معانيها ومقاصدها وخصوصاً في ظل سيادة أنظمة الاستبداد الدكتاتوري والاستعمار والاحتلال الكولونيالي.
وهنا أطلق الرفيق المؤسس أحمد ميشيل عفلق أقوى كلماته تعبيراً عن المعاني الحقيقية للحرية في قوله ( لو علم العرب المعنى الحقيقي للحرية لسالت الدماء أنهاراً في شوارع المدن والعواصم العربية ) .
إن الحرية والديمقراطية بالنسبة للبعث تشكل الضلع الأهم في زوايا وأضلاع الثالوث المقدس لأهداف البعث في الوحدة والحرية والاشتراكية لذا فإن دستور البعث ونظامه الداخلي يعتمد الأسس الديمقراطية الحقيقية في بنائه الهيكلي التنظيمي وكذلك فهو يؤمن بالتعددية السياسية والفكرية والشراكة النضالية مع الأحزاب والقوى الوطنية والقومية والإسلامية ,ويدعوا دائماً وأبداً لتشكيل الجبهات الوطنية والقومية والإسلامية في كل الأقطار العربية للقيام بمسؤولياتها تجاه النمو والتقدم والازدهار والبناء وكذلك حشد كل الطاقات العربية في بوتقة واحدة في مواجهة المشاريع الاستعمارية والصهيونية التي تستهدف نهضة الأمة العربية وثرواتها وصولا بنضال الأمة نحو الدولة العربية الديمقراطية الاشتراكية الواحدة من المحيط إلى الخليج.
البعث والاشتراكية :
إن سيادة التخلف والاستغلال على الواقع العربي إضافة للاستعمار والاحتلال الذي نشأ عنه غالبية عظمى من الجماهير العربية الكادحة من عمال وفلاحين وصغار الكسبة وعسكريون ثوريين والتي تعاني آلام الفقر والعوز والجوع في الوقت الذي تختزن فيه الأراضي العربية كنوزاً تكفي العالم بأسره, ولكن بسبب المعيقات التي أشرنا إليها من حكام طغاة وشيوع الاستبداد والاستغلال والاستعمار والاحتلال كلها عوامل أسهمت في غياب العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وتحقيق التكافل المجتمعي ,وحيث أن البعض يعتمد تلك الجماهير الكادحة كأداة في تحقيق أهداف الأمة ووسيلة في نضال البعث الذي اعتمد النهج الاشتراكي في أدبياته كضلع مهم في ثالوث أهدافه المقدسة سعياً منه لتحقيق العدل والمساواة والتكافؤ والتكافل وكذلك التوزيع العادل لثروات الأمة لكل مستحقيها.
إن فكرة الاشتراكية العربية لدى البعث العربي لم تكن مستوحاة من الفكر الشيوعي الاشتراكي بل هي مستوحاة ومستلهمة من جوهر الدين الإسلامي الحنيف والذي يقوم على أساس العدل والمساواة وتوزيع الفرص والتكافؤ بين أفراد المجتمع.
لقد تميزت الاشتراكية العربية عن مثيلتها الشيوعية بالسماح للملكية الفردية وفق الحدود التي لا تسمح باستغلال جهد الأخرين ,وأعطت لكل ذي جهد حقه وفق المعايير ذاتها والتي لا تجيز استغلال جهد الأخرين .
إن حب التملك موجود بالفطرة لدى كل إنسان والاشتراكية العربية تنظمها بالطريقة التي لا تتعدى حقوق الأخرين ..
فمثلاً إن امتلاك شخص لمصنع صغير يستوعب خمسة عاملين, قد يكونوا أبنائه لا يشكل استغلالاً لعرق العمال والكادحين ,وكذلك امتلاك عشرة دونمات من الأراضي الزراعية يستطيع هو وعائلته القيام بفلاحتها وزراعتها دون الحاجة لعديد من العمال المزارعين والتي كانت في السابق تؤدي إلى الأقطاع.
لقد أثبتت التطبيقات الاشتراكية الجزئية في القطر العراقي الذي خضع لتجربة البعث نجاحها في تحقيق العدالة والتوازن الطبقي والمجتمعي وإتاحة الفرصة لإطلاق مواهب وإبداعات الجماهير العريضة في المجتمع العراقي ,وتمكنت تلك التطبيقات من إرساء قواعد العدل والسلم الأهلي والتوزيع العادل للثروات والقضاء بالكامل على الأمية والفقر والعوز والجور والتخلف, وأدت إلى تفاعل مجتمعي مبدع توج بالحجم الهائل للإنجازات العلمية والثقافية والاقتصادية وعلى كافة الصُعد ووصلت بالعراق إلى مصاف الدول المتقدمة ,مع الإشارة هنا إلى أن التطبيقات الاشتراكية مرتبطة جدلياً بالوحدة والحرية و بتحقيق التكامل الاقتصادي العربي.
البعث والإسلام :
قبل الولوج في الحديث عن علاقة البعث بالإسلام الحنيف لا بد من الإشارة إلى أن البعث العربي الاشتراكي ليس حزبا دينيا, وكذلك هو ليس على الحياد بين الإيمان والإلحاد..وإنما هو مع الإيمان دائما وأبدا..ولكن البعث حركة وحزب سياسي قومي يهدف بالدرجة الأساس لوضع الحلول الشافية لأمراض الأمة من خلال النظرية القومية الجدلية التي تستلهم ماضي الأمة ,وتحاكي حاضرها لتستشرف اّفاق المستقبل الزاخر بالبعث والنهوض من قمقم التخلف إلى عتبات الحضارة والتقدم ,ومن واقع التجزئة إلى حلم الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج…الوحدة التي يجتمع تحت ظلالها كل العرب بغض النظر عن الدين والمذهب والعرق…ومن مواضع الاستغلال والاستعمار والاحتلال والاستبداد والإقطاع إلى رحاب الحرية والتحرير والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص والتكافل الاجتماعي.
مع كل ما تقدم فان حزب البعث العربي الاشتراكي لا يغفل حقيقة العلاقة الجدلية التي تربط العروبة بالإسلام ومعانيه السامية,حيث يعتبر الإسلام جوهر العروبة وهو بمثابة الروح التي لا انفصام لها عن جسد العروبة,كما اعتبر البعث الإسلام ثورة لا يفهمه إلا الثوريون حيث شكل الإسلام ثورة شاملة على التخلف والشرك والوثنية والعصبية القبلية المقيتة والاستغلال والاستبداد والعبودية ,ووحد صفوف العرب وجمعهم في بوتقة حمل الرسالة السماوية الخالدة ونشرها للإنسانية جمعاء,مما أهل العرب لتبوء مكان الريادة بين الأمم.
لقد أستلهم البعث المعاني الحقيقية لجوهر رسالة الإسلام الخالدة وعلاقتها الوثيقة باستئناف الانبعاث الحضاري الرسالي ومواصلة العطاء الإنساني النبيل..وهنا أشار الرفيق القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق في كلمات مقتضبة وعميقة الدلالات حيث قال: ( إذا كان محمدا في الماضي كل العرب ..فليكن اليوم كل العرب محمدا ) وفي مقولة أخرى قال: ( ستجدون يوما أن البعثيين هم الأشد حرصا على الإيمان والإسلام وحمل الرسالة الخالدة ) وقال أيضا ( الإسلام روح العروبة ) و ( الإسلام ثورة لا يفهمه إلا الثوريون ) وفي حديث اّخر قال: ( لسنا علمانيون .ولسنا على الحياد بين الإيمان والإلحاد بل نحن مع الإيمان دائما وابدا ..ولكننا لسنا حزبا دينيا ) .
من هنا نستطيع القول أن حزب البعث العربي الاشتراكي حزبا إيمانيا يستلهم روح الإسلام الحنيف ومعانيه العميقة في مسيرته الجهادية باتجاه ثالوث أهدافه السامية في الوحدة والحرية والاشتراكية والتعبير عن طموحات الجماهير العربية الكادحة واّمالها في النمو والتقدم والازدهار والأمن والاستقرار والرخاء.
ألنشأة والتأسيس :
نشأت فكرة البعث في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي ( القرن العشرين ) عندما كان الرفيق القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق يتلقى تعليمه في الجامعات الفرنسية البلد الذي كان يحتل في ذلك الوقت القطر العربي السوري االاشتراكي.رع في ربوعه وناضل في سبيل حريته وتحريره,وأحبه وأمته واجتهد في إيجاد الحلول المناسبة لواقع ألأمة المرير,واطلع في حينه على كل الأفكار والنظريات التي يتبناها بعض المناضلين والأحزاب العربية من شيوعيين وقوميين عرب وغيرهم ,وخلص حينها إلى فكرة البعث التي تقوم على أساس القومية العربية الإنسانية الأصيلة التي تعالج قضايا الأمة من خلال التحليل العلمي الجذري لواقعها ومحاكاة وملامسة أمراضها الحقيقية بعيدا عن النظريات المستوردة التي لا تلائمها في معظم تفاصيلها ,مستلهمين في ذات الوقت تراث الأمة الإنساني الرسالي والحضاري وعبر ودروس ماضي الأمة وعلاقته يحاضرها ومستقبلها.
وهنا بدأ القائد المؤسس رحلته الفكرية والثقافية ,وأسس بعض المجلات والصحف التي تناول فيها فكرة البعث العربي قبل الإعلان عن تأسيس الحزب,وفي هذه الأثناء انضم إليه عدد من المناضلين والمفكرين ومؤسس الحزب العربي الاشتراكي أكرم الحوراني إضافة إلى القادة المؤسسين صلاح الدين البيطار ومنيف الرزاز وخلصوا جميعا إلى فكرة إيقاد شعلة البعث من خلال الإعلان عن تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في السابع من نيسان 1947 وكان ذلك في دمشق وبعد عام واحد على دحر المستعمر الفرنسي وجلائه عن الأراضي السورية,ليكون هذا اليوم يوما مميزا في تاريخ الأمة العربية ,يوم أتقدت فيه شعلة البعث لتضيء وتنير سماء العروبة, مودعة عصور التخلف والاستكانة والذيلية وعصور الانحطاط والشرذمة والتراجع الحضاري والثقافي,وعصور الظلامية والانهزامية, والانتقال بواقع الأمة نحو الانتصار والتحرير والازدهار والتقدم ,والتصدي لكل المؤامرات والمخاطر المحدقة بأمتنا وعلى رأسها مؤامرة التجزئة للجسم العربي الواحد ,واستلاب فلسطين واقتطاعها وسلخها عن الجسد الأم لصالح الحركة الصهيونية الاستعمارية الاستيطانية.
نضال البعث :
لم يكن السابع من نيسان 741947 مجرد إعلان عن ميلاد حزب جديد في الساحة العربية يضيف رقما آخر للأحزاب العربية المنتشرة في الوطن العربي وتحمل في مجملها أفكارا وثقافات لم تصب واقع العرب في جوهره….. بل كان يوم ميلاد البعث وتأسيسه في السابع من نيسان بمثابة انفجار ثوري خرج من أعماق العروبة ورحم الأمة ليسطع في سمائها شمسا جديدة للحرية والوحدة والاشتراكية وينير درب المناضلين الأوفياء الذين اهتدوا برسالة البعث والتحقوا في صفوفه ليلتفوا حول ثلة من المؤسسين الأوفياء المخلصين لامتهم وعلى رأسهم القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق .. وانتشرالبعثيون في ارجاء الوطن العربي بسرعة البرق لأنهم أدركوا أن البعث ضرورة تاريخيه لأمة عظيمة تستحق الحياة والريادة وهي خير امة أخرجت للناس .
لقد أضاف السابع من نيسان نقلة نوعية في نضال البعث حيث بات أكثر تنظيما وتأطيرا بعد الإعلان عن ميلاد الحزب , وعلى الفور باشرت قيادة الحزب تشكيل الخلايا العسكرية الجهادية لتقاتل في فلسطين , حيث أدرك البعث في حينه أن أهم المؤامرات ضد العرب تجري بحق الأرض الفلسطينية , وقد بنى الحزب مقرا للقيادة العسكرية في مدينة جنين الفلسطينية وتحت إشراف القائد المؤسس مباشرة حيث استبسل مقاتلوا البعث في مواجهة العصابات الصهيونية المدعومة من الانتداب البريطاني , وسقط منهم العديد من الشهداء من مختلف الأقطار العربية وخاصة القطر السوري , وقد استمر نضال البعث في فلسطين بعد إعلان ما يسمى قيام دولة ( إسرائيل ) وتولى قيادة نضال البعث في فلسطين بعد احتلالها من قبل الكيان الصهيوني الرفيق كمال ناصر المولود في بلدة بير زيت الفلسطينية , وتوسع نضال البعثيين لينتشر خارج حدود بلاد الشام متجاوزين كل الصعاب والعقبات واضعين أرواحهم على اكفهم في سبيل أمتهم …. فتعرضوا لملاحقة مخابرات الأنظمة العربية الرجعية حتى أن أجساد الآلاف منهم علقت على أعمدة الكهرباء في العراق بأمر من دكتاتوره في حينه عبد الكريم قاسم , ولكن كل ذلك لم يثني عزيمة البعثيين الذين فجروا ثورتين متتاليتين في العام 1963 في كل من العراق وسوريا ليعيدوا رسم خارطة الأمة من جديد بعد أن تكالبت عليهم قوى الردة والخيانة التي أجهضت مشروع الوحدة الذي أنجزه البعث بين سوريا ومصر قبل تلك الثورات , وكان من أولى ثماره ثورتي العراق وسوريا من عام 1963 تشكيل ما عرف بجبهة تحرير فلسطين لتكون الواجهة العسكرية للبعث في فلسطين , مما أربك قوى الاستعمار والصهيونية التي تداعت من كل حدب وصوب لوضع الخطط الكفيلة بالتصدي لمشروع البعث من خلال استخدام حلفائهم من العملاء والمندسين وذوي النفوس المريضة الذين أجهضوا ثورة البعث في العراق بعد تسعة شهور من اندلاعها … وبعد ثلاث سنوات تمكنت قوى الردة أيضا في سوريا من إجهاض ثورة البعث في القطر السوري عام 1966 وهذه كانت اخطر مما جرى في العراق لأنها حاربت البعث باسم البعث وحملة ذات الشعارات التي يحملها حزب البعث العربي الاشتراكي .
وبعد هزيمة الجيوش العربية في فلسطين عام 1967 خطط حزب البعث العربي الاشتراكي لثورة جديدة في القطر العراقي نجحت بتحقيق أهدافها في ثورة السابع عشر الثلاثين من تموز المجيدة 1968 وأطاحت بحكم عبد الرحمن عارف ,وشكلت متنفسا جديدا للبعث وقيادته الذين خاضوا نضالا واسعا وفي كل الميادين والمجالات انتقلت بالعراق من عالم البلدان المتخلفة إلى فضاء الصناعة والتكنولوجيا والعلوم والتقدم والتطور في كل المجالات, مما انعكس إيجابا على مستوى معيشة الفرد في العراق وتححقت في ظلاله قيم العدل والمساواة وتكافؤ الفرص, التي بدورها أسهمت في إطلاق مواهب وإبداعات العراقيين الذين بزغ منهم الآلاف من العلماء والخبراء وآلاف المصانع الكبرى التي أهلت العراق لقيادة الأمة ردحا من الزمن, وجعلت منه عمقا استراتيجيا للأمن القومي العربي وتهديدا مباشرا وحقيقيا للوجود الصهيوني برمته في المنطقة العربية, مما حدا بدول الاستعمار والاستكبار العالمي ومعها كل قوى ألرأسماليه والامبريالية والصهيونية , حيث تداعت الأمم على قصعتها لتنال من انجازات البعث العظيمة وقدراته الهائلة التي تحمل في طياتها مشروعا قوميا نهضويا يستهدف الرقي بواقع الأمة إلى مصاف الأمم المتقدمة وتبوئها مكان الريادة بين الأمم مكانها الطبيعي ….فكانت قادسية صدام المجيدة التي تجرع فيها العدو الفارسي الإيراني كأسا من السم الزعاف في معركة دامت ثماني سنوات سجل خلالها أبطال البعث ومغاوير الحرس الجمهوري أروع ملاحم أسطورية في سفر التاريخ العربي المعاصر وهزمت معها الطغمة الفارسية الحاقدة شر هزيمة,ثم أعقبها على الفور ملحمة أم المعارك في العام 1991 التي انتصر فيها العراق على جيوش ثلاثون دولة كانت في مقدمتها ثلاث من الدول العظمى التي تكسرت شوكتها على صخرة صمود البعثيين ومن معهم من المؤمنين من أبناء العراق والأمة العربية … وارتدوا على أعقابهم خائبين خاسرين, وفي هذه الملحمة أيضا دكت صواريخ الحق العراقية وأمطرت الكيان الصهيوني بالعشرات من الصواريخ البالستيه التي أرعبت الصهاينة ودمرت كل أساطيرهم الأمنية والنفسية , وعلى اثر ذلك عقد الحلفاء نيتهم الخبيثة لفرض حصار جائر وظالم وباسم الشرعية الدولية استهدف الخبز والقلم ونثر الداء ومنع الدواء مما تسبب بوفاة مليوني عراقي جلهم من الأطفال والشيوخ , وكان حصارا لئيما لم يشهد التاريخ مثله استمر ثلاثة عشرة عاما تمهيدا لغزوة جديدة بتحالف أوسع ضم هذه المرة جيوش ثمانون دولة حليفة للولايات المتحدة الأمريكية وكان الهدف الأساس منها اجتثاث البعث والقضاء عليه تماما … فكان لهم العراق ببعثييه ومن معهم من الشرفاء الوطنيين والقوميين في ملحمة الحوا سم التي من خلالها سجل البعث أعظم مقاومة في التاريخ كبدت الغزاة خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات …. وكان كبير الفضل لمقاومة البعث والعراق في هزيمة الولايات المتحدة هزيمة شاملة في كل الميادين والمجالات, حيث بترت يد أمريكيا الضاربة وعادت إلى ما وراء البحار لا حول ولا قوة تشكو قتلاها وخسائرها الاقتصادية الهائلة… فهيهات لهم النيل من البعث .
وبعث تشيده الجماجم والدم تتحطم الدنيا ولا يتحطم.
ما هي جبهة التحرير العربية :
أخذت القضية الفلسطينية المساحة الأكبر في فكر البعث العربي بسبب الفهم العميق لطبيعة العدوان الصهيوني المتحالف مع قوى الاستعمار التي زرعته في المنطقة العربية بهدف الإمعان في تقطيع أوصال الأمة العربية ,وتعطيل نهوضها الحضاري ووحدتها,ونزولا عند أطماع الحركة الصهيونية التي تسعى لبناء كيانها المسخ من النيل إلى الفرات مستغلين ما سمي بالوعد الاستعماري البريطاني ( وعد بلفور ) وفيه أعطى من لا يملك لمن لا يستحق,وحالة التفكك والضعف التي تعيشها أمتنا.
إن فهم البعث الدقيق لمعادلة الصراع العربي الصهيوني في فلسطين جعلت من قضية فلسطين القضية المركزية في نضاله ,وأدرك قادة الحزب أن لا سبيل في تحرير فلسطين سوى خيار الكفاح المسلح والحرب الشعبية طويلة الأمد ,وعدم انتظار الحكومات العربية الرجعية التي تعتبر جزءا من أمراض الأمة التي تعيق تحررها ونهوضها,وإنما حرب الشوارع وأساليب الكر والفر وتسخير كافة الطاقات والإمكانات الشعبية العربية في عملية استنزاف قوى العدو الصهيوني عسكريا واقتصاديا .
أمام هذه المعطيات والتشخيص الدقيق لطبيعة الصراع القائم مع الكيان الصهيوني العدو المركزي للبعث والأمة العربية ,فقد ارتأت قيادة البعث ومن خلال المؤتمر التاسع للقيادة القومية في ليلة السابع من نيسان ,وبالتزامن مع الذكرى الثانية والعشرون لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي ,وكذلك بالتزامن مع تنفيذ عملية فدائية بطولية ضد جنود الاحتلال الصهيوني الغاشم وعبر الحدود الأردنية,لتكون انطلاقة مضاءة بالنار والسلاح ضد قطعان الاحتلال ومستوطنيه, متوخين في نفس الوقت تشكيل أوسع إطار قومي يستجمع طاقات الأمة ويسخرها في صالح تحرير فلسطين واستعادة الحق العربي الأصيل فيها.
فكانت جبهة التحرير العربية التي انطلقت في السادس من نيسان ليلة السابع منه في العام 1969م إضافة نوعية على الساحة الفلسطينية وليست مجرد إضافة رقمية,وهي بطبيعة فكرها تشكل أوسع تحالف جبهوي يستجمع قوى الأمة ويؤطرها في سبيل تحرير فلسطين من النهر إلى البحر,ويتصدى لكل المؤامرات التسووية التي تستهدف فرض الأمر الواقع وتقسيم فلسطين والاعتراف بحق ما يسمى ( إسرائيل ) بالوجود.
لقد أقرت القيادة القومية في مؤتمرها التاسع الإعلان عن انطلاقة جبهة التحرير العربية لتكون بمثابة الذراع العسكري للحزب في فلسطين والتي تسير على هدي من مبادئ البعث العظيمة ,وتكون إحدى التنظيمات المؤسسة لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده والتي أمدها البعث بكل مقومات الصمود والبناء.
وهنا لا بد من الإشارة أن قيادة البعث لم تشترط على منتسبي الجبهة ضرورة الانتساب لعضوية الحزب على قاعدة أن كل بعثي جبهوي وليس كل جبهوي بعثي لأن الأصل في تشكيل الجبهة هو استجماع كافة قوى الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج واستيعابها في أوسع تحالف جبهوي يحمل اسم جبهة التحرير العربية وعلى قاعدة شعار الجبهة المركزي ( فلسطين طريق الوحدة والوحدة طريق فلسطين ) بمعنى النضال في الاتجاهين الوحدة العربية وتحرير فلسطين فكل يؤدي للآخر,واعتماد خيار الكفاح المسلح والحرب الشعبية طويلة الأمد في نضال الجبهة لاستعادة الحق العربي في فلسطين كل فلسطين ورفض كل مشاريع التسوية السلمية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية ,وتطبيقا لإيمان الجبهة بالكفاح المسلح فقد نفذت مجموعاتها الفدائية ستمائة وخمسون عملية عسكرية ضد الكيان الصهيوني منذ انطلاقتها وحتى العام 1980م جسدت في مجملها قومية المعركة ,حيث شارك في تنفيذ تلك العمليات رفاق من سوريا وفلسطين والعراق ومصر والأردن واليمن والجزائر ولبنان وسقط منهم الشهداء والجرحى الذين توحدت دمائهم على ارض المعركة ,وقد تميزت بعض تلك العمليات وكانت نوعية ونشد فيها الشعراء وغنى لها الفنانون ( نزلت عملية من الرفاق فلسطيني سوري مصري عراقي ) .
وأستمر نضال جبهة التحرير العربية على الساحة الفلسطينية دون كلل أو ملل رغما عن الظروف القاسية التي تعرض لها البعث العربي ومحاولات اجتثاثه في أضخم مؤامرة استعمارية عرفها التاريخ..متمسكة بذات الثوابت والمبادئ التي انطلقت لأجلها ..وبقيت جزء أصيل من منظمة التحرير الفلسطينية برغم رفض الجبهة المطلق لاتفاقات أوسلو وملحقاتها وإفرازاتها وكل المشاريع السلمية التي سبقته واللاحقة والتي تستهدف تصفية المشروع الوطني الفلسطيني الذي يقوم على تحرير فلسطين من النهر إلى البحر ,والاعتراف بوجود الكيان المسخ والغير شرعي على أجزاء من الأراضي العربية الفلسطينية.
لقد خاض رفاق جبهة التحرير العربية كل وسائل الكفاح والنضال بصدق ووفاء واستعداد تام للتضحية بكل شيء في سبيل قضايا التحرير والاستقلال وواجهوا ببسالة نادرة كل أساليب التنكيل والبطش الصهيوني غير آبهين بالممارسات النازية الصهيونية من قتل وتعذيب وتغييب في الزنازين المعتمة ..وخاضوا غمار الانتفاضة الفلسطينية الأولى.. وكانوا روادا وقادة فيها ..ولهم السبق في إشعال فتيلها وتسعير أوارها ..وزجت قوات الاحتلال بالعشرات من قادتها وكادرها خلف القضبان الحديدية في أوشفستات النازية الجديدة حيث تعرض قادة الجبهة في الأراضي المحتلة للاعتقال عشرات المرات أملا في ثنيهم عن مواصلة مشوار التحدي والفداء ولكن دون جدوى ..وسقط منهم الشهداء والجرحى ..ثم شاركوا في انتفاضة الشعب الثانية بكل تفاصيلها ,وشكلوا لجان الإسناد والدعم للمقاومة المسلحة ووزعوا مكرمة الرئيس العراقي المجاهد صدام حسين الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي على عوائل الشهداء والجرحى والمهدمة بيوتهم من قبل الاحتلال والتي بلغت قيمتها عشرة آلاف دولار للمستفيد الواحد في تحدي شجاع لحواجز الاحتلال وملاحقاته التي وصلت إلى حد اختطاف الأمين العام للجبهة من مكتبه الرفيق ركاد سالم وألقت به في سجونها قرابة الخمس سنوات لم تؤثر في مسيرة الرفاق ومعنوياتهم الذين واصلوا مسيرتهم الجهادية على قاعدة مواصلة الكفاح والنضال حتى يتسنى لشعبنا دحر الاحتلال وكنس مستوطنيه وتحرير فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر ,وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف ..هذه الدولة التي ستكون جزء لا يتجزأ من الدولة العربية الديمقراطية الواحدة من المحيط إلى الخليج .. وجزء لا يتجزأ من الأمة العربية المجيدة.
بقلم ثائر حنني
نيسان – ٢٠١٤