منصور الجمري
لعلّ المؤرخين سيجدون في نمط الخطابات المنتشرة في بيئتنا الحالية مادة دسمة للدراسة، ولربّما يحارون عندما يحاولون فهم مسبباته. فمن جانب، نجد أنّ محتوى الخطاب ساذج، فالخطاب التخويني يفتقر إلى أبسط المفاهيم الإنسانية، وهو أحادي واستئصالي ويفهم المعادلة السياسية بأنّها ربح 100 في المئة على حساب خسارة الآخر 100 في المئة.
المصيبة أنّ الكثير من المساندين والمروجين لخطاب التخوين يتسنمون مناصب مهمة ونافذة، وبعضهم مسئول عن إدارة العلاقات العامة أو الموارد البشرية أو له علاقة بالقرارات الاستراتيجية التي من المفترض أن يراعي فيها مصلحة جميع المواطنين. ولكن كيف يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يعدلوا في مناصبهم إذا كانوا يشيطنون نصف المجتمع، ويحطون من قدر فئة كبيرة من المجتمع، ويستخدمون تنميطات سلبية ومصطلحات تحقيرية مشحونة طائفياً.
كما يتعدى الطرح الحالي إلى توجيه الانتقاد إلى طبيعة الجماعات، وليس بسبب ما يفعلونه أو يقولونه، وإنما بسبب من هم، بل ويبررون استهدافهم ويحذرون من أية خطوة تصالحية تعيد إلى المجتمع نسيجه. ففي حديث مع أحد من شاركوا في مؤتمر بالبحرين مؤخراً نقل عن بعضهم كلاماً يصف فئة من المجتمع وكأنهم مجموعة من المخلوقات التي تكره العمل والعلم والتعليم، وأنّ عدم وجودهم في الوظائف العامة سببه تخلفهم وكسلهم وانقيادهم لزعمائهم المتخلفين، وأنه لا فائدة منهم في أي شيء.
الخطاب التخويني مثير للاشمئزاز، وهو حالياً يقف حائلاً أمام أية جهود نحو حوار حقيقي وجاد يخرج البلاد من أزمتها المزمنة، وذلك لأنّه يدين الآخرين ويعتبرهم شراً مطلقاً وتهديداً وجودياً، ويتعامل معهم وكأنهم لا شيء، ويستفزهم باستمرار عبر تكرار الشائعات والخرافات، ثم يعيب على الدولة أنّها لحد الآن لم تقسُ عليهم بما يشفي الغليل. هذا الخطاب يجرد الآخرين من إنسانيتهم ويسهل على الجشعين إصدار الأحكام المسبقة والسلبية، وفوق كل ذلك فإنه يقضي على مفهوم المواطنة، ويقضي على مفهوم الدولة الحديثة بالكامل.