نص الكلمة التي ألقاها الرفيق نبيل الزعبي باسم حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي في المهرجان الذي أقامته جبهة التحرير العربية في الشمال بمناسبة الذكرى 67 لتأسيس "البعث"، والـ 45 لانطلاقة الجبهة / في مخيم نهر البارد بتاريخ 13/4/2014
البعث، العراق، فلسطين والسلاح المقاوم
البعث، العراق، فلسطين والسلاح المقاوم
نحتفل هذه الأيام بمرور الذكرى السابعة والستين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، الحزب الذي شكل وجوده محطة تاريخية مفصلية في حياة العرب، منذ ولادته في السابع من نيسان من العام 1947، في مدينة دمشق، على أيدي القائد المؤسس الأستاذ ميشيل عفلق وزميله الأستاذ صلاح الدين البيطار، وثلة من المناضلين العرب المؤمنين بأحقية الأمة العربية في التحرر من الاستعمار والتبعية للخارج، وتوحيد صفوفها، وتحقيق العدالة الاجتماعية لجميع أبنائها، وتحريرهم من الفقر والتخلف والتجزئة والاستلاب.
في هذه المناسبة العزيزة على قلوب العروبيين والمؤمنين بأن العرب أمة واحدة مهما تعاني العروبة اليوم من ظلم وشعوبية حاقدة،
تزداد المحاولات الخبيثة لإشغال العرب عن قضاياهم الأساسية في الحرية والعدالة وتحرير فلسطين عبر إغراقهم في المزيد من الصراعات والنزاعات المذهبية والطائفية في أكثر من قطر عربي بهدف تمزيق الجسد العربي الواحد إلى دويلات ومشيخات ومحميات، حدودها حدود الطائفة والمذهب والعشيرة، لتخور قوى المواجهة في الأمة ويتسنى للعدو الصهيوني بشكل أساسي، فرض "يهودية" الكيان الغاصب على كامل التراب الوطني الفلسطيني المحتل.
في مثل هذه الأيام، لهذه المناسبة، يسطِّر أبناء العروبة في العراق والبعثيون في مقدمتهم، بقيادة المجاهد عزة ابراهيم، أروع ملاحم البطولات والتصدي للمشاريع التصفوية الإمبريالية – الصهيونية والفارسية، ليعيدوا رسم خارطة الوطن من جديد بالدم والعطاء والسلاح، ليعود كما يجب أن يكون حراً عزيزاً سيداً موحداً، كما عرفه أبناء العراق وفلسطين والأمة العربية بالأمس واليوم وغداً، حيث لا حياة للعرب إلا باستعادة كرامة مفقودة، ولا قيمة لمفهوم العروبة إلا بالتفاف أبنائها حولها مهما كلف ذلك من تضحيات وآلام ودموع.
في الذكرى السابعة والستين للتأسيس، وبدل أن يشيخ وتدب فيه تجاعيد الزمن وندوبات السنين،
ها هو البعث يزداد شباباً، ويتدفق حيوية، ويتألق تضحيات ونضالاً، وكأن العام الذي ولد فيه البارحة، وليس ما يقارب العقود السبعة من السنين، تجسدت فيه كل ما حدثت الحكايات به عن أسطورة طائر الفينيق الذي كان يأنف الموت على الدوام، فتراه ينتفض ملتصقاً بالحياة والديمومة مع كل غدرة زمن واختلاجة روح.
هكذا هو البعث، وهذا ما كان عليه منذ اللحظات الأولى للتأسيس، ولو عادت بنا الذاكرة إلى كل يوميات تلك المرحلة وما تلاها من تفاصيل وتبدلات وطنية وقومية تحررية مصيرية أحاقت بأمة العرب حتى هذه اللحظة،
ما كان يمكن إلا ويكون "البعث" في واجهة الحدث، يحيك عناصر التوعية والصمود والبناء، بقدر ما يصنع مستلزمات الدفاع وتعزيز عوامل القوة والمناعة في جسد الأمة، وهذا ما نشهده ميدانياً اليوم على أرض العراق الأشم وقد فرضت مقاومته الوطنية والقومية والإسلامية الباسلة، على المحتل الأميركي- الصهيوني الانسحاب المبكر، وما زالت مقاومتها ومنازلتها مستمرة في سبيل الإنجاز الكامل لتحرير هذا القطر من إفرازات الاحتلال وتوحيده شمالاً جنوباً ووسطاً وإعادته إلى حضن أمته حراً سيداً مستقلاً.
في مثل هذه الأيام أيضاً، نحتفل بالذكرى الخامسة والأربعين لانطلاقة جبهة التحرير العربية، العمق الفكري والنضالي للبعث المقاوم على أرض فلسطين العربية، فلسطين، التي أكد البعث منذ العام 1948 أن الكفاح الشعبي المسلح وليس الأنظمة والحكومات من سيحررها، وهذا ما يتأكد بما يشبه اليقين اليوم، وفلسطين تتعرض للتهويد والاستيطان والمزيد من الاغتصاب للأرض والماء والهواء والسماء، حيث لا مناص من مواجهة كل ذلك بسواعد وزنود أبنائها وسلاحهم وتصميمهم على توحيد البندقية والإرادة والموقف.
وفلسطين التي استحقت قضيتها أن تكون قضية العرب المركزية الأولى، وسميت ثورتها – بأم الثورات التحررية في العصر العربي الحديث،
فلسطين تستحق من العرب اليوم مثلما تستحق من أبنائها أن يتوحدوا حولها، وهم الذين تعمل المشاريع التصفوية الصهيونية على إغراقهم بالصراعات الداخلية الثانوية والمزيد من التناقضات الممهورة بالدم الفلسطيني الواحد.
وليتذكر العرب أنظمة وشعوباً مجتمعين، ان شعار الصهاينة ما زال "حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل" وهذا الشعار لا يواجه إلا بتأكيد الأمة مجتمعة على حقيقة صراعها الوجودي الحضاري مع هذا الكيان الغاصب، الذي يزرع أرض فلسطين بالمستوطنات والمستعمرات، ويمنع حق العودة، ويتمسك بالقدس الشريف عاصمة أبدية له، كل ذلك ضمن مخطط وضع اليد على كل التراب الوطني الفلسطيني وتهويده بالكامل.
من هنا، فإننا نشد على أيدي الأخوة في منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية وكل القوى والطاقات الخيرة من أبناء شعبنا الفلسطيني، مناشدين الجميع نبذ التفرقة والانقسام والارتقاء إلى تكريس وحدة الصف الفلسطيني المقاوم الواحد تحت راية التحرير واستعادة الحقوق، تحرثون في المبادئ التي قامت عليها هذه الثورة النبيلة، وتتشبثون بكل ما يجمع ويوحد بين رفاق السلاح والقضية الواحدة.
لقد أثبتت التجارب الحية، ومنذ تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، أن عمق الالتزام بقضايا الأمة والوطن، ليس سوى تجسيداً للنظرية التي آمن وبشر بها البعث، وتطابقها مع الممارسة العملانية له وجعلهما فوق كل اعتبار.
إن حزبنا، حزب البعث العربي الاشتراكي لم يكن يسعى إلى السلطة يوماً، أو لتحقيق المكاسب والمصالح الخاصة، ولقد عرف مناضلوه كيف يجمعون بين منطق الثورة ومهام قيادة الدولة، عندما تسنى لهم الحكم وتبوء المسؤولية خاصة بعد ثورة 17-30 تموز 1968 في العراق، وعندما خُيِّرَ البعثيون بين استمرار وجودهم في الحكم على حساب مبادئهم مقابل الرضوخ للوصاية الإمبريالية الأميركية –الصهيونية، اختاروا حمل السلاح للدفاع عن مبادئهم وخياراتهم.
وعندما قدمت سلطات الاحتلال الأميركي العروض السخية لباني العراق الحديث القائد صدام حسين، وهو في معتقلاتهم، بالحصول على السلامة الشخصية له ولعائلته والعيش برفاهية في أي بلد يريد مقابل إعلانه وقف عمليات المقاومة العراقية البطلة والتسليم للغزاة باحتلالهم الغاشم،
اختار الموت العزيز على العيش الذليل، مقدماً حياته وقبلها حياة أبنيه وحفيده قرابين على مذبح البطولة والفداء والوفاء للمبادئ والعراق والأمة.
هكذا هو البعث الذي تربى على مبادئه مناضلوه من القمة حتى القاعدة، فلم يهن الواحد منهم ولم يستكن، وهم الذين أقسموا على عدم الراحة حتى تحقيق الأماني النبيلة والأهداف المشروعة، مجسدين أعظم صور التماهي مع مآثر رسول البشرية، النبي العربي محمد عليه الصلاة والسلام حين قال: "لا راحة لمؤمن إلا بلقاء ربه"
نعم لا راحة لمؤمن إلا بلقاء ربه، حيث لا حياة للأحرار في ظل العبودية والتبعية والاستلاب.