عبدالنبي العكري
بعد صدور بيان وزارة الداخلية القوى بالتحذير من مغبة التطوّع للقتال خارج الحدود، والمقصود القتال في سورية، وقد تكون العراق أيضاً، وتجريم ذلك الفعل، كتب «الاستراتيجي الفلتة» أنه لا توجد استراتيجية للدولة لمكافحة التطرف!
بيان الداخلية ومقابلة أحد قادة التكفير، وأعمده الصحافيين الموالين، ما بين محذّر، ومفكّر ومستنكر، أتت بعد أن بدأت أخبار قتل المقاتلين هناك تصل إلى البحرين، ويحتفي بهم كشهداء، وبعد سنواتٍ من حملاتٍ علنية لجمع الأموال، وتجنيد الشباب تحت شعار «تجهيز غاز» و«نصرة المرابطين»، فماذا حدث؟ هل هو فعلاً غياب استراتيجية؟ أم أنه غفلة؟ أم عدم معرفةٍ من الدولة؟
الجواب: لا، فالدولة التي تعرف دبيب النملة، كانت تعرف كل شيء، بل كان هناك جهات تشجّع الاتجاهات المتطرفة، لتواجه بها الحركة الجماهيرية المعارضة.
التقرير المثير للجدل واضحٌ، وهو إضعاف وتهميش مكوّن أساسي لشعب البحرين، يحتضن المعارضة، وفي المقابل تغليب وتمكين مكوّن آخر بكل الوسائل، بما في ذلك دعم التنظيمات والاتجاهات المتطرفة، وغضّ الطرف، إن لم نقل تسهيل عملها الدعوي والتنظيمي واللوجستى، والمشاركة في الحرب الجارية في سورية بالمال والرجال، كجزء من معركة كبرى، ضد من يعتبرونهم رافضة.
وهذا ليس قصراً على البلد فقط، بل يشمل دولاً خليجية أخرى، باستثناء الموقف الرسمي لدولة الكويت وسلطنة عمان، واللتين وقفتا بوضوح ضد تسعير الطائفية والتطرف.
يقول المثل الشعبي الشهير: «خبزٍ خبزتيه إكليه». نعم، فالرعاية الطويلة هي التي مكّنت هذا الاتجاه المتشدد المتطرف، من أن ينمو ويتغوّل وينتشر في أوساط الشباب، ومن خلال جمعيات ومؤسسات مرخّصة، وتحت سمع وبصر الأجهزة الرسمية.
وإلا كيف نفسّر أن يتحوّل ضابط تعذيب سابق ومطلوب للانتربول ببلاغ رسمي من قبل الأجهزة الأمنية المحلية، إلى داعيةٍ للطائفية والتطرف، ويحظى بالاستقبال والتشجيع من قبل بعض الأطراف؟
حدث التحوّل أو الانقلاب الرسمي من الرعاية إلى التحذير، وقد يتحوّل إلى الملاحقة، بعد حدوث تحوّلٍ حاسمٍ في الموقف الرسمي الأميركي، الذي هالته أعمال الإرهاب التي ترتكبها الجماعات التكفيرية في كلٍّ من سورية والعراق، ومن ضمن ذلك ذبح المسيحيين وتهجيرهم، والذين ينظر إليهم الغرب نظرةً خاصةً. كما أن أميركا والغرب يتخوفان على حليفتهما «إسرائيل» من أن يتحوّل سلاح الجماعات التكفيرية في بلدان الحزام (لبنان وسورية والأردن)، ضد «إسرائيل» وضد «اليهود الكفار». وهنا كان موقف أميركا بشكل خاص واضحاً وحازماً: لا لدعم الجماعات التكفيرية، ونعم لملاحقتهم؛ حيث اكتشفت الدول الغربية، تجنيد هذه الجماعات للشباب المسلم الذي يحمل جنسيات هذه البلدان، أو يقيم فيها. كما أن بلدان الخليج باتت تتخوّف من تكرار سيناريو عمليات تنظيم «القاعدة» في الثمانينات والتسعينات، وأمامهم المثل الصارخ في مصر.
إذاً… «لقد انقلب السحر على الساحر». وهنا لا يكفي أن تتعامل البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي مع هذا التيار التكفيري بمنظماته ودعاته ومؤسساته، تعاملاً أمنياً فقط إذا كانت أصلاً صادقة في ذلك.
المطلوب مصارحة الشعوب بأن استراتيجياتها كارثية، وسياساتها خاطئة. ولتباشر فوراً بإيقاف ملاحقة الحركات الإصلاحية والديمقراطية، والجلوس معها للخروج من المأزق الحالي، والانطلاق لعملية تحوّل ديمقراطي حقيقي وإصلاح سياسي شامل، في مجتمعٍ تعدّدي يحتضن كل أبناء الوطن، ويشيع فيه التسامح والوسطية والاعتدال، وينبذ العنف والتطرف والطائفية والتمييز، فذلك هو الضمان وحده لضمور الاتجاهات التكفيرية المتطرفة، ويشجّع الاعتدال والمعتدلين.
إنها الفرصة الأخيرة أمام دول مجلس التعاون، وإلا فالخراب قادم. اللهم إني قد بلغت.