منصور الجمري
قبل ثلاثة عقود كان أحد أهم الأفلام عن كمبوديا قد تم إنتاجه باسم The Killing Fields، أي «حقول القتل»، وهو فيلم فاز بجوائز عديدة ويحكي تجارب أحد مراسلي «نيويورك تايمز» ومساعده الكمبودي وهما يغطيان ماذا فعل «الخمير الحمر» بقيادة بول بوت بسكّان كمبوديا ما بين 1975 و1979، وكيف قتل هؤلاء المتطرفون مليوني كمبودي، بحيث أصبح لكل عائلة كمبودية فقيد واحد على الأقل.
أخبار الإذاعات في سبعينات القرن الماضي كانت تتحدث عن حجم القتل آنذاك، وفي كثير من الأحيان كان الخبر عن كمبوديا لا يهز السامع لأن القتل أصبح عادياً. وإنه لمن المؤسف جداً، وبعد كل تلك السنين تنتقل «حقول القتل» إلى منطقتنا العربية، بحيث أصبحت أخبار القتل والتفجيرات والدمار والمعاناة التي تصب على الناس وكأنها أخبار اعتيادية.
قائد الخمير الحمر، بول بوت، كان حينها قد أعلن خطته لتطهير المجتمع الكمبودي من الرأسمالية والثقافة الغربية والدين ومن جميع المؤثرات الخارجية، وقال حينها إنه يريد جعل كمبوديا مكتفية ذاتياً من ناحية الزراعة، ولذا أجبر السكان على الانتقال إلى معسكرات العمل الزراعي… غير أن حقوله الزراعية تحوّلت إلى حقول للقتل جوعاً حتى الموت، أو التعذيب أو الإعدام لأتفه الأسباب.
المتتبع للأخبار في بلدان عربية متحضرة، وفي الهلال الخصيب، يستغرب كيف تحوّلت إلى حقول للقتل، وكيف تُخنَق المرأة بسلك حول رقبتها لأتفه الأسباب، وكيف يُقتَل الناس بصورة بشعة، وكيف يتم استخدام حتى الأطفال في أعمال القتل، بل ويبث من يقوم بذلك وحشيته على اليوتيوب ليرى العالم ما يقوم به. إن متابعة الكثير مما يتوافر على وسائل الاتصال الاجتماعي توضح أن ما كنا نسمعه عن بول بوت من ذبح وقتل للناس باسم الشيوعية، لا يختلف في بشاعته ووحشيته عن ما يقوم به البعض في المنطقة العربية باسم الدين الإسلامي.
إن الايديولوجية المتطرفة (شيوعية كانت أو إسلامية) تتوحد في نهج وحشي واحد، وهذا لا ينفي حق الآخر في العيش الكريم فحسب، وإنما يُحوِّل أيضاً حقول المزارع في الهلال الخصيب إلى حقول الموت والقتل والدمار. لعلَّ هناك من يفكر في إنتاج الحلقة الثانية من حقول القتل، وهذه المرة ربما تتحسن صورة الخمير الحمر بالمقارنة مع الجماعات التي تعبث بمعنى الحياة وبكرامة الإنسان باسم دين الإسلام.