هاني الفردان
تراجعت الحكومة عن كل مواقفها وشروطها المسبقة، ووقعت مع طرفي الإنتاج الآخَرَين (غرفة تجارة وصناعة البحرين، والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين) ومن دون «الاتحاد الحر»، على «الاتفاقية الثلاثية التكميلية» التي حثّ مجلس إدارة منظمة العمل الدولية الأطراف الثلاثة المعنية على توقيعها، وذلك من دون وجود لـ «الاتحاد الحر للنقابات العمالية».
هذه حقيقة لم يستوعبها المؤزّمون أبداً، بأنه لا بديل أمام الحكومة إلا القبول بالتوافقات الدولية والتوقيع على الاتفاقية لإنهاء ملف المفصولين عن العمل بسبب الأحداث الأمنية وإرجاعهم جميعاً لأعمالهم.
ما سرّبه رئيس «الاتحاد الحر» يعقوب يوسف عن وزير العمل خلال اجتماع عقد بينهما في يناير/ كانون الثاني 2014 عن قوله بأن الحكومة وقعت بين خيارين أحلاهما مر، وهو إما «التوقيع على الاتفاقية الثلاثية أو تُقبل الشكوى والتي سيترتب عليها إرسال بعثة تقصي حقائق إلى البحرين»، مؤكداً أن ذلك «ليس في صالح البحرين خاصة أن الشكوى تتضمن مزاعم عديدة تدعي انتهاك البحرين لاتفاقية العمل الدولية رقم (111) بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة».
جاءت نتائج «معركة جنيف» العمالية المتعلقة بملف البحرين والشكوى العمالية من قبل 12 منظمة عمالية دولية، تتهم فيها الحكومة البحرينية بانتهاكها اتفاقية التمييز (التوظيف والمهنة) رقم 111، في دورتها الـ320 في أكتوبر/ تشرين الأول 2013 جيدة ومكسباً وانتصاراً للطبقة العمالية، وقد أثمرت نتائجها يوم الاثنين (10 مارس/ آذار 2014) بتوقيع الاتفاقية الثلاثية التي رفضت الحكومة من قبل التوقيع عليها وبتحريضٍ من «المؤزمين» ومجلس النواب وجمعيات موالية.
جاء توقيع الاتفاقية الثلاثية بين أطراف الإنتاج لتمثل ضربةً موجعةً لـ«المؤزّمين»، وعجلت من إنهاء الملف العمالي في البحرين لصالح العمال المفصولين والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين. وجاءت النتائج مخيّبةً لآمال السلطة ومواليها بشطب الشكوى العمالية دون التعهد بإرجاع المفصولين وإنهاء الملف.
الحركة العمالية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حققت نتائج رائعة عندما أوصت منظمة العمل الدولية بإمهال حكومة البحرين حتى مارس 2014 لإنهاء ملف المفصولين بشكل كامل، في إيحاءٍ بإمكانية قبول الشكوى العمالية في المرة المقبلة. والطلب من حكومة البحرين ضمان سلامة وأمن القياديين في اتحاد النقابات، وبحثِّ الحكومة واتحاد النقابات و«الغرفة» على مواصلة جهودهم للتوصل إلى اتفاق بشأن الاتفاقية الثلاثية التكميلية.
نتيجة غباء المؤزّمين، وقعت السلطة في مأزق؛ إعادة الروح للشكوى العمالية لأكثر من مرة بعد أن رفضت التوقيع على الاتفاقية الثلاثية، وما ترتب على ذلك من فضيحة عودة وفد منظمة العمل الدولية من البحرين من دونها، ونتيجة لتقرير مدير قسم معايير العمل الدولية كيلوبترا دومبيا هنري عن نتائج زيارتها إلى البحرين مطلع أكتوبر 2013، وفشل التوقيع على «الاتفاق الثلاثي» أوقع الحكومة في مأزق استمرار الشكوى ضدها والمهلة الأخيرة.
المأزق الثاني الذي وضعت السلطة فيه، نتيجة غباء «المؤزمين» وتحريضهم المستمر ضد النقابيين، هي طلب منظمة العمل الدولية من الحكومة «ضمان سلامة وأمن القياديين في اتحاد النقابات»، وهو طلب ليس جديداً على الحكومة البحرينية إذا ما عرفنا أن مجلس حقوق الإنسان والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والمفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي، كلهم انتقدوا التهديدات التي تعرض لها الوفد الأهلي البحريني الذي شارك في جلسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، وذلك في إطار الاستعراض الدوري الشامل لمملكة البحرين، في 21 مايو/ أيار 2012.
السلطة لم تتعلم من التجربة، ولم تستفد من درس مجلس حقوق الإنسان في 2012 و2013 وسياسة التحريض الممنهجة ضد نشطاء حقوق الإنسان وتخوينهم، ولذلك عادت الكرّة من جديد وسمحت بـ «التخوين» والهجوم على النقابيين والنشطاء، فتنبهت منظمة العمل الدولية لذلك وضمنت توصياتها (التي صادقت عليها الحكومة) طلباً بحماية وضمان سلامة نقابيي الاتحاد العام للنقابات، رغم تجاهل بيان وزارة العمل لهذه التوصية، وما أشيع عن رفضها لها بشدة.
غباء «المؤزمين» وفّر في 2012 أرضية قوية لحماية دولية لنشطاء حقوق الإنسان، من قبل مجلس حقوق الإنسان. واستمراراً لغبائهم، فقد أوجدوا حمايةً جديدةً لنقابيي الاتحاد العام من قبل مجلس إدارة منظمة العمل الدولية في 2013، بل فرض توقيع «الاتفاقية الثلاثية» وبشروط الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، رغم الحملة الإعلامية «الغبية» التي قادتها مجموعة من «المؤزمين»، والتي جاءت بنتائج عكسية تماماً على مواقف السلطة، وإيجابيةً للحركة العمالية.
وقعت الحكومة على الاتفاقية، بدون طرف رابع دخيل عليها. وقعت عليها وهي مجبرة، وهذه حقيقة، وذلك خوفاً من قبول الشكوى العمالية واتهامها بـ«التمييز». وقعت عليها خوفاً من لجنة تقصي حقائق دولية مقبلة، ووقعت عليها بعد أن اكتشفت أنها وقعت في شرك وفخ غباء مؤيديها.
يعتقد البعض وخصوصاً «المؤزمين» و«المورّطين» للسلطة، أنهم أفشلوا مخططاً معداً مسبقاً من قبل «خونة» للتدخل في شئون البحرين، ويعتقد البعض أنهم استطاعوا فرض رؤيتهم في إجبار السلطة على التراجع عن التوقيع على الاتفاقية الثلاثية بين أطراف الإنتاج الثلاثة، لغلق ملف المفصولين.
صحيح أن السلطة المربكة في الكثير من المشاهد السياسية وحتى العمالية، رفضت التوقيع على الاتفاقية الثلاثية في أكتوبر 2013، إلا أنها وقعت في مأزق الشكوى العمالية، وأخيراً وقّعت عليها، وهي مغلوبةٌ على أمرها.
خسائر «المؤزمين» في هذا الوطن تتكرّر للمرة المليون، والسلطة لم تستوعب الدرس والعبر، ولا عزاء لهم، ومبروك للحركة العمالية توقيع الاتفاقية الثلاثية.