منصور الجمري
دخلنا مرحلة من النقاش العقيم حول «التوافقات»، وأصبح كلُّ شيء يحتاج إلى «توافق مكونات المجتمع»، وهو كلام ظاهره جميل، لكنه لا يستطيع إخفاء نزعة غير متسقة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان. والقانون الدولي المعني بحقوق الإنسان يتكون من الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في 1948 ومن العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية منع التعذيب، واتفاقية منع التمييز العنصري، ومنع التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، وغيرها من الاتفاقيات والبروتوكولات.
والبحرين اعتمدت معظم الاتفاقيات الملزمة لضمان حقوق الإنسان، وهي حقوق متأصلة ومن حق جميع البشر، أيّاً تكن جنسيتهم، ومكان إقامتهم، أو جنسهم، أو أصلهم القومي أو العرقي أو الديني أو الطائفي، أو اللون أو اللغة أو أي وضع آخر. القانون الدولي لحقوق الانسان يقول إنَّنا جميعاً، كبشر، يجب أن نحصل على معاملة على قدم المساواة من دون تمييز، وأن الحقوق المنصوص عليها كلها مترابطة وغير قابلة للتجزئة وغير قابلة للتنازل عنها.
القانون الدولي لحقوق الإنسان ينصُّ على التزامات الحكومات بالتصرف بطرق معينة، أو الامتناع عن أفعال معينة، من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية للأفراد أو الجماعات، وإن جميع هذه الحقوق ليست مطروحة لتوافق أو تفاوض، وإنَّما هي متطلبات أساسية يجب الالتزام بها من دون لفٍّ ودوران. وعليه، فإنَّ الحديث عن الحاجة إلى التوافق الوطني بشأن إقرار عدم التمييز، أو تفعيل مبدأ المساواة في المواطنة على أرض الواقع (وليس في النصوص النَّظرية فقط) يعتبر تجاوزاً غير مقبول للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
أما في حال تم تعطيل العمل بالالتزامات بحقوق الإنسان لأي سبب كان (كما في الطوارئ الكبرى، أو الحروب الأهلية، أو النزاع بين الدول، مثلاً)، فإنَّ الإطار الملزم لجميع الأطراف في هذه الحال هو «القانون الدولي الإنساني»، والذي يهدف إلى الحدِّ من اللجوء إلى أساليب أو وسائل للقتال بشعة (مثل استخدام الأسلحة الكيماوية)، وكيفية معاملة الأسرى وغيرها من القضايا المتعلقة بمعاملة الجرحى والمدنيين والضحايا.
إنَّ ما نأمله هو عدم تضييع فرصة الحوار بنقل الموضوع من التفاوض على قضايا سياسية تتعلق بطريقة إدارة الشأن العام، إلى التفاوض على مدى شمول حقوق الإنسان فئة معينة من المجتمع، وهو ليس فقط مخالفاً لجوهر حقوق الإنسان، وإنما إهانة لمن يتحدث بذلك؛ لأنه يوحي للآخرين أنه خارج منظومة البشر، بدليل أنه لايزال يبحث عن «توافق» بشأن حقوق اتَّفق عليها كل البشر.