د. محمد صالح الهرماسي
تمرّ ذكرى قيام الوحدة السورية المصرية (22 شباط/فيفري 1958) في وضع عربي بائس، هو للمفارقة الكبرى، مضاد للوحدة ويتنامى فيه العمل التقسيمي في بعض الأقطار العربية ولاسيما في السودان واليمن والعراق…
وكما عمل الاستعمار وأدواته المحليّة على تكريس وترسيخ الوضع الشاذ الذي خلقته تجزئة سايكس-بيكو، ليصبح مع مرور الزمن وضعاً طبيعياً مقبولاً، بل وضعاً أهليا يُستمات في الدفاع عنه ضدّ كل الأطروحات والمحاولات الوحدوية، ها هي القوى ذاتها تعمل اليوم على تفكيك الأقطار العربية وتقسيمها اثنيا وطائفيا تنفيذاً لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يهدف إلى تكريس الكيان الصهيوني دولة "يهودية" مهيمنة على ما سينتج عن تفكيك الدول العربية من دويلات وكانتونات.
وقد لا أبالغ إذا قلت أنه لم يسبق لمشروع أن تعرّض لكل هذا العداء مثلما تعرّض مشروع الوحدة العربية. فمنذ ظهورها، انصّبت جهود أعداء الخارج وعملاؤهم المحليون، على مقاومة الفكرة الوحدوية بشراسة واضحة وعميقة الدلالة ذلك أن الوحدة العربية هي بالنسبة للغرب الاستعماري وربيبته "إسرائيل" والرجعية العربية بطبيعة الحال من الخطوط الحمراء والممنوعات الأساسية التي لا يمكن التساهل فيها بأي شكل من الأشكال. ومن هنا كان الهلع الغربي الشديد من قيام الوحدة السورية المصرية، وكان من ثمّ التآمر عليها والذي أسهم إسهاماً كبيراً في حدوث الانفصال.
على ان العدوّ الأكبر للوحدة العربية هو، للأسف الشديد، العدو الرجعي الداخلي، الذي يمكن القول دون مبالغة أن وظيفته الأساسية كما حدّدها الغرب: هي محاربة الوحدة العربية سياسيا وثقافيا وإعلاميا. فالوحدة تعني ببساطة بالنسبة للغرب نهاية التحكم بالنفط العربي، وزوال "إسرائيل" كما تعني بالنسبة للرجعية العربية نهاية حكمها اللاشرعي المدعوم من الامبريالية والصهيونية.
والحقيقة أن محاربة الوحدة العربية قد أحرزت نجاحا كبيراً، وكل ما نراه اليوم من انهيارات عربية ولاسيما تفكّك الدولة القطرية، والاقتتال الداخلي، وضياع فلسطين ليس سوى بعض مظاهر هذا النجاح الذي تبدي الجامعة "العربية" تصميما لافتا على استكماله بتدمير الدول والمجتمعات العربية عن بكرة أبيها وعلى غرار ما تتعرّض له سورية تماماً.
كل هذا لا يعني تجاهل مسؤولية القوى القومية العربية التي ارتكبت أخطاء فكرية وسياسية قاتلة في التعاطي مع موضوع الوحدة العربية، وساهمت بالتالي قصداً أو عن غير قصد، في فشل العمل الوحدوي.
وإذا كان النضال ضدّ القوى الخارجية والداخلية المعادية للوحدة ضرورة لا بديل لها، فإن إعادة بناء الفكر والعمل الوحدويين لا يقلّ ضرورة وأهمية، بل لعله المطلب الأوّل الذي يجب أن يتصدّر اهتمامات القوى العربية الوحدوية من مختلف الاتجاهات والمشارب الفكرية. ذلك انه بدون إعادة الاعتبار لفكرة الوحدة، والقطع مع الأطروحات القومية الشعبوية، وتقديم الحلول الوحدوية الواقعية والممكنة، لا أمل في انتعاش النضال الوحدوي…
وتحية للجمهورية العربية المتحدة في ذكراها، فستبقى من حيث المبدأ مثالاً وحدوياً ملهماً رغم كل ما شابه من سلبيات وأخطاء.