هاني الفردان
هي ليست المرة الأولى التي يعبر فيها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن قلقه، وقلقه الشديد بشأن الأوضاع في البحرين.
وربما أكثر ما يستفز الشارع البحريني، هي تلك التصريحات الدولية التي تعبر فيها الدول والمنظمات عن قلقها بشأن تدهور حالة حقوق الإنسان في البحرين أو الأوضاع السياسية، ويكون الاستفزاز من الجانبين الشعبيين المعارض والموالي.
صحيح أن الشارع رغم وعيه السياسي الذي بدأ ينضج كثيراً، مازال غير قادر أو مقدر لفاعلية وقدرة كلمة «القلق» التي ترد في بيانات المنظمات الدولية، لأنه باختصار «مل» منها ومن كثرة طرحها وقولها، دون أن يكون لها فاعلية حقيقية على الأرض، ودون أن تكون لها قدرة على تغيير الواقع أو التأثير فيها بشكل مباشر يمكن تلمسه.
كان أول بيان للأمين العام للأمم المتحدة بشأن البحرين وأحداث 2011، بعد يوم واحد فقط من انطلاق الحراك السياسي.
فقد أصدر بان كي مون في 15 فبراير/ شباط 2011 بيانه الأول بشأن الأحداث في البحرين، ولم يكن في هذا البيان أي ذكر لكلمة «قلق»، بل دعا في ذلك اليوم السلطات البحرينية إلى «الاستماع لصوت والعمل على ضمان الحقوق الأساسية لحقوق الإنسان».
بعد شهر كامل من بيانه الأول، أصدر بان كي مون بيانه الثاني في (15 مارس/ آذار 2011) أي مع دخول قوات ذرع الجزيرة البحرين، وقبل يوم واحد فقط من عملية إخلاء الدوار أو ما أطلقت عليها الجهات الرسمية في ذلك الوقت بـ «عملية التطهير».
في البيان الثاني ظهرت لأول مرة كلمة «قلق» على لسان الأمين العام للأمم المتحدة، إذ عبر عن قلقه «من تواجد القوات الخليجية في البحرين».
منذ ذلك اليوم (15 مارس 2011) أصبحت كلمة «قلق» في بيانات الأمين العام للأمم المتحدة وكذلك الدول الغربية والمنظمات العالمية أمراً روتينياً، اعتاد عليه الشارع البحريني، بل أصبحت في الكثير من الأحيان محل سخرية، واستهزاء، وعدم استحسان أو قبول، لعدم فهمها سياسياً.
ومع كل ذلك، لم تستطع السلطة يوم السبت (15 فبراير 2014) تحمل «قلق» بان كي مون الذي أبداه في بيانه الأخير بشأن البحرين، إذ ردت وزارة الداخلية عليه، وعاجلت الحكومة في اليوم ذاته بتسليم مدير مركز الأمم المتحدة للإعلام في منطقة الخليج نجيب فريجي، مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة رداً على «قلقه».
ما الجديد في القضية برمّتها، هل هو ضيق من الكلمة (قلق) المستهلكة منذ ثلاث سنين، أم إن هناك ما هو جديد استشعرت به السلطة، فأثار «قلق» بان كي مون قلقها وأربكها.
من الواضح أن لغة الأمم المتحدة ومؤسساتها السياسية والحقوقية، أصبحت «مقلقة» لدى السلطة أكثر مما مضى، إذ جاء بيان الأمين العام للأمم المتحدة الجديد، إضافة لـ «قلقه المعتاد»، تضمنه «أسف» بشأن «استمرار التوترات بعد ثلاث سنوات من اندلاع الاحتجاجات في البحرين»، وهو ما يعني أن المنظومة الدولية أصبحت مؤمنة بأن الأزمة البحرينية متواصلة منذ ثلاث سنوات دون توقف، وهو ما بات بحاجة إلى حل جذري وسريع ينهي هذه الاستمرارية، وهو الأمر الذي أربك السلطة التي كانت تسعى جاهدة في إقناع العالم بأن الأمور في البحرين «عادت إلى طبيعتها» وأن «الأزمة انتهت».
وذهب بان كي مون إلى أكثر من ذلك عندما قال بأن الحوار الناجح في البحرين «يتطلب التحضير الجيد بقواعد وأطر زمنية واضحة»، وهو الأمر الذي لا تريد السلطة أن تقع فيه، وخصوصاً أنه سيكون تحت أنظار الرقابة الدولية في المرحلة الراهنة على أقل تقدير.
يعتقد البعض أن «قلق» المجتمع الدولي لم يأتِ بثماره بعد، إلا أنه بدأ في خلق إرباك حقيقي للسلطة بدت معالمه في الوضوح مع ردات فعل لم تكن متوقعة كبيان وزارة الداخلية والمذكرة الرسمية من الحكومة البحرينية للأمين العام للأمم المتحدة بشأن الحديث عن «إرهاب متصاعد» في قبال «قلق دولي» على «أوضاع حقوق الإنسان» في البحرين.
الإرباك الرسمي، قد تم تلمسه منذ خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما (24 سبتمبر/ أيلول 2013)، الذي تطرق فيه إلى الأزمة البحرينية ضمن خطابه الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وكذلك منذ جلسة مجلس حقوق الإنسان في جنيف (9 سبتمبر 2013) عندما عبرت الحكومة بشكل رسمي وعلني على لسان المندوب الدائم إلى البحرين لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف السفير يوسف عبدالكريم بوجيري عن استيائه من أن يسمع من المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي التعليق على أوضاع حقوق الإنسان في البحرين وتضمينها بإشارات سلبية في تقريرها، دون استقاء المعلومات من مصادرها، وتجاهل حقيقة الوضع في البحرين، وعدم إشارتها إلى تنامي ظاهرة العنف والتخريب. وحديثها فقط عن انتهاكات السلطة.
بات واقعاً أن تراكم بيانات «القلق» جعل من المجتمع الدولي لا يرى ولا يسمع حديث السلطة الدائم والمتكرر عن «الإرهاب والتخريب»، ولا يأخذ بما تقول به، بل أصبح يتجاهل وبشكل واضح كل رواياتها، ويركز فقط على ضرورة الإصلاح الحقيقي والجاد وتحقيق طموحات الشعب البحريني، ولهذا السبب ارتبكت السلطة من «قلق» بان كي مون الأخير.