حسن المدحوب
بشروق شمس الغد الجمعة، سيكتب العالم بأسره أنه يوم الرابع عشر من فبراير، لكنه ليس في العام 2011، وإنما يليه بثلاثة أعوام، غير أن ذاكرة ذلك اليوم، الذي لا ينسى غالبية البحرينيين أنه صادف يوم الاثنين، ستظل محفورةً في نفوس الجميع بلا استثناء، المؤيد والرافض، المساند والمعارض، لأنه ربما يكون اليوم الأكثر تأثيراً في تاريخ البحرين المعاصر بالمطلق!
صباح ذلك، كانت الأمور تسير بشكل اعتيادي، غادر الناس إلى أعمالهم كما في كل يوم، وحتى العصر كان أكثر المتحمسين للدعوات التي بثت على مواقع التواصل الاجتماعي، مستلهمةً ما حدث في تونس بدرجةٍ ما، وفي مصر بدرجة أكبر، كان حتى هؤلاء على موعدٍ مع خيبة أمل كبيرة، لولا ذلك الشرطي الذي أخرج سلاح الشوزن وأودع إحدى طلقاته في قلب ورئة الشاب علي مشيمع ذي الـ 21 ربيعاً، من قرية الدَيْه.
ذلك الشرطي أدين بعد عامين من الحادثة بقتل الشهيد مشيمع، وحُكم عليه بسبع سنوات، ثم خفضت العقوبة إلى ثلاث، غير أن رصاصة شوزن الواحدة التي أطلقها، لم تؤد غرضها في إسكات الناس، بل على العكس، كانت رسالةً بالغة التأثير على من حق البحرينيين، كل البحرينيين، أن ينعموا بالكرامة والعزة والمساواة والأمن والحرية والعدالة.
استشهاد الشاب علي مشيمع يومها، الذي جاء بعد التعامل العنيف جداً مع مجموعاتٍ من الشباب، دفع أعداد المحتجين للتزايد، فخرجوا في نحو 25 منطقة رافعين أعلام البحرين، ومردّدين شعارات تطالب بإصلاحات سياسية والإفراج عن السجناء، بالإضافة إلى مطالب معيشية أخرى.
في ذلك اليوم لم يكن أحدٌ هناك يردّد شعارات تسقيطية، كما خلت الاحتجاجات من مظاهر سابقة مثل حرق الإطارات ورمي الحجارة، وشارك نساء وأطفال وكبار في السن في عدة مناطق، وفي السنابس تُركت سيارة أمن فارغة بعد اقتراب المتظاهرين منها، ولكنهم وبدلاً من إتلافها أو حرقها، قام المتظاهرون بوضع علم البحرين عليها.
كانت السلطة في ذلك اليوم، بين خيارين، الأول النظر إلى المطالب التي كانت مرفوعة وقتها، وجزء منها كان يتعلّق بمطالب سياسية ومعيشية، أما الخيار الآخر الذي فضّلته، فكان الإيغال في الحلّ الأمني ومواجهة مطالب الناس وآمالهم وآلامهم بالحديد والنار.
وجاء الخميس الدامي (17 فبراير/ شباط 2011)، الذي فجعت فيه البحرين في الساعة الثالثة من فجره بسقوط أربعة شهداء، تأكيداً على أن الحلول السياسية كان آخر ما يتم التفكير فيه لمعالجة هذه الأزمة.
بعد ثلاث سنوات من كل هذه الدماء التي أريقت، لعشرات الضحايا والشهداء، والجراحات التي طالت بيوت غالبية البحرينيين، وبكاء الأمهات، وأنين الأطفال، وآلاف المعتقلين والمطاردين والمهجّرين، والاقتصاد المنهك، وعمليات الفصل التي طالت آلاف الرجال والنساء البحرينيين، وهدم عشرات المساجد، ماذا لو كان يوم الغد هو 14 فبراير 2011، فأي طريق وخيار ستختاره السلطة؟ وهل سيسمح لذلك الشرطي إطلاق شوزنه على قلب مشيمع مجدداً؟